الفصل الثاني

1.5K 26 0
                                    

الفصل الثاني

"سينيور سيفورزا؟" التفت فابيو بغرور لا يدرك مداه سوى من يواجهه عيونه تتوارى خلف نظارته الشمسية الداكنة تجاه صوت مألوف، وجده لرجل طويل عريض المنكبين، تذكر أنه سبق له رؤيته ولكن لا يتذكر أين!
رد فابيو: "من يريده؟" فقدم له الرجل مظروفاً أبيض اللون ونطق متلعثماً بعد أن أجلى حنجرته: "أنا.. هذه دعوة لسيادتكم لحفل زفافي، أتمنى أن تشرفني بالحضور"...
بدون أن يحرك ساكناً، نظر له فابيو بإشمئزاز وقد علم من ملابسه وتلك الشارة المستطيلة تبرق على قميصه أنه من أفراد أمن المبنى: "أتركها بمكتب سكرتيرتي فأنا لا أقبل دعوات مباشرة".. وترك الرجل خلفه بنظرة حزينة مخذولة يردد داخله:
(ما أقسى المال والسلطة! هذا الرجل بلا قلب لاريب)
لم تفته نظرة الشاب المرتبك ولكنه كعادته لا يهتم، شق طريقه عبر المرآب متوجهاً للمصعد.. بمجرد إغلاق باب المصعد وضغط الزر رقم 3 حيث طابق شركته منذ سنة تقريباً، امتلأت رئتاه بعطر الياسمين فهمس لنفسه بإبتسامة متسلية: "إنها ذات الرائحة.. مؤكد إحدى الموظفات الدؤوبات" وجد تلك الرائحة العطرة تغذي روحه ليعود للماضي السحيق داخله مثيرة تساؤلات "كيف هي؟ ومن تكون؟ وكيف تبدو الآن؟؟"
مازال يذكر كيف وجد تلك الرأس الشقراء الصغيرة تعلو وتهبط تكافح أمواج (جنوة) محملة بروح التمسك بالحياة، كادت أن تصطدم بجسم اليخت الخاص به الراسي بالميناء وكان هو فوق متنه فلم يجد أمامه من حل بديل سوى أن يخلع قميصه بدون الأكمام ويقفز داخل المياه ليشق الأمواج بذراعيه القويتين اللتان تناسبان شاب بالسابعة والعشرين، وصل إلى الجسد الصغير فوجده ليناً فأدرك من فوره أنها شابة ورفع رأسها الأشقر لأعلى فسحبها للشاطيء وهو يتنسم رائحة الياسمين، اندهش لإنتصار رائحتها على رائحة البحر القوية بأملاحه اليودية النفاذة!
حملها بين ذراعيه ولما وجدها فاقدة الوعي قام بالإسعافات الأولية المتعارف عليها بتلك الحالة وعاملها كغريق ليمدها بالهواء فيخرج الماء من رئتيها، وبينما لامست شفاهه الحارة شفتيها الزرقاوتين.. جاءت النتيجة مزلزلة لكيانه، فتحت عينيها ذات اللون البنفسجي التي ذكرته بقمم جبال مون بلان الضبابية الدخانية.. كانت كأميرة تستيقظ بقبلة أميرها الوسيم، نظرتها المحدقة به هزمته واجتاحته رغبات عربدت بكيانه فانقلبت قبلة الحياة الضرورية لإنعاشها لقبلة شهوانية تحولت لرغبة مُلِحة أرعبته فارتجف من الداخل جراء تلك الرغبة المتوحشة التي ملأت روحه لإمتلاك تلك الطفلة أما عنها فلم تعلن عن تذمرها فقط إتساع عيونها بفزع تحول لرغبة مستسلمة راضية وإنفراج شفتيها الشهيتين كزهرة جعلته يمتص رحيقها بشهوانية قاسية، إلى أن أفاق من حالة النشوة القوية على تأوهها.. التهمت نظراته وجهها فقَدَّر عمرها بالسادسة عشر لضآلتها، ملأه شعور بالذنب فهي بالتأكيد قاصر!
ضربته إستجابتها الشديدة ضربة قاسية موجهة لرجولته، علم وقتها أنها ذات تجارب واسعة بالمواعدة فليست تلك أول قبلة تتلقاها أو تمنحها، وعند ذاك الحد وجد ساقيه تعلن الفرار، هرب من أمامها فهو لن يقع في مصيدة ساقطة صغيرة.. مازال يتذكر رجفاتها بين يديه وجسدها الغض اللين وعيونها الضبابية.. آه إنها تلك العيون التي تأسرك فلا تتركك تعرف حالاً.. سواء كنتَ أسيراً أو حراً.. أو حائراً بين هذا وذاك!
توقف المصعد وفتح له فرد الأمن الكبير بالسن بينما حمل له حقيبته حتى باب مكتبه... وتلك كانت حركة قاطعة حاسمة لتفكيره بأي مما قد يشغل باله عن أعماله التي أفنى حياته لأجلها.

أنت جحيمي [مكتوبة]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن