الفصل الخامس
أمام قصر الأسيدورا صرخ ريكاردو بصخب غاضب عندما وجد تجمهر جموع الصحفيين المزعجين بكامل معداتهم أمام بوابة القصر المغلقة، كان الجميع بحالة ترقب لإلتهام كل من يقترب بأسئلتهم ليحصلوا على السبق الصحفي، مرَّ من أمام القصر وأخذ يحول سيارته للطريق الجانبي بسرعة.
"تباً لهم! متى علموا ليخلقوا كل هذه الفوضى؟!" همست شيارا من بين لحظات الضياع التي عاشتها منذ ساعات ومازالت تسكن داخلها.
"سيعود الأمر مثلما كان منذ خمس سنوات أليس كذلك؟؟" تبادلت تونيا النظرات مع ريكاردو ثم راحت تنقل نظراتها بين الجالسة بذهول في المقعد الخلفي والجالس بجوارها وهو يهتف بحنق: "تباً، لا لا!!" وأضاف من بين أسنانه وهو ينظر للشابة المتكومة على نفسها في المقعد الخلفي: "شيارا لا تخشِ شيئاً، أبداً لن يكون كالماضي" لم تجبه.. فقط اكتفت بنظرة جانبية إلى الجمع الغفير، كانت مجرد نظرة سرقتها في غفلة من نفسها لتعلم أن الحال لن يكون كالماضي أبداً، أرخت رأسها بتعب بينما تردد بخفوت: "محق أنتَ يا ريكاردو، لن يكون كالماضي... لكن أسوأ!".
وبينما هي داخل عالمها بلحظة خارج الزمن والواقع، لم تدرك لنظرات تونيا الموجهة نحوها بشفقة.. بدهشة.. وبذنب!
اللعنة كم كانت أنانية حقاً، لقد فضلت الدخول لقوقعتها الآمنة ولم تُلق بالاً أن صديقتها هي من دفعت فاتورة الماضي كله بإعتبار أنها الخطيبة المهجورة المنبوذة، لا وأن الصحافة أعملت فيها سهامها النارية بكل قسوة، أرادت أن تصرخ بحنق وأن تبكي بصمت.. الأمر وما فيه أنها أدارت وقتها ظهرها لأعز الناس لديها بسبب مجرد حفنة أقاويل بالتأكيد لها يوم وتنتهي، وجدت دموعها تسيل رغماً عن إرادتها لدرجة أنها صارت تشهق بقوة مما أثار أعصاب ريكاردو فصرخ بتذمر: "ما بك أنتِ الأخرى؟؟" نظرت إليه تونيا بعيون زائغة مدركة تمام الإدراك أن شيارا الآن بعيدة كل البُعد عن محيطهم بل غارقة في بحيرة أفكارها الخاصة، أخذت نفساً عميقاً ثم همست: "أعتذر، حقاً آسفة.. الأمر أننا في الماضي لم ندرك أن المتضررة الحقيقية هي.." وأشارت برأسها للخلف كعلامة كافية له لتردف بألم وندم حقيقي: "كم كنا أنانيين!".
تنهد ريكاردو ثم مدّ ذراعه ليقبض على أصابعها بتلك الدرجة من النعومة التي تعشقها ثم دفع كفه في شعرها وهو يقرب رأسها من كتفه وهمسه يصل لدرجة الصدق بالوعد.. درجة أشعرتها أنه قادر على تنفيذ ما يقول..
"لن يكون كالماضي.. كلنا عانينا فيه، كلنا كنا متضررين" ربت بكفه على كتفها ورأسها مايزال يتوسد كتفه تشعر بدفء وحماية كافيين لإزالة ألم مظلم داخل نفسها.. حتى سحب كفه ليحكم قبضته على مقود السيارة بتصميم على إجتياز تلك المحنة، كل همه الآن هو فهد أسيدورا العجوز وكيفية تقبله للأمر.. فلا الصحافة تهمه ولا ترهات سيفورزا الفارغة ترهبه وإنما ذلك العجوز المتعنت.. فقط هذا جلّ ما يخشاه في الوقت الراهن.دخلت السيارة باحة القصر الخلفية ونزل ريكاردو ليحمل شيارا التي مازالت ترتجف بدون وعي أو إدراك من الإرهاق النفسي وعدم النوم ليومين كاملين، شرع يتسلق الدرج بينما صعدت أنطونيا خلفه مباشرة ليجدا صوت لورنزو خلفهما بهدوء قاتم.. غريب كيف يقدر ذلك العجوز على إصدار تلك النبرة التي رغم هدوئها ترهب أعتى الأعداء: "ماذا تفعل ريكاردو؟" استدار ريكاردو وهو يقول بهدوء هو الآخر: "دعني أحملها لغرفتها ثم أنزل إليك لشرح الموضوع كاملاً" ضرب الجد عصاه الأبنوسية بأرض البهو الرخامية فأصدرت صوتا كأصوات الرصاص المنطلق: "لم يعد لدي مكان لها، ببساطة.. لقد سئمت منها" زفر ريكاردو نفساً غاضباً وهو يجز على أسنانه قائلاً بصوت خفيض: "سأضعها بغرفتها ومن ثم نتحدث" هذه المرة ارتفع صوت لورنزو بشدة قائلاً بقسوة: "أخبرتك لم يعد لها مكان ببيتي" قاطعه ريكاردو: "إنها حفيدتك الوحيدة، كيف عند أول خطأ تُلقي بها هكذا؟!" ارتفعت حدة غضبه بينما يردّ: "مَنْ جلبت العار لأسلافها ليست حفيدتي" تنهد بعنف ليكمل: "يكفي أنها وقعت تحت براثن ذلك المدعو سيفورزا.. ورغماً عنها وضعتنا كلنا في قبضته بسبب غباءها، لو كان جده ماركو مازال حياً كان شرع يرقص لأنه وأخيراً استطاع حفيده أن يوقع بأسيدورا، يكفيها عاراً أنها عشقت من قتل جده أباها" تنهد ريكاردو عدة مرات.. أراد أن يخبره أن ليس خطأها.. ليس خطأها أنها أحبت.. ليس خطأها أنها عندما أحبت اختارت الشخص الخطأ، ولكن بدلاً من ذلك كله نظر للكائنة بين ذراعيه.. تبدو مسالمة وكأنما راحت في النوم في ملكوتها الخاص.. لم يجد سوى همسه بصوت خفيض يقول: "فقط انتظرني.. وسنتحدث"
لكن لورنزو لم يكن يستمع إليه حتى، حدق بملامح شيارا المُعذبة، أخاديد دموعها التي تركت العلامات أثر لمن يرى، عيونها المرهقة وأنفها المخضب بحمرة قانية، كم بدت ضعيفة! بدت كما لم يرد يوماً أن يراها.
دون شعور منه ورغم كل غضبه منها وعليها إلا أنه هو السبب.. هو السبب في ضعفها الآن.. صدر صوته لحد الهمس لكنه ظل مسموعاً بوضوح وهو يرفع عيونه للواقفين أمامه: "لم أعد قادراً على حمايتها!!" ثم فجأة تحرك بدون أي توضيح ليسير بإتجاه غرفة مكتبه، كان دور ريكاردو ليتبادل النظرات مع أنطونيا ثم استدار ليصعد الدرج.. فليريح تلك المصدومة بين ذراعيه بغرفتها ثم يحاول أن يكتشف ما وراء الحماية تلك ومما يحميها؟ وممن؟؟
أنت تقرأ
أنت جحيمي [مكتوبة]
Romanceالملخص صادفت منقذها في أصعب لحظات حياتها.. في قمة ضعفها وهوانها، كان السبب في نجاتها.. عشقته منذ التقت عيناها عينيه! كل ما يذكره عينان بنفسجيتا اللون تذكرانه بالسماء الدخانية فوق قمة جبال مون بلان الثلجية.. ظلت حوله رسالة ووردة أوريكيديا بيضاء بِلا...