الفصل السادس
"يا إلهي، ماذا تفعل تلك المختلة بحق الجحيم؟!"
ارتجفت شفاه فابيو أثناء صراخه وعيونه تكاد تخرج من محاجرها وهو يراها من مسافة خمسين متراً تتراجع ظنها رافضة مقابلته وهاله رؤيتها تعود لتستعد للتقدم مرة أخرى، صرخ عقله بإدراك.. إنها تتراجع لتقفز من فوق الجرف!
ضغط على البنزين بطريقة إنفعالية لتطير السيارة قاطعة المسافة الصغيرة بأقل من ثانية، هبط من السيارة وهو يقتلع سترته من فوق جسده بسرعة تفوق سرعتها ولم يدرك عقله سوى أن امرأة تنتحر، لم يفكر.. قرر فقط.
عضلة قلبه كادت تقف داخل صدره لإدراكه أن شيارا تعرض نفسها لخطر هائل فالإرتفاع ليس قليل وصدمة الإرتطام بالماء كافية وحدها أن تحطمعظامها مهما كانت قوية.
(رباه.. لن أتحمل أن تنتحر امرأة أخرى بسببي) لم يدرك حتى أن همس بتلك الكلمات قبل أن ينطلق على قدميه يسابق الريح الذي لم يجد مناص سوى الخضوع لعزم رجل!تجمد جدها بأرضه عندما أدرك نيتها ليهتف بحرارة: "لا يا صغيرتي لا تفعليها، أنتِ أقوى من ذلك!" همست من بين دموعها الواهنة: "لابد أن أفعلها من أجلك جدي، لا تحزن.. سأذهب لأبي" ركزت كل نظرتها للبحر ولكنها لم تسمع سوى نداء البحر وزرقة أمواجه تعدها بالحرية من جميع آلامها، قدماها ترتفعان لأعلى وكأنها تنفذ مخططاً للطيران.
أسرع ريكاردو الذي صرخ من داخل سيارته بغضب.. بخوف.. بهلع: "تراجعي عن الحافة شيارا!!" ثم شعر أنه مقيد بلا حيلة، إنها على شفا خطوة واحدة من الموت، إنهيار تونيا بجواره ببكاء وصرخ متوسل باسمها أكد له أن ما يراه حقيقة وليست كوابيس نتأت من أحلامه، لقد سقطت أمامه.. قفزت أمام عينيه بالفعل، لقد قفزت.. وخلفها ذلك المقيت!
رآها بأم عينيه وشعر بمدى استعدادها لمواجهة حتى الموت من أجل جدها، كيف دفعت قدميها بالأرض كمن ستطير لأعلى ثم أدارت رأسها لأسفل يسبقها ذراعاها المفرودتان أمامها بقفزة محترفة.
لم يدرك فابيو مدى إحترافيتها فلقد كانت ردة فعله أسرع من الجميع، تحرك بسرعة خاطفة خلفها تماماً غير آبه بأي شيء، لحظتها أدرك أن لا حياة له مع ذنب قتلها لنفسها، يعلم أنه أحبطها وقهرها في لقاؤهما اليوم لكن أن ترغمه على أن يعايش ذلك الإحساس مجدداً فذلك ما لن يسمح به!
أكسبته الرياضة ليونة ورشاقة فوق المعتاد فنفذ قفزة أطول من قفزتها وفرد ذراعيه ودفع بهما لأسفل ليكون سابقاً لها محافظاً على سرعة أكبر من سرعتها وتوازن أكبر حتى يتلقاها ويهبط بها بطريقة لا تؤذيهما معاً، جعل من رأسه قذيفة تنزل بشكل عمودي فوصل إليها لثقل جسده الذي لا يوازي خفتها بشكل أعاقتها الريح فيه عن الهبوط أسرع، وجدت نفسها في أحضان شخص تقشعر خلاياها من قربه بكل الظروف، فتحت عيونها لتحدق به، تجمدت نظراتها عليه وهو يهمس بقوة داخل أذنها: "لن أسمح لكِ أن تموتي، لن أسمح لكِ بتركي".
هل جربتَ يوماً إحساس القفز من أعلى؟ بحرية تامة دون أي شيء يقيدك؟ هي اختبرت ذلك، هي حقيقة عايشته وكم كانت سعيدة لما وجدته يمسك بها بتلك القوة، على الفور تشبثت به فمن يختبر ذلك الإحساس لسوف يعانق أي يابس يجد وليس فقط الرجل الذي ظنت أنها تحب، والآن رغم أنها حقاً لا تعرف لِمَ أنقذها لكنها كانت... مرتاحة لوجوده!
شعرت بقوة إرتطامهما في مياه البحر التي حقيقة لم توازي قوة الإرتطام الحقيقية التي امتصها جسده القوي، المياه سحبتهما داخلها لعمق شديد كان مهيء جسده له، عاد بلمحة يدفع جسده الرشيق لأعلى مخترقاً سطح البحر وهي بين ذراعيه، كانت تكتم أنفاسها لحظة الإرتطام واستمرت في ذلك حتى بعدما طفت على وجه المياه لتشهق فجأة ساحبة نفساً عميقاً، رباه كم كانت بحاجة لتلك اللطمة لتفيق!
لاحظت أنها مازالت بين ذراعيه وأدركت لذراعها الملفوف حول عنقه وكفها الأخرى المتشبه بقميصه، أدركت حالها فأسرعت بعدما عادها بعض التعقل لتجد نفسها تصرخ بلا داعٍ لتبعده عنها: "أتركني، أعرف السباحة" همس بقوة تتناسب مع حدة غضبه ومجهوده البدني والنفسي الذي جعل أنفاسه متقطعة: "لن أحمل ضميري وزر إنتحارك أيتها البلهاء!!" أثناء غضبه منها ابتلع كمية من المياه أربكت رئتيه فأخذ يسعل بشدة، رفقت بحاله فمهما كان لم يكن عليه أن يلحقها، ولكنه فعل.. أرادت أن تشكره لكن الكلمة علقت فوق لسانها وبدلاً من ذلك وجدت نفسها تتقدمه مسرعة تسبح دون أن تنبس ببنت شفة، كذلك هو لم يجد بداً سوى أن يتبعها، ظلا يسبحان متجاورين حتى وصلا للشاطيء معاً منهكين وعضلاتهما تئن من الألم.. وشيء آخر!
أنت تقرأ
أنت جحيمي [مكتوبة]
Romanceالملخص صادفت منقذها في أصعب لحظات حياتها.. في قمة ضعفها وهوانها، كان السبب في نجاتها.. عشقته منذ التقت عيناها عينيه! كل ما يذكره عينان بنفسجيتا اللون تذكرانه بالسماء الدخانية فوق قمة جبال مون بلان الثلجية.. ظلت حوله رسالة ووردة أوريكيديا بيضاء بِلا...