الفصل السابع

1K 24 0
                                    

الفصل السابع

ستعلن للهواء أنها لن تراه بعد أن توقع على أوراق إنتحارها.. سينساها أكيد، وهل كانت احتلت خلاياه لينساها؟ كيف سيتذكر عطر امرأة لم تكن في باله حتى ذكراهما؟
تأوهت شيارا وهي تتلمس شفتيها، كيف لقبلة واحدة أن تحتل جسدها نظرت لمرآتها المموهة بالضباب كأثر طبيعي لإنسياب الماء الحار بحمامها.. لترى صورتهما معاً بذلك الماضي السحيق، الخدر الذي لفها مازال الماضي يحيا في أطراف أصابعها التي مست بشرة رقبته العريضة.. لقد تسلل لقعر مسامها، كان يتسلل كطقس يومي بخيلاتها ليسامرها ويداعب أفكارها، لقد تحسست مشاعرها ناحيته وكانت تدرك أنها النتيجة المنتظرة.. غطست في حوض إستحمامها الذي لها فترة تستخدمه بتدريب أعصابها على الإسترخاء الذي صارت تحتاجه لتواجه بغضه وحقده لمَنْ منعت عنه الإستمرار في حياته العاشقة، تنسمت رائحة الزيوت العطرية وتلاعبت أصابعها بكرات الملح الصابوني برائحة الياسمين، كم تعشق رائحة تلك الزهرة! تجعلها تشعر بإنتعاش أفكارها وتنام هادئة.. كم تعشق أن تدلل نفسها في حمامها، نظرت للشمعة الكبيرة المضاءة بزاوية حمامها وصممت على قرارها..

أنهت حمامها الساخن الذي طال لتخرج من عظامها برودة فتت عضدها، كانت تشعر كلما دفعت الماء فوق رأسها أنه يزداد سخونة فوصل لإدراكها ما استشفته من كثرة إرتعاشها وهي ملتحفة بالغطاء الصوفي منذ دخلت غرفتها وتركت خلفها العاشقين بالحديقة، أصابها برد قوي وصاحبته الحرارة كرفيق حميمي أو أن هناك حمى ألمَّت بها.. تنهدت وهي ترتدي مئزر الحمام الأبيض وتحكم غلقه حول جسدها الملتهب إشتعالاً من جراء تلك الحرارة التي ألمت بها منذ ساعات، مدت أصابعها النحيلة لجبينها المتوهج لتزيح حبات العرق التي تجمعت عليه بمجرد إنتهائها من حمامها بحثت عن دواء يناسبها فوجدت مسكناً بدولاب حمامها فتناولت قرصين وخرجت لتتدثر بفراشها بدون أن تفض شعرها من فوطتها المحكمة حول رأسها، شعورها القوي باليأس هو ما يحركها.. تستعرض جميع أحداث اليوم البائس الذي يبدو أمامها أنه دهراً وليس ساعات.. حتى لو طالت فهي ساعات فقط احتوت أحداثاً مصيرية بالنسبة لها.. بدأت في تحليل كل مجرياته بدءاً من طلبها مقابلة عاجلة معه ثم إنتهاء بعرض زواج.. فرض عليها شروطه مروراً بإنقاذه لحياتها، عبست وقد انتبهت لنقطة كانت قد غفلت عنها سابقاً: "لقد أنقذها عند تلة الأسيدورا!"
همت جالسة في مكانها وسؤال واحد وقف بحلقها محدثاً غصة ومرارة كادت تخنقها، كيف وصل للتلة؟ ثم تبعه أسئلة أخرى.. كيف وافق العجوز بسرعة؟ بل شعرت أنه سعيد مرتاح بالعرض المهين للعائلة! فلم يثر أو يرفض بل ابتسم بإرتياح.... واستدركت ما جعلها تنكمش بهوان على نفسها وهتف عقلها مؤكداً ما توصلت إليه: "كان هناك اتفاق مسبق بين العجوز وفابيو على الموعد.. وقد يكون هناك ضغط من العجوز عليه ليلصقها به كبثرة بين أصابعه" فكرت بالمبالغ أو العروض التي جعلت فابيو الطامح يصر على الزواج، لاح أمامها وجه فهد أسيدورا السعيد الفخور بما حققه فوجدت دموعها تسيل بقهر أسود على وسادتها.. وعندما أفرغت قنانيها أجابها ضميرها الموخز لها بإبرته الصلبة: "واجبك أن تنقذي مجموعة الأسيدورا حتى لو كنت القربان الذي سيمكن عائلة سيفورزا من انتقامهم عامة.. أو حتى تمكن فابيو من تحقيق انتقامه الخاص عندما تدخلت فأفقدته حبيبته" تأوهت بألم وعقلها يستدرك: "لابد أن تبدي موافقتك غداً" انكمشت بحدة وتكومت حول بعضها بإرتجاف، وهل هناك فارق بين موافقتها أو عدمها؟! فهي كالشاه لن يضيرها أن تسلخ بعد أن ذبحوها، تألمت كرامتها المهانة وكبرياؤها الجريح بقوة فصارت تبكي كما لم تبكِ يوماً بحياتها وضاع كلية أي إسترخاء نشدته من حمامها التدريبي!

أنت جحيمي [مكتوبة]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن