الفصل الثامن

827 24 10
                                    

الفصل الثامن

"الوغد! سأقتله بيدي" قبضت تونيا على الثوب البرتقالي الممزق الأثر الوحيد الباقي من شيارا وجدته ملقى على الأرض، سبحت خيالاتها في الرجال الجنس الأقذر على وجه الأرض، ظنته غصبها على مسايرة مشاعره فكان تصرفها اندفاع طبيعي لحماية أي امرأة تؤخذ عنوة وهي لن تسمح بتكرار ذلك لغيرها، غضبت بقوة.. هرولت للخروج هرباً من صراخ فراغ المكان بطريقة جلبت الإشمئزار لنفسها التائهة.. هبطت تونيا صارخة على الدرج: "فابيو سيفورزا.. انتظر!!" لوى عنقه بكبرياء متخطياً بنظره جسد ريكاردو الذي كان يهم بوداعه بعد صعود زوجته، تسلل لعقل فابيو الاسم الذي أطلقه عليها ماريانو (العاشقة الحمراء) فقد بدا جلياً بما لا يقبل الشك كيمياء التجاذب وشرارات الحب التي يتبادلها الزوجان أسيدورا معاً بما أكد له الظن أن إدعاء حب شيارا له هو جزء تعويضي لكرامتها الجريحة برفض ريكاردو لها.
فكر،، ماذا تريد الآن؟ لقد غادرت لتطمئن على شيارا التي انسحبت قبل نهاية الحفل بشكل دراماتيكي كالأوديسة اليونانية.. كم بدت ساكنة كهدوء ينذر بالعواصف العاتية وهي تخرج من غرفة العجوز، كم شكر لها هدوئها العجيب.. حتى في صراخها هادئة متمالكة لأعصابها بشكل مغيظ!

اقتربت تونيا أكثر منه تهب عليه بجنونها الصاخب، ألقت بالثوب في صدره بقوة فأجفل من تصرفها الغير مهذب وكاد أن يلقي به في وجهها بعد أن أمسك به كحركة فطرية.. لولا إطلاقها العنان للسانها المتهم بسلاطة: "هذا ما جعلها تهرب منك قبل نهاية حفل زواجكما أيها.. أيها.." تلعثمت الصفات فلم تتجاوز عقلها، نظر إليها وإلى ريكاردو الذي صرخ بها معاتباً: "تونيا ما هذا الهذيان؟" تبادل الرجلان النظرات ثم قبض ريكاردو على كتفي زوجته وقبل أن يسحبها جمدت نظرات فابيو فوق وجهها ثم عاد ينبهها ببرود قاتل: "اهدئي سيدة أسيدورا حتى نستطيع فهم بعضنا" جذبت الثوب من يده وفتحته أمامه.. كاد يشهق من إتهاماتها المبطنة لكلماتها وقد توضحت أمامه الأمور بجلاء تام، جذب الثوب بحدة منها لم يدرك أنها متشبثة به بكلتا يديها فتحركت بإندفاع مع الثوب وكادت تقع لولا يدا ريكاردو الذي خرج من ذهوله على إتهاماتها والدليل الدامغ.. الثوب المشقوق طولياً من الصدر حتى نهاية تنورته الطويلة.
"ليس من حق أي إنسان التدخل بيني وبين زوجتي.." صمت برهة حانقاً على إتهامه بهذه الجريمة، كيف وهو يبغضها؟ كيف تصوروا ذلك بعقولهم المنحرفة؟ فهل ظنوا الجميع مثل كبيرهم لورنزو؟ غلى الدم في عروق فأردف: "أنتم تقيسون الناس بمقاييس أنفسكم العفنة.. آل سيفورزا ليسوا بحاجة لإغتصاب نساؤهم!" نفث ريكاردو زفيره كقاطرة بخارية ومد يده ليقبض على ياقة سترة فابيو جاذباً إياها: "أيها الحقير، أنتَ تهيننا في منزلنا" ففعل فابيو بالمثل وتأهب للهجوم بلمحة، استدارت أنطونيا الواقفة بينهما لريكاردو تتوسله: "أرجوك ريكاردو ليس الآن، دعنا نضع خلافاتنا جانباً لنعرف لماذا غادرتنا؟ وأين هي؟!" اندهش عندما سحب ريكاردو يده العدائية ومسد السترة ليصلح أثر قبضته قبل أن يعاود حماية زوجته بين يديه.. كيف بكلمة من هذه الضعيفة تحول الضخم لينفذ كلمتها فوراً؟ ارتفع صوت تونيا مستفسراً: "إذاً أين هي زوجتك الآن سيد سيفورزا؟ لِمَ هربت عروسك منك ليلة عرسكما؟" غرق الجو في صمت عانى الجميع منه.
"أين شيارا الآن؟" انكسر صوتها أكثر بتشتت عميق: "أين صديقتي؟" أخذ ريكاردو يمسد كتفي زوجته التي استدارت لتلقي رأسها بتجويف عنقه تفكر بحيرة أين ممكن أن تكون شيارا، لمع الغضب بعيون فابيو ثم هدأت نفسه بفعل الشفقة التي جلبها حال تونيا المشتت.. والألم نام بوجه ريكاردو ثم ارتفعت حدة داخله من المتعجرف أمامه الذي لم يهتم بها كما يتوجب عليه كزوج ولكنه شعر بالراحة أنها أخيراً قررت الخروج من هذه القوقعة القاتمة.. جاءت كلمة فابيو قاطعة مؤكداً الصفة الجديدة للغائبة: "شيارا سيفورزا الآن بجنوة من أجل حل بعض المشكلات الملحة التي لا تقبل التأجيل ساعة واحدة قبل أن نسافر برحلة شهر العسل وقد ألحق بها في جنوة بعد أيام قليلة فاطمئني صديقتك بخير حال.. وقد يكون السفر الملح وتأجيل ليلة عرسنا.. وراء حنقها فمزقت ثوبها بتلك الطريقة" ضاقت عيون ريكاردو من قصفه شيارا بتلك الطريقة التي وجدها مستهجنة.. ولكن خروج خاله من غرة مكتبه وإقترابه منهم منعه من تعنيفه، نظر فابيو بحقد لمصدر دقات العصا الأبنوسية الحادة التي صار يألفها جيداً وعاد يقول: "آل سيفورزا يحمون النساء ولا يغتصبوهن مطلقاً" خرج منتصب الرأس فخوراً بإنتمائه بعد أن ألقى نظرة عدائية أودعها كل الإحتقار تجاه الرجل العجوز.

أنت جحيمي [مكتوبة]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن