الفصل الرابع عشر
جنوة منذ نصف الساعة
*****
سكنت أوراق الأشجار في مساندة حزينة لشيارا السائرة بصمت منذ تركت السيارة الأجرة، بدأت تصعد درج منزل العم أنطونيو المعدني جاهدة في محاولتها أن تجهض صوت كعبها العالي تشعر بارتياح رغم كل الفزع، مهمتها انتهت هنا وحصلت على البراءة لجدها الرجل الشريف.. هذا هو ما يجعلها تشعر بالفخر والراحة، نجحت أخيراً في فتح باب الشقة المعتمة بعد محاولة يائسة لعدة مرات أن تضع المفتاح في مدخله بشكل صحيح من إرهاقها المضني ودلفت سريعاً جلست قليلاً على مقعدها الهزاز تلملم عتمة عقلها، كيف ستغادر الآن؟ إنها لا تعلم.. هل أوامرها فيما يخص الطائرة ما زالت سارية على من في المطار أم لا؟ إن لم يكن كيف ستغادر؟!
هداها تفكيرها أن تذهب لقصر سيفورزا فما رأته بتلك الليلة أنه منيع بحراسته المكثفة وبينما في الواقع هناك تعمد بالإتصال بفابيو لينقذها.. لامها عقله بكبرياءه: "وتقفين مع لونا بذات المكانة؟! عشيقة أم صديقة؟ إنك حتى لا تعلمين مكانتك لديه"... لا، لن تتوسل حفيدة أسيدورا لأي مَنْ كان فهي لم تعتد أن تطلب من أحد حتى جدها وإلا كانت بكت سابقاً وهي طفلة لتملك مجموعة باربي مثل صديقاتها، قررت أن تذهب للمطار وتأمرهم أن يجهزوا الطائرة فهي حفيدة لورنزو قبل كل شيء وستقودها عائدة لقصر الأسيدورا الصلب، القصر البارد... وهل وجدت دفء يخصها بمكان آخر ورفضته؟!فليكن، لقد انتصرت لجدها ودمائه النقية ولن تسمح لأي كان أن يجعل عينيه يملأهما الخزي والعار، وقفت برهة تجيل نظرها للغرفة كنظرة وداعية واحدة، لن تغضب على فراقها كثيراً فقد كانت تنعم بوحدتها وخوفها هنا.. ابتسمت لذاتها بسخرية، وما أجملها من وحدة!
بدأت تفتح الخرينة الصغيرة لتخرج حقيبتها الظهرية وحقيبة يدها الكبيرة وصارت تجوب هنا وهناك بالغرفة تجمع كل ما يخصها، حركتها السريعة أصابت لوكاس بالإرتباك... كيف سينفذ مهمته وهي لم تخلد للنوم؟ ما طُلب منه هو إحضارها بدون ضجة ولكنها على ما يبدو ستغادر فوراً، بدأت عيناه تمران على جسدها من خلال شق غرفة نوم الوحيدة التي انتظرها داخلها لينقض عليها كعقاب قاسٍ ينال منها ما حرمته إياه والآن ستهبه لذلك الفظ أندرويتي، لا يهم قبولها.. هداه تفكيره بوحشيته الطبيعية: "فلتكن لك لوكاس مكافأة تقتنصها بنفسك كما اقتنصوا منك الأثرياء الحياة كلها وتركوك تقبل أحذيتهم لتعيش ذئباً بينهم" ابتسم إبتسامة لذئب حقيقي وعقله يهديه لأفكار شيطانية، إنها لن تستطيع أن تثبت أنه أخذها عنوة!
بينما غضب أندرويتي يعلو منها لن يكون لها المقدرة على الصمود أمام غضبه ومجادلته والإنتصار عليه.. عقلها يحلل أحداث اليوم المخيف، تذكرت البلل فمدت كفها الصغير تخلع المعطف الواقي من المطر الذي وقاها من البلل والغرق بمياه نظام الإطفاء بالفندق، نظر من شق الباب بعين واحدة دكنت برغبات في امتلاك منحنياتها الناضجة التي تتحدى رجولة أعتى الرجال رغم نحافتها ولكنها تتمتع بقد ممشوق صغير جذاب، أبرز فستانها الشفاف جمالها وكلما تحركت بالغرفة تحت الضوء الساقط الذي يجعل فستانها كهالة من الضباب حولها ازدادت رغباته عربدة وتصلبت خلاياه استجابة لتلك الرغبة المسعورة فيها، مدت كفها لتلتقط المعطف الثمين من فرو المنك وبدأت تدخل ذراعها فيه تتمنى أن تنال دفء لم يحالفها حظها بنيله من صاحبه، التفت ذراع طوت خصرها بإحكام وأخرى كممت فمها بقسوة.. لم يمهلها أن تستغيث، سقط عقلها بفراغ معلناً توقفه عن العمل كما سقط معطفها الفرو على الأرض معلناً إعتذاره عن منحها الدفء، جعل الفزع إنتفاضة تلو الأخرى بجسدها عنوان انهيارها، أنفاس متلاحقة تهدر بصيوان أذنها وأنفاس تخالطها رائحة الكحول التي تأنفها نفسها، بدأت تتسارع أنفاسها فكفه يحمل رائحة السيجار الذي أيقظ عقلها على تلك اليد، رفعت كفيها في محاولة يائسة لإزاحة يده الحقيرة التي تنتمي لجسد أكثر حقارة وهو يهمهم داخل شعرها: "رائحتك دائماً رائعة سيدتي!".
حاولت التمصل من بين يديه القذرة فنشبت أظافرها في ساعده فكانت كمن يكش إحدى الحشرات الهوام، حملها بكاملها وجسده يحتك بظهرها.. صارت تتخبط وساقاها تصدمان بقوة ساقيه فما زاده هذا إلا إصراراً على المضي بما يريد، حاولت أن تعض كفه التي تكمم فمها فلم تقدر من شدة ضغطه على شفتيها اللتين بدأتا تنتفخان تحت يده المحكمة عليهما.
"أتدرين يا حلوة؟ الأمر كان أن أحملك للرئيس ولكني سأحملك لمكان أفضل.. ثم أحملك إليه بعد أن أعدل ذكرياتك عني بمتعة أعلى" همهمت داخل كفه عندما سمعت صوته الشبق بالرغبة الموحلة بالرزيلة فخفف الضغط قليلاً على شفتيها فهمست بإرهاق ظهر جلياً بالرغم من محاولتها الصادقة لإخفاءه بكلماتها الصارخة كمن يبصق بوجهه: "لو علم أندرويتي ما تنويه لوكاس لقتلك وألقى رأسك في أقرب حاوية قمامة حيث تنتمي" همس بحشرجة الرغبة الفاضحة وهو يقترب أكثر من شحمة أذنها: "وما يدريك؟ قد أكون فعلت معروفاً له فلا يحتاج لبيعك بالبرازيل بعدما قضيت ليلة مع زوجك.. أفلا يعلم أنكِ لم تعودي عذراءً أيتها الكونتيسة؟" ضربت قدميها في ساقيه تحاول أن تجعله يتركها بغرس أظافرها المطلية بعناية في بشرة كفيه وتهدر بقوة: "أقسم يا لوكاس سوف أقتلك بيدي هاتين" ضحكاته تزداد وهمسه في أذنها كفحيح ثعبان أسود لعين: "أعشق المرأة المهددة، نعم اهدري بين يدي أكثر فتكونين ذات مذاق أحلى" هدرت من بين أسنانها: "أيها القذر!".
وقف أمام باب غرفة أنطونيو وهو مازال مطبقاً على أضلعها وهو يدفع شفتيه في جانب عنقها الناصع البياض، لامت نفسها أنها قد تعمدت رفع شعرها وجمعته أعلى رأسها في لفة قاسية كانت ستمنعها من الشعور المقزز، عاد يهمس بعد لثمات استشعرتها رطبة كحلزون زلق: "الآن ستعلمين كيف الحب مع رجل حقيقي وليس مع هاوٍ" صرخت به.. وهل تملك سوى الصراخ؟
"لن يكون يا حيوان!" لم تجد سوى دفع كفيها وقدميها لعارضة الباب الجانبية لتمنعه من اجتياز باب الجحيم، ومضت لمعة من خلف رأسها واختفت، ظنتها من داخل عقلها بينما تلفت لوكاس وهو يبحث عن شهود اقتحموا عليه خلوته بفريسته وعندما اطمئن عاد برأسه إليها مرة أخرى وهو يضحك ويعلن بوقاحة مقززة: "ليت هناك شهود كنت اكتسبت من خلفك الملايين لمجرد بيع القصة للصحف" ظل يدفعها للداخل وهي على مقاومتها ومحاولتها أن تخلص نفسها من قربه المثير لإشمئزازها وخاصة وجسده يكاد يخترق جسدها ولكنه كان أكثر إنتباهاً مما تخيلت فأحكم قبضته عليها فارتفعت حدة لهاثها لتلقي بكارت أخير: "دعني لوكاس ولن يعلم أحداً بما حاولت الآن... حتى جدي" مال على عنقها وهو يدفع أنفه داخل عنقها يسمم سمعها بأنفاسه المستنشقة لعطرها وصوته الأجش يلاحقها: "إن جدك سيمنحني مكافأة عندما تعودين وقد ملأك الرعب، لقد أوصاني أن أخيفك لتعودي" ضحك باستهتار معربداً بوقاحة: "ياله من جد خرف!" ارتخت عضلاتها فجأة من المحنة الجديدة التي أذهلتها، كيف لجدها أن يفعل ذلك بها؟ وباستسلامها ذاك جعلت له النصر حين سقطت فردة من حذائها معلنة انسحابها من المعركة فعادت تضع قدمها الحافية على العارضة ولكنها رفضت الثبات وانزلقت مانحة للوحش الأدمي الفرصة التي اغتنمها بسرعة متغلباً على ضعفها البدني بهمجية ووحشية فأدخلها الغرفة، رمى بها فوق الفراش الصغير قاسي الحشوة الذي يملكه أنطونيو، زحفت بسرعة للطرف الآخر من الفراش وعينها منصبة على عمود معدني قصير وقف منتصباً كأنه ينتظرها بزاوية الغرفة فقفزت إليه، قبضت عليه قبل أن يلقى لوكاس جسده على الفراش ليمسك بأطراف ثوبها الفضفاض وصار يسحبه فيسحب جسدها كله وهو يقزز روحها أكثر بكلماته: "إن هيئتك هذه أفضل من الصورة الرسمية للرئيسة، أشتاق أن أمزق ثوبك هذا" وبدأت تسمع صوت تمزق فاستدارت في مكانها الضيق وهي ترفع كفيها بالعمود المعدني صارخة بوجهه: "اخرج من هنا الآن قبل أن أصيبك أيها الخنزير" نظر إليها بتسلي الصياد لفريسة تحاول أن تتجه بعيداً عن مصيدتها ثم تركها وتحرك للجهة الأخرى من الفراش حيث حال بينهما السرير الضيق، كان ينظر إليها وهي تلوح بوحشية بالعمود وبيدها فضاقت عيناه بانتصار ثم باغتها بقفزة على الفراش ليصل إليها، تراجعت للخلف متألمة مذعورة بينما هو يتقدم بذات السخرية: "هاتي هذا القضيب حتى لا تؤذي نفسك" حاول أن يخطفه منها فضربته على ذراعه وأعادته تجاهها وهي تهدر برفضها: "لن أعطيك إياه" مد أصابعه وبدأت معركة الأيدي فانتزعه منها خالعاً إياه من يدها وقذف به على الأرض ناعياً عجزه عن مساندتها بصوته الرنان حينما جذبها لوكاس بقوة وصار يهزها معنفاً إياها: "كدتِ تكسرين ساعدي، يا لك من متوحشة!" ثم هتف ببرود ساخر بينما أسنانها تصطك من هيئته المتوعدة: "سوف نترك الجدل حتى ننتهي" كادت تصرخ فدفع شفتيه لتكتما شفتيها لتحبس صرختها داخلها ثم لم تلبث أن تملصت وأدارت وجهها وهي تصرخ: "حيوان!! سأقتلك" وفي جزء من الثانية كان يدفعها للخلف وهي تقاوم بدفعه بعيداً بذراعيها وكعب حذائها العالي مغروساً بسطح حذاءه غير أنه كان منيعاً لا يتأثر بضربات يديها محاولاً الوصول ليسيطر على شفتيها بشفتيه الشهوانيتين المفترستين.. ولكنها كانت تضربه برأسها بقسوة، عندما فشل في الحصول على شفتيها حاصرها بذراعيه جاذباً إياه تجاهه وحرر كف ليحدد عظام وجهها بواسطة أصابعه وهمسته تخنقها: "كم أنتِ رائعة الجمال! سأمتعك معي فلِمَ تعاندين؟ أتعلمين؟ لولا حرصي أن تصلي لأندرويتي بدون خدش كنت انتهيتُ منكِ منذ دخلتِ للمنزل" صرخت وبصقت في وجهه: "قذر حقير" فلم يكن منه بعد أن مسح وجهه براحته إلا أن عاد ورفعها مرة أخرى مطوقاً خصرها بذراع واحدة، كانت كدمية بين يديه.. كان عنيداً متصلباً مصمماً ألا يتركها إلا في الفراش، عاد ليرميها فوقه مرة أخرى، فزحفت بقوة ورأسها يضج في أين مكان مسدسها الصغير الذي التمع أمام مخيلتها وهي تضعه بجيب المعطف الواقي من المطر الذي كانت ترتديه وهو بالصالة الآن!
قبل أن تخرج من الفراش كان أسرع بالقبض على ساقها وأخذ يجذبها إليه مرة أخرى، انحسر ثوبها عن مكانه الطبيعي وظهرت ساقاها الرخاميتان بجمالهما الناعم النادر وفخذاها النحيفان وأردافها كتلال صغيرة عامرة عند هذا الحد فقد لوكاس جزء من التحضر الذي لم يملكه يوماً وألقى بجسده عليها ويديه تتحرك بقذارة على منحنياتها وهي تصرخ بأقصى قوتها: "لااااااا" أخذت تجاهد لإبعاده عنها حتى وصلت أصابعه إلى كتف ثوبها فسمعت صوت تمزقه بوحشية بينما ساقاه تحاصران ساقيها وضغطه يزداد وطأة على جسدها، عند هذه اللحظة صرخت بوحشية: "لااااااااااااااا حقيـــــــر" خُيِّل إليها أنها ستوقظ المبنى حتى لو كان من يقطنوه أمواتاً وجثثاً بلا حياة لم يعد يهمها أي فضائح، كل ما تتمناه الخروج سليمة من بين يدي هذا الحقير الذي لا يهمه من المرأة سوى جسدها فقط، بدأت مقاومتها تنهار... في غمر إجهادها أصابها التجمد لبرهة أعقبه صوت سقوط شيء من الخارج فتوقف لوكاس مما أكد لها أن الصوت لم يكن من نبت خيالها وأوهامها أن هناك من سينقذها بينما تحرك لوكاس بتوجس للخارج بعد أن قال مؤمناً باستسلامها له أو هكذا فسر تجمدها: "سأعود بسرعة، يبدو أن هناك قط أو فأر قرر أن يقاطعنا" لم تصدق نفسها عندما أخرجها صوته من استسلام كاد يفرض على نفسيتها المحبطة، ودت أن تشكر لوكاس بدعابته السمجة على إيقاظ عقلها من تجمده!
تحرك لوكاس يبحث عن مصدر الصوت بالغرفة الضيقة واقترب من النافذة المفتوحة المطلة على الشارع مباشرة فتعلو حانوت الكتب وهو يهمس لنفسه بصوت مسموع: "لا أتذكر أن هذه النافذة كانت مفتوحة" وعندما أشرف عليها داست قدمه شيئاً تكسر تحت ثقل وزنه، رفع قدمه والتقطت عيناه مغلفاً بلاستيكياً مخصصاً للأقراص المدمجة، نظر خارج النافذة بسرعة وتأكد من خلو المكان حتى هذا المصعد المخصص لتنظيف النوافذ كان خالياً، مال ليلتقط المغلف وعندما انتصب وكل تركيزه موجه لفتحه وجد قطعة معدنية باردة تلتصق برأسه، فكر قليلاً.. إنه سلاح ولكن من؟ من دونها؟!
عندما أدرك أن اللهو معها قد يصيبه بأذى بسلاحها ولكن من أين لها بسلاح؟ صوتها القاتم وصله من بعد أقل من متر: "قد فتحها القدر الذي يؤمن أنني لن أكون لوغد مثلك" وبدأت أوامرها تتوالى عليه: "ارفع يديك لأعلى ثم تحرك بعيداً ولا تُنزِل كفيك" فرفع ذراعيه لأعلى وهو مازال قابضاً على المغلف في حركة طبيعية اعتاد عليها بسبب إجرامه حتى يجد وسيلة لسحب السلاح من يدها.. بدأ يتحرك وهو يهدر بالسخرية: "كيف ستغادرين المنزل والباب مغلق من الداخل؟ لم تنتبهي أنني لن أضيع فرصة لنيلك" رنت للباب بزاوية عينها فوجدت المفتاح غائب عن الباب وهي واثقة أنها قد تركته متدلٍ بمخرجه من الداخل عندما دلفت، تراجعت بحيث أصبحت النافذة خلفها تماماً وحمدت الله أن أنطونيو لم يضع شباكاً حديدية لتغطيها وقبل أن تصعد فوق حافتها تحرك لوكاس وهو يزأر بقوة: "حقيرة" ملقيا ذاك المغلف باتجاهها فأصاب قمة رأسها، فزعت وكادت تقع من حافة النافذة وقبضت أصابعها على الزناد فأطلق رصاصة بغير تعمد، نظرت للوكاس الذي انحنى ليمسك ساقه وهو يتأوه بألم مما أكد أن رصاصتها استقرت بساقه، لم يعد أمامها فرصة للتفاوض بتهديده، إنها ستلقي نفسها من النافذة فقد كان القرار الوحيد الذي بدا صائباً، لم تفكر وألقت بنفسها للخارج بإصرار هو عنوان لها دائماً وهي تحمل حقيبة يدها التي وضعتها على كتفها بعد أن توصلت للمسدس كلها عزم على الخروج، وجدت نفسها ترتفع سابحة بالهواء ثم عادت تهبط بقوة، ارتطمت قدماها بالأرض فشعرت بألم في ركبتها اليسرى بسبب ارتداد الصدمة حيث كان كل ثقلها على هذه الساق المرتدية الحذاء العالي الكعب أما الأخرى الحافية كانت مرتفعة، لم يعد هناك ما يهم.. هي الآن بالخارج!
عمدت على الجرى إن كانت خطواتها العرجاء تعد جرياً تضغط على أسنانها لتتحكم بالألم الناري بركبتها، لم تعد ترى أمامها فعقلها المشوش بالأحداث وعيونها المتجمعة الدموع جعلاها تتخيل روزاليا فتجاهلت الرؤيا ومرت بجوارها وهي تسحب ساقها المصابة خلفها سحباً لولا صرخة القلق الباهتة الإرتفاع بصوت صديقتها: "شيارا!" تجمدت وصارت تترنح للأمام والخلف.. هل هي حقاً صديقتها؟ هل هناك انسان قلق عليها وافتقدها؟ ظلت على ارتجافتها القوية حتى تقدمت روزاليا لتقف أمامها عند إذ تركت نفسها تسقط معلنة انهيار قوتها المزيفة بحضن صديقتها التي كانت تضع كفيها بحركة مطمئنة على كتفيها العاريين، كان أقصى ما استطاعت فعله هو أن تشهق فقط.. هل تشهق لنجاتها أم تشهق لإطلاقها النيران على إنسان أم تشهق لكون من أمامها هي صديقتها التي أهانتها ذات يوم؟! بينما اتجه تفكير روزاليا بمنحنى آخر تعلم.. بل تجزم أن القذر عذب أنوثة رئيستها كما عذب روحها سابقاً فهمست لها بتشفٍ يحمل القلق: "هل قتلته؟" أدرك جيانو القلق بصوتها فملأه الغضب الذي اخترق سمعه وهو يحادث أحدهم بهاتفه الذي عمل على إغلاقه بسرعة وكاد يعرب عن ذلك بسباب حانق على اهتمام روزاليا وقلقها المتزايد، هل على الحقير الذي أذاقها مُرّ الإهانة أم على صديقتها الجريحة؟ لولا قاطعت شيارا تفكيره بحركة نفي من رأسها فزفرت أنفاساً حارة تنم عن تعبها وبرقت عيونها بتساؤل تخشى أن تطلقه خارج صدرها ولكنه لابد منه: "هل نالك؟" رفعت شيارا رأسها بعناد لورنزو الذي اقتاتت عليه بدلاً من لبن أمها: "لا، أنا من آذيته، كنت أتمنى أن تكون الرصاصة بين ساقيه ولكني أصبت ساقه فقط" وضعت روزاليا أصابعها على قطرات الدم النازفة على صدغها وهمست بأسى: "ولكنه آذاكِ" رفعت شيارا أصابعها على الجرح بقمة رأسها وكأنها تشعر به الآن فقط، لوت شفتيها بوجع وعقبت "القذر قذفني بشيء فجرح رأسي" تحرك جيانو تجاهها فظهرت ملامحه للنور: "هل الجرح عميق؟"
صوته نزعها من حضن روزاليا ولتحرك رأسها ناحيته، اصطدمت عيون شيارا بعيونه الملونة بالقلق وفكرت.. هل يستطيع إدعاء القلق بهذه الطريقة؟ فخرجت كلماتها من بين أسنانها بحدة موس شطرت نحره: "يالك من منافق!" ارتد رأسه للخلف من المفاجأة وهمسته الشاحبة بعد أن اجتاز الصدمة بإدراك أنها علمت من هو ومدى صحة معلوماته: "هل علمت يا حفيدة جدتي؟" إجابته الصادقة جعلتها أكثر صدقاً وهي تشهر سلاحها موجهاً له: "سأحمي نفسي حتى لو قتلت عائلة بيرلسكيوني جميعاً" وقف ثابتاً.. إنه يدرك ما مرت به من قسوة وضياع، لذا تجمد كله وكل ما يصدر عنه صوته فقط: "أنا معك على نفس الجانب ولكن بطريقتي، أنتِ لا تعلمين ما أريد" صمت ليبتلع ريقه ويبتلع معه غصة الواجب العائلي التي جثمت على صدره طويلاً ثم توسلها معترفاً: "أرجوكِ، أنا أيضاً لي ثأري من عائلة بيرلسكيوني ولن أهدأ حتى أناله" ارتفعت حدة غضبها وبدأ صوتها يتقطع من الظلم: "أنتَ تقصد جدي لورنزو" وأردفت بنفس الحدة: "إن لورنزو لا يمكن أن يقتل.. ثم أن أبيك هو مَنْ هاجم قصرنا فكيف تلومون مَنْ دافع عن بيته بعد أن قتلتم ابنه الوحيد" آلمه بشدة أسلوب الجمع في كلماتها ولكنه يدرك تماماً رغم اختلافه مع عائلته إلا أنه سيبقى أحد أفرادها بل أحد أعمدتها الأصيلة كونه الحفيد الأصيل من روميرو الابن البكر لكاراس الذي يجعل اهتمامه منصباً على أحفاده الذكور كما كان يميز أبناءها عن بناته اللواتي بلغ عددهن ثلاثة ولكنه يكاد لا يعلم بأماكن تواجدهن، همس لها بعد تروٍ بمنطق: "نعم، روميرو أبي كان هو مَنْ قتل أباكِ وهاجم جدك الذي رفع عليه السلاح وأطلق الأعيرة النارية عليه وعلى رجاله" أطرق بنظرة للأرض ثم عاد يرفعها مركزاً داخل عيونها ليعقب بصدق: "ولكنه خرج من الأسيدورا بدون خدش يذكر" ارتجفت من اعترافه وبدأ السلاح يهتز في كفها وهي تهمس بصوت حبيس صدرها ليعلن للجميع اعتراضها: "ما هذا العالم القذر الذي وجدنا فيه؟!" أشاح بنظره عن روزاليا التي شهقت وظلت تكرر: "مَنْ قتله؟".
وجدها فرصة سانحة ليخلص شيارا من السلاح الذي في وضع غير مؤمن ومن الممكن أن يصيبها بأذى أو يصيب روزاليا الواقفة بجواره، مد أصابعه النحيلة بتوجس أعلى ماسورة المسدس وأنزلها برفق لتستقر على معدنه البارد ويضغط عليه لأسفل يتمنى أن تستجيب لوعوده: "سأعلمك بكل شيء" بدأت أصابعها تتشنج على الزناد وعقلها يرفض التصديق وقلبها يناقض عقلها بقوة فداخلها تشعر أنه رجل نزيه يحمل من المباديء ما يجعله ينفذ وعوده، تذكرت جميع لقاءاتهم وهو يؤكد لها كل مرة أنه يعرف ولكنها لو علمت مصدر معلوماته ستشك فيه، سمعت صوته يهمس بذات الذنب المتوسل: "أرجوكِ صدقيني ولكن الآن هيا بنا نخرج من هذا المكان فلا نعلم أي شر سيهجم علينا" أطرقت للحظات ثم قررت أن تغلب صوت قلبها، عامة إنها تحمل قلب محارب، قالت بوجع: "بعد كل ما رأيت لم يعد هناك ما أخسر إن ظهر خائن جديد" وأنزلت سلاحها مع احتفاظها به داخل كفها، اقتربت روزاليا لتسندها في المسير ولأول مرة تلاحظ حمالة الثوب الممزقة المعلقة على خيط رفيع، قررت أن تعمل على ستر شيارا فخلعت روزاليا سترة جلدية رجالية الشكل كانت اشترتها لابنها ولكن مقياسها جاء أكبر فقررت أنها تعجبها وبدأت في ارتدائها ووضعتها على كتف صديقتها قبل أن تجلسها في المقعد الخلفي بسيارة جيانو المتكدر لكشف حقائق كان يفضل أن تظل مخفية، وجدت روزاليا جيانو يقف أمام منزلها بالشارع الخلفي لمنزل العم انطونيو حيث كانت تقيم شيارا فهتفت متكتفة تأبى النزول: "سأكون معكما جيانو، لن أترككما بمفردكما خاصة الآن" أدرك جيانو أنها تعني الوضع المتأزم بينه وبين شيارا التي ارتجفت من جديد وبدأت تقترب من الباب لتخرج من السيارة فرفع كفه معترضاً: "نحن متوجهان للمطار الآن وقد هاتفت أرماندو ليسبقنا" هاجمته روزاليا متشبثة بموضع القوة لتدافع عن صديقتها: "متى تم هذا؟ أنا لم أرك وأنت تفعلها" تشنجت عضلات وجهه بضيق من تكذيبها له ولم يجد سوى التعقيب بثباته الرجولي: "عندما كنتِ مشغولة على لوكاس أن يكون مات!" فتحت شفتيها لتذيقه من سم كلماتها ولكنها عادت لتغلقه فليس هذا وقت إزعاجها لهذه الصغيرة المنكمشة بجوار الباب، قررت تجاهله تماماً ووجهت حديثها لشيارا: "إن كان قالها فقد فعل" رمت له نظرة مستأسدة وهو يبتسم بجاذبية بعد أن أعلنت للتو أنها تثق به، ألم تفعل؟
وكاد أن يسحبها ليقبلها على هذه الشفاه المغرية بما أخرجته من كلمات ولكنه عاد يقطب ما بين حاجبيه فظهرت ثلاث مرتفعات من كلماتها: "سأخرج الآن، وأنتِ تشبثي بسلاحك لو وجدتِ أنه خائن فجري رأسه لترتاح كلتانا" حركت شيارا رأسها بقوة وكأنها لا تملك سوى هذه الحركة من الموافقة الواهية.. وهل تملك سواها فعلاً؟
غادرت روزاليا السيارة وهي تنظر للخلف بتوجس وريبة أن تتأزم أمور عائلتها أكثر، شهقت لهذا اليقين الجديد الذي ملأ روحها منذ أيام ولكنها كانت تخشى أن تعترف به حتى لنفسها.. أنها على استعداد للقتال بل للقتل من أجل ثلاثتهم، صعدت لمنزلها متوجهة لأنطونيو الغافي، قبلت رأسه وداخلها قرار عزمت على تنفيذه وهمست بقرب أذنه: "لا أعلم إن كان ما سأقوم به صحيحاً أم لا ولكن ما أعلمه أنني سأعمل على حمايتك حتى من نفسك" ثم خرجت لتجلس في انتظار عودته كأي زوجة قلقة تعلم أنه سيعود إليها هنا.
أنت تقرأ
أنت جحيمي [مكتوبة]
Romanceالملخص صادفت منقذها في أصعب لحظات حياتها.. في قمة ضعفها وهوانها، كان السبب في نجاتها.. عشقته منذ التقت عيناها عينيه! كل ما يذكره عينان بنفسجيتا اللون تذكرانه بالسماء الدخانية فوق قمة جبال مون بلان الثلجية.. ظلت حوله رسالة ووردة أوريكيديا بيضاء بِلا...