. الفصل الأول .

2.5K 148 31
                                    


كانت في أبهى حلتها كعادتها، متكئة على إحدى الأرائك البيضاء المزركشة بأرقى الألوان،في قلب مكتبة القصر الشاسعة، تقرأ كتابا.

حولها جدران مزينة بأحسن النقوش و أجمل الرسوم، و على كل جدار نافذة ضخمة تسمح لأشعة الشمس بالدخول و إضاءة المكان بأسره. و عند كل نافذة رفّ واسع عالي مليئ بالمجلدات و الكتب. و أمامها، على المائدة ما لذ و طاب من مشروبات و حلويات.

بين يديها كتاب كثير الأوراق، وصلت إلى منتصفه. و على جسدها قفطان حريري مطرز بالذهب يظهر مدى رشاقة قدها. شعرها الأسود الحريري الطويل مسدول ترخيه على كتفها، و في أذنيها زوج حلق أبيضي اللون يناسبان عينيها السوداوتين الجميلتين، و حول عنقها قلادة مرصعة بالجواهر أغلبها أحمر اللون، تماما مثل شفتيها الممتلأتان الفاتنتان.

و مع كل سطر تقرأه و صفحة تقلبها، تتغير تعابير وجهها. تارة مستغربة، و تارة متفاجئة، تارة قلقة، و تارة مبتسمة مبسوطة، و عيناها المتشوقتان لمعرفة المزيد لا تكفان عن الحراك و لو للحظة واحدة.

قاطع الطارق المستأذن رحلتها بين أسطر الكتاب، فرفعت نظراتها إلى الباب، ثم أذنت له بالدخول.

فُتِح الباب و دخلت إحدى الجواري معلنةً،
- مولاتي "وردة الجنة"، السلطان "ورد شاه" هنا لمقابلتك.

أغلقت وردة الكتاب، ثم تركته على الأريكة بعد وقوفها قائلة،
- فليتفضل السلطان بالدخول.

أومأت الجارية ثم أفسحت الطريق، ليدخل السلطان وهو في أبهى حلته، متبوعا بالجواري و العبيد. ابتسم لوردة الجنة فبادلته بأوسع منها، ثم أشار لمرافقيه بأن يغادروا و يتركوهما وحدهما، فانحنى  العبيد و غادروا المكتبة مطيعين أمر سلطانهم.

أعاد ورد شاه نظره إلى الواقفة أمامه، ثم تبسم لها وهو يتقدم نحوها على مهل.
- ابنتي وردة.

رحبت به بذراعين مفتوحتين، ثم أشارت له بالجلوس على الأريكة وهي منبسطة الأسارير.
- أبي العزيز.

سأل وهو يتفحص المكان بعينيه،
- لماذا أنت وحدك هنا؟ أين الجواري؟
- طلبت منهن المغادرة. ما كان من داع لبقائهن و وقوفهن حول الآرائك طيلة اليوم!

أومأ متفهما، ثم وقف عند مجلس ابنته و التقط الكتاب الذي كانت تقرأه قبل أن يجلس، و يطلب منها القعود بجانبه.
تفحص الغلاف ليرفع حاجبيه في ما يشبه الدهشة قبل أن يقول،
- أسفار السندباد البحري!

ثم رفع نظره إليها ضاحكا،
- لا تزالين تحلمين بالسفر كالسندباد؟

افتر ثغرها عن ضحكة واسعة قبل أن تجيب،
- لاأزال أحلم بالسفر يا أبي، و أتمنى أن تأذن لي بذلك يوما ما. لما لا نسافر معا يا أبي؟ إذا كنت تخاف علي كما تقول. نجوب العالم معا، و نرى غرائب و عجائب الدنيا، تماما كما فعل السندباد.

الأميرة و الجنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن