. الفصل الواحد و العشرون .

588 87 46
                                    


وسط خيمة شاسعة مفروشة بأبهى الزرابي و الأرائك، و كأنها غرفة في قصر عظيم، جلس الأخوان وهما في ثياب مريحة، حول مائدة خشبية منقوشة، عليها ما لذ و طاب من طعام و مشروبات، حولهما مصابيح و فوانيس تشع نورا، و خلفهما جاريتان، مستعدتان للخدمة، تقفان عند الأرائك.

مسح بدر الملوك يديه بمنديل مزركش، بعد أن انتهى من تناول وجبته، و هو يراقب شرود أخيه، الذي لم ينتاول سوى بضع ملاعق من طبقه.

- أ بالك مشغول بها؟

رفع تاج بصره عن طبقه كالمتفاجئ، فافتر ثغر أخيه عن ضحكة صغيرة مكتومة، ثم قال،
- أ تحبها؟
- من؟
- لا تتغابى يا تاج! من غيرها؟ تلك الفاتنة. لا بد و أنها سلبتك عقلك، و أفقدتك صوابك!

تبسم تاج، و حاول جاهدا تثبيت ابتسامته على وجهه، لكن تشوش أفكاره استمر في السيطرة على ملامحه.

تلاشت ابتسامة بدر شيئا فشيئا وهو ينتظر من أخيه جوابا. وعندما أدرك أنه لن يتكلم، وضع المنديل من يده، و حاول أن يجعله يرد على سؤال آخر،
- لماذا لم تخبرها بأنك أمير الغبراء الشرقية؟
- ربما.. لأنني ظننتها لن تصدقني.
- و لماذا ظننت ذلك؟!

تردد وهو يجيب،
- لأننا التقينا.. بطريقة.. غريبة.. نوعا ما.

عقد حاجبيه،
- ما الذي تقصده بطريقة غريبة؟

ابتلع ريقه،
- انها.. قصة طويلة.
- أمامنا الليل بطوله! احكي لي ما حدث.

تناول تاج كأس الماء، رفعه إلى ثغره و شرب منه و كأنه لم يشرب منذ أيام، ثم وضع الكأس لحظة ابتلع ما في فمه. أغلق عينيه لبضع ثوان، ثم أخذ نفسا،
- أظن.. أنه علي أن يخبرها أولا. بكل شيء.

ثم رفع عينيه إلى بدر،
- أ تسمح لي؟

اتسعت ابتسامة بدر الملوك، ثم عض على شفته السفلى قبل أن يقول،
- أ تشغل بالك إلى هذا الحد؟!

أجاب بنبرة واثقة،
- تشغل بالي أكثر من أي شيء. و لا أريد أن أفقدها.
- لقد وقعت في حبها! لا يصدق!

ثم أضاف ضاحكة، و بنبرة مرحة،
- تاج المُلك، المهوس بالخيمياء و عجاب الدنيا و غرائبها، مشغول بغير ذلك! مشغول بحب فتاة!

رفع بدر حاجبيه مبهورا،
- لا أصدق هذا!

افتر ثغر تاج عن ضحكة خجولة صامتة، ثم خفض بصره.
- أنها كل عجائب الدنيا و غرائبها.
- جعل منك العشق شاعرا!

قهقه في صمت وهو يتفادى النظر إلى وجه أخيه،
- كف عن هذا يا بدر.
- حسنا!

الأميرة و الجنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن