. الفصل الخامس و الثلاثون .

514 71 26
                                    


كان المكان شديد الظلمة، لدرجة أن النار المشتعلة بالعصى الخشبية على الجدار المقابل لباب الزنزانة الوحيدة في النفق، لا تضي سوى جزء صغير من الطريق.

فتح جندي قضبان الزنزانة الحديدية، فرافقها صرير مزعج تقشعر منه الأبدان. و قبل أن ينبلق الباب، رمى الجندي وردة بالداخل، ثم دفع صاحِبُهُ تاج من بعده، و أقفل القضبان.

أسرع الأمير ليساعد الأميرة على الوقوف، لكنها أبعدته عنها لحظة وضع كفه على كتفها. جلست و ضمت ساقيها إلى صدرها، و انهارت باكية في صمت.

جلس تاج بجانبها، ثم ضمها إلى صدره بعد أن تردد لبرهة، و همس بصوت مرتعش،
- أنا آسف يا وردة. أنا آسف.

ثم لثمها بقوة أكبر وهو يمسح على رأسها، و سالت جفناه دموعا.
- لن أسامحه على ما فعله.

دفنت وجهها في صدره، ثم لفت ذراعيها حول خصره و هي تنتحب في صمت.

قاطعهما صوت تراطم سلاسل صادر من أعماق الزنزانة المظلم، فرفع كلاهما نظره بحثا عن مصدره. اختفى الصوت فجأة لمدة طويلة وهما يحملقان في الظلام، ثم علا مجددا، مصحوبا بآهات و أنين ضعيف.

تراجع تاج عن حضن وردة ثم همس قبل أن يقوم من مكانه،
- إبقي هنا. سأذهب لألقي نظرة.

تقدم بضع خطوات نحو مصدر الصوت، ليتفاجأ بجسد مقيد بالسلاسل يسقط عند قدميه. أسرع تاج في مساعدة الجسد على الوقوف، ثم السير إلى حيث كان يجلس و الأميرة.

و ما أن خرجا من تلك الظلمة الدامسة، إلى النور الضعيف الذي يتسلل من بين القضبان، حتى أسرعت وردة في الوقوف و هبت لتساعد الجسد على السير وهي تردد،
- هازار.. هازار.. هل أنت بخير؟ أجبني يا هازار.

ساعد الأميران المنجم على الجلوس بالقرب من المخرج المقفل، ليكشف لهما الضوء عن حاله، فاتسعت عيناهما و احتبست أنفاسهما لحظة وقع نظرهما على ثيابه الممزقة، جسده الذي تغطيه الجروح و الإصابات، و وجهه المتسخ بالخبار المختلطة بالدماء، و يديه المكبلتين بسلاسل ثقيلة من حديد.

فتح عينيه بصعوبة، ثم شفتيه اليابستين ليهمس، وهو يحاول رفع رأسه جاهدا،
- وردة.

مدت كلتا يديها إلى وجهه، رفعته برقة و مسحت عليه بلطف،
- أنت بخير يا هازار.

ابتلع ريقه كمن يبتلع حجرا، و ابتسامة صغيرة تعلو محياه، ثم أجاب بصوت يعكس مدى سوء حالته.
- بخير. أنا.. بخير.

أسرع تاج و مزق ما بقي سليما من ملابس المنجم، ليكشف عن جروحه البالغة.
قال وهو يمسح كفه بالأخرى،
- لم تتسنى لي الفرصة لأتعلم هذا من قبل، لكن.. ربما أنجح.

الأميرة و الجنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن