بعد ذلك اللقاء اللطيف مع والدة "ناتالي" لاحظت معاملة باقي الركاب الجافة، لم يعد الأمر مجرد نظرات وهمسات خلف ظهري، بل صار الحديث معهم صعبًا. يبدو أنه بحلول منتصف النهار قد انتشر خبر مقتل السيد "سندرلاند" بصورة واسعة وانبثقت بعض النظريات حول السبب، فالمعاملة التي تلقيتها أشعرتني أن هناك من يشك في كوني القاتل وأنني أحاول إلصاق التهمة بشخص آخر.حاولت البحث عن صاحبي الغرفتين (B66) و(B68) لسؤالهم لكني لم أفلح، فجميع من حدّثتهم إما استأذنوا للمغادرة قبل أن أتمكن من فتح الموضوع أو تظاهروا أنني لا أحدثهم من الأساس، وهكذا قضيت ساعتين تقريبًا من نهار يوم الخميس: ذليلًا مُتجاهٙلًا وغير منجِز.
حلّ موعد الغداء قبل أن أنتبه، وما كنت لأعرف ذلك لولا لقائي بالسيد "تشارلز" في طريقي وأنا صاعد من الطابق الثالث.
- "ألين"، لم ألتقِ بك منذ الصباح، أين قضيت صباحك؟
- متجولًّا.
أجبت بكلمة واحدة اختصرت صباحي غير المثمر، نزل السيد "تشارلز" بعض الدرجات وسأل:
- أذاهب لصالة الطعام؟ ما رأيك أن ترافقني؟
- هل حلّ موعد الغداء؟
استوعبت معدتي عندئذ أنها خاوية تمامًا، استنزفت كل الطاقة التي حصلت من عليها من وجبة الفطور ولم يتبقَّ لي الكثير، من كان ليظن أن مجرد التجوال والسؤال منهكان هكذا؟
ضيق السيد "تشارلز" عينيه يتفحّص وجهي، بدأت ملامحه تعبس شيئًا فشيئًا، ولا شك أن ذلك حدث عندما رأى جفني المنتفخين ومنظري المزري، فجأة امتدت شفتاه في ابتسامة جعلت شاربه الكثيف يرقص، أمسك بكتفيّ وقال متحمسًا:
- لم لا نذهب للمطعم الموجود في الطابق الثاني؟ أعلم أنك رجل ذواق وتحب الاستمتاع بالأكل.
- أنا لست...
قبل أن أتمكن من التملص أضاف:
- هيّا، أنا أدعوك، لن ترفض دعوتي، صحيح؟
حشرني السيد "تشارلز" في موقف سيئ، سيكون من غير اللائق أن أرفض دعوة رجل بأهميته وقربه من عائلتنا، وفي الكفة الأخرى فأنا جائع لكن لا شهية لي، وإن لم أتناول طعامي كله فسيبدو الأمر كقلة ذوق مني.
كما أن قلبي لا يطاوعني على الدردشة في مطعم راقٍ و"بياتريس" تعاني.
- حُسم الأمر.
اتخذ السيد "تشارلز" قراره ببهجة وقادني صعودًا على السلم نحو المطعم الفاره في الطابق الثاني، كان مطعمًا مختلفًا تمامًا عن صالة الطعام المعتادة؛ كان خارج ثمن التذكرة، ويحتاج الداخل لحجز طاولة قبل الدخول بفترة، كما أنني سمعت أن الطاهي المسؤول هو "لويجي غاتي" الذي يملك مطعمين في لندن، وطاقمه مفصول عن طاقم السفينة ومعظمهم ممن عمل مع الطاهي "غاتي".
أنت تقرأ
بين محيطٙيْن
Mystery / Thriller[مكتملة] لطالما اعتبر "ألين مكاليستر" نفسه رجلًا عاديًّا من أسرة عادية وبحياة عادية، لم يكن فاحش الثراء أو ذا موهبة مميزة أو وظيفة غير اعتيادية، لكن الظروف التي أُلقي وسطها في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت في قمة الغرابة. وجد نفسه أمام ج...