أمسك "بيكر" بقلمه ودفتره مستعدًا لطرح أسئلته، بينما اتكأت "أوليفيا" على الحائط خلفها تنصت باهتمام، سألها:- هل قضيتِ ليلة الأمس كلها في السطح؟
- نعم.
- لكنكِ تسللتِ لسطح الدرجة الثانية، صحيح؟
تدخلتُ أنا فأجابت بحرج:
- نعم، أحيانًا يخرج بعض الرجال ليشربوا ويسهروا، لذلك أُضطر للاختباء في سطح الدرجة الثانية.
- هل رأيت أو سمعت هناك شيئًا غريبًا؟
سحبت "أوليفيا" نفسًا طويلًا ثم قالت:
- بعد وصولي بقيت مستيقظة بعضًا من الزمن، وقبل أن يتمكن النعاس مني سمعت صوت امرأتين تتحدثان، قرب سور السطح فوقي.
- امرأتين؟ متأكدة؟
سألتُها فأومأت بالإيجاب، تابعتْ:
- لم أتمكن من رؤيتهما لكنني سمعت بعضًا من حديثهما، سألت إحداهما الأخرى «أنتِ صاحبة الورقة؟ توقعتُ شخصًا آخر»، لكن الأخرى أنكرت وقالت شيئًا غريبًا.
عقدت حاجبيها وصمتت وهلة تعيد ما حدث في عقلها لتتأكد، تابعتْ ببطء:
- لا أدري إن كنت أذكر ما قالته بالضبط، لكنني أظن أنها قالت شيئًا مثل «لست مثلك ولا أخون بنات جنسي».
- أيهما قالت ذلك؟
سألها "بيكر" باهتمام لكنها أحبطتنا بجوابها:
- لا أعرف، كنت تحتهما تمامًا لذلك لم أتمكن من رؤيتهما.
- ماذا حدث بعد ذلك؟
سألتُها، فكرت قليلًا ثم قالت:
- هبت رياح قوية في تلك اللحظة فلم أسمع شيئًا آخر، لكن أظن أنني سمعت صوت صرخة صغيرة مكتومة، وبعدها سمعت صوت باب يغلق، بعد ذلك طار المنديل ساقطًا نحوي فالتقطته.
صمتتْ لحظات فسأل "بيكر":
- أهذا كل شيء؟
- نعم، عندما هدأت الأصوات تراجعتُ قليلًا من الحائط علّي أرى شيئًا لكنني لم أرَ أحدًا، استمر الوضع هكذا مدة من الزمن، حتى جاءت السيدة الشقراء.
برد دمي عندما سمعت ذلك الوصف، ابتعدتُ عن الأحواض التي كنت متكئًا عليها وخطوتُ نحو "أوليفيا" سائلًا:
- أي سيدة شقراء؟
جفلتْ من نبرة صوتي لكنها أجابت:
- لم أرها بوضوح، لكنني لمحت قبعة عريضة مزينة بأزهار.
سحبت نفسًا حادًا وتراجعت مستندًا على الحوض خلفي، دخل عقلي في دوامة من الأسئلة ترجمت نفسها في شكل دوار.
لم يكن حلمًا؟ ذلك لم يكن حلمًا؟! خروج "بياتريس" منتصف الليل لم يكن حلمًا؟! لكن كل شيء بعد ذلك المشهد لم يكن منطقيًا، السكين والتهديد… لا بد أن يكون ذلك حلمًا، هل خلط عقلي الحقيقة بالحلم؟
ما الذي فعلتْه الآن؟! متى ستتوقف عن مفاجأتي بهذه الطرق المقيتة؟ لماذا تصرّ على كسر ثقتي بها مرة تلو الأخرى؟!
- "مكاليستر"؟
شعرت بيد تمسك بذراعي بإحكام، "بيكر" كان بجانبي، سأل:
- ما بك تترنح؟
سحبت نفسًا واستعدت توازني، ترك "بيكر" ذراعي دون أن يبتعد، أجبته بصوت خافت:
- إنها "بياتريس".
- عمّن تتكلم؟
- صاحبة القبعة.
ضيّق "بيكر" عينيه ولم يقل شيئًا، التفت نحو "أوليفيا" وحثها على المتابعة، بدا التوتر واضحًا عليها، لا بد أنها شعرت بأنها قالت ما لا يجب أن تقوله، لكنها تجلدت وتابعت:
- في الحقيقة لا شيء آخر، فقط لمحت السيدة الشقراء تقترب قليلًا من سور السطح في الجانب الآخر البعيد للمبنى، ثم تراجعت بعد ثوانٍ حتى لم أعد أستطيع رؤيتها، هذا كل شيء.
سجل "بيكر" كل ما سمع في دفتره ثم قال:
- شكرًا لك آنسة "رايت"، قد نحتاجك قريبًا لذلك ابتعدي عن المشاكل.
ابتسمت "أوليفيا" وقالت وهي تهز كتفيها:
- أخذتم مني منديلي الغالي، لم يعد هناك شيء يمكنه جذب المشاكل نحوي.
اختفت ابتسامتها سريعًا عندما نظرت إليّ، قالت:
- آسفة إن كنت قد قلت شيئًا أغضبك، سيد "مكاليستر".
ابتسمت بصعوبة وطمأنتها قائلًا:
- لا بأس، لستِ المخطئة.
أشرت لها مودعًا وخرجنا من دورة المياه، عندما لمحٙنا أفراد الطاقم الذي وقفوا على مبعدة أسرعوا نحونا، قال لهم "بيكر" وهو يحشر دفتره في جيبه:
- تعلم الفتى درسه، لن يكررها، يمكنكم السماح له بالخروج.
- كما تشاء، سيدي.
أطاع الرجلان الأمر مجبرين وذهبا نحو دورة المياه، أما نحن فسرنا في الاتجاه المعاكس، تحدث "بيكر" ونحن عائدان إلى القسم الخاص بركاب الدرجة الأولى:
- ذكرتِ الآنسة "رايت" فتح باب المطبخ، علينا استجواب "مارك شنايدر" و"ستيفن ماكينزي" مرة أخرى.
- اعذرني ولكن ستذهب وحدك.
رمقني "بيكر" بشيء من الصدمة والحيرة، سأل:
- إلى أين ستذهب؟
- عليّ التحدث مع "بياتريس" مرة أخرى.
~*~*~*~
أنت تقرأ
بين محيطٙيْن
Mystery / Thriller[مكتملة] لطالما اعتبر "ألين مكاليستر" نفسه رجلًا عاديًّا من أسرة عادية وبحياة عادية، لم يكن فاحش الثراء أو ذا موهبة مميزة أو وظيفة غير اعتيادية، لكن الظروف التي أُلقي وسطها في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت في قمة الغرابة. وجد نفسه أمام ج...