٢٣: إفراج وخروج

267 67 13
                                    


هذه المرة كان "بيكر" هو من رافقني للغرفة حيث حُبست "بياتريس"، لا العكس، سرت أمامه بخطوات منتظمة لكن تخفي تعجلًا شديدًا، وبدت لي المسافة بين الغرفتين بعيدة بعد المشرق عن المغرب.

عند وصولنا أمر "بيكر" فرد الطاقم الذي حرس الغرفة بفتح الباب، وما إن فُتح حتى اقتحمتُ الغرفة، كانت "بياتريس" جالسة على طرف السرير وهي تحملق خارج النافذة بملل شديد، لكنها جفلت عند رؤيتي أدخل مستعجلًا، لم أعطها فرصة للسؤال عن السبب وكبّلتها في عناق قوي لكن سريع نظرًا لدخول "بيكر" خلفي.

- عزيزي، ما الذي حدث؟

تركتها حتى أرى تعابير وجهها حين أزفّ لها البشرى.

- وجدنا المزيد من الأدلة، وثبت أنك بريئة من قتل السيد "سندرلاند"!

اتسعت عيناها وأشرقت ملامحها في خليط من الدهشة والبهجة، تراجعت ببطء وانهارت جالسة على السرير وهي تهمس وتكرّر:

- حمدًا لله، حمدًا لله.

نظرت إليّ وقالت:

- شكرًا...

ثم استوعبت أن المحقق هو من يستحق أكبر قدر من الشكر فحوّلت شكرها إليه.

- شكرًا لك حضرة الضابط.

لكن ملامحها ونبرتها كانتا فاترتين بعض الشيء، لا شك أنه الإنهاك، فالأدرينالين الذي أبقى كلينا نشيطين خلال الأمس وصباح هذا اليوم بدأ ينحسر ببطء فور شعورنا بالاطمئنان، وسمح للإرهاق باستعادة سطوته والسيطرة على كامل جسدينا.

أشار "بيكر" برأسه في ردّ للشكر ثم قال:

- لدي بعض الأسئلة أولًا، لكن منذ الآن يمكنكِ الانتقال إلى الغرفة المجاورة حيث يبقى السيد "مكاليستر"، كما أنني سأكلف أحدًا بمراقبتكما في حال حدث أي شيء، إلا أنها لن تكون كالحراسة فلا تقلقا.

طرح "بيكر" بضع أسئلة على "بياتريس"، كان بعضها بخصوص ما وجدنا من شهادات وأدلة وبعضها الآخر لتأكيد بعض المعلومات، لم تتغير إجاباتها عما سردته لي بالأمس، وإن كانت قد تذكرت المزيد من التفاصيل الصغيرة.

دوّن "بيكر" كل ما سمع ثم استأذن وخرج فورًا، لم تنتهِ مهمته بعد، عليه البحث عن قاتل "جيسون سندرلاند" الحقيقي، رجوت له التوفيق من كل قلبي؛ فمن فعل هذا بـ"تريسي" و"جيسون" يستحق عقابًا قاسيًا.

نظرتُ إلى "تريسي" التي لم تستطع النهوض إلى الآن، جثوت أمامها وأخذت يديها بين يديّ قائلًا:

- أخبريني: ما هي خططك لباقي هذا اليوم؟ أترغبين في تعويض الوقت الذي فاتك؟ أم تتمنين تناول الشاي والحلوى في المقهى الباريسيّ؟ أم تفضّلين الغرق في النوم؟

- لا أدري...

أجابتني بنبرة ما زالت مذهولة، أضافت:

- كدت أستسلم لكوني سأبقى محبوسة طوال الرحلة، والآن بعد أن أطلق الضابط سراحي صرت لا أدري ماذا يمكنني أن أفعل، كأنه مجرد حلم وسأستيقظ منه بعد قليل لأجد نفسي ما زلت متهمة بقتل رجل لا أعرفه...

- لا داعي لهذا الكلام الآن.

شددت قبضتي على يديها وأضفت:

- انتهى الأمر، ثبتت براءتك من كل شيء، عدتِّ حرة كما يجب أن تكوني.

أغمضت "بياتريس" عينيها وشعرت بارتجاف طفيف في كفّيها، لكنهما استعادتا ثباتهما فورًا، أخذت نفسًا عميقًا ثم فتحتْ عينيها وقالت بحماس مصطنع:

- معك حق! لا بد وأن "كارولاين" و"سوزان" و"مايسي" قلقات عليّ!

شهقت بفزع ثم أضافت:

- و"مارغو"! "مارغو" المسكينة! عليهم أن يعرفوا أنني لم أعد متهمة.

نهضتُّ ولا زالت يداها بين يديّ لأساعدها على الوقوف، قلت موافقًا:

- كان السيد "تشارلز" قلقًا عليك أيضًا، لكن يمكنهم الانتظار إلى وقت الغداء، لا تبدين بحال جيدة، يستحسن أن ترتاحي أولًا.

- لا، لا.

هزت رأسها إمعانًا في الرفض وقالت:

- لقد بقيت حبيسة غرفة بما يكفي، أريد الخروج.

لم أعترض وفعلت كما تطلب، رافقتها خارج الغرفة إلى حيث تتمنى، فهي كما قالت كانت حبيسة لوقت طويل، ولها الحق بفعل ما تشاء، ومهما كان ذلك فسأرافقها فيه، فرغم افتراقنا ليوم ونصف إلا أنني اشتقت إليها جدًا.

كانت وجهتنا الأولى غرفة "مارغاريت"، كانت في الطابق الرابع ضمن غرف الدرجة الثانية، وقف أحد أفراد الطاقم أمام مدخل الجزء الخاص بالدرجة الثانية ليمنع دخول أو خروج أي راكب من المكان المخصص له، لكن ترجّي "بياتريس" جعله يسمح لنا بالمرور خفية.

عبرنا الممرّ الخاص بغرف الدرجة الثانية وسط نظرات الركاب المستغربة، كانت عيونهم تقول «لماذا قد يترك ركّاب الدرجة الأولى قسمهم المريح والفاخر ويأتون إلى قسمنا؟».

عندما وجدنا غرفة "مارغاريت" طرقت "بياتريس" بابها بسرعة، ولن تكفي الكلمات لوصف مقدار السعادة التي ارتسمت على وجه "مارغو" عندما وجدت سيدتها أمامها وبصحة جيدة، حيّت المرأتان بعضهما مدة طويلة، وكانت لتطول لو لم تتوقف "مارغو" عن طرح الأسئلة رأفة بـ"تريسي" المرهقة وخجلًا من إبقائنا واقفين أمام غرفتها.

بعد ذلك سرنا نحو وجهتنا التالية بحماس حتى تلتقي "تريسي" بباقي صديقاتها وتطمنهم عليها، كنا لنرتاح من هذا التجوال لو كان الضابط هو من سيعلن ذلك، لكنه وحيد ومشغول ولا يمكنه جمع السفينة بأكملها ليطلعهم على مستجدات التحقيق، كما أنني أشك أن للأمر علاقة بسرية التحقيق، من يدري؟ لم أكن محققًا من قبل.

اتفقنا أن نبدأ بحثنا عن صديقات "تريسي" في الصالة الكبرى، وإن لم نجدهنّ هناك فسنصعد إلى السطح.

توقعت أن تكون "تريسي" في قمة الحماس والسعادة أثناء سيرنا حتى وإن لم تقل شيئًا، لكن أصابعها استمرت بالطرق على ساعدي طوال الطريق.

~*~*~*~
النهاية



😂😂😂😂😂
آسفة، ليست النهاية، كنت أمزح.

بين محيطٙيْنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن