٥٤: استنتاج ولعنة

231 67 13
                                    


كم كنت منهكًا!

بالكاد تمكنتُ من النهوض من سرير غرفة "بياتريس" والسير خلال الممر نحو غرفتي، ظننت أنني سأغرق في النوم قبل أن يلمس رأسي الوسادة، لكنني بقيت واعيًا ما يقارب الساعة وأنا أتقلب يمينًا ويسارًا.

شغلني ما قاله "بيكر" سابقًا؛ «هذا شيء عليّ أن أتحقق منه وحدي».

تفادى "بيكر" الحديث عن هذا المبتز كأنه سر يعرفه، مثلما تفادى الحديث عن "جيسون" في بداية الرحلة، وأيضًا انفجر بطريقة غريبة عندما اعترفت "كارولاين" أنها إحدى مناصرات حقوق المرأة.

"بيرسيوس بيكر" رجل هادئ في العادة، إلى الآن لم أره ينفعل إلا عندما أسخر منه أو أحاول التملص من جدال بيننا، أو عندما يتعلق الأمر بـ"جيسون سندرلاند"، وهناك تلك المرة الوحيدة التي انفعل فيها عند الحديث عن عائلة والده الذين تخلوا عنه وعن أمه إلى أن انتهى به المطاف في ميتم.

إذًا...

الشخص الذي ابتز "كارولاين"، ومناصَرة حقوق المرأة، هل لهما علاقة بالسيد "سندرلاند"؟

"بيكر" ما زال يحب "جيسون سندرلاند" كأخ له، كان ما يزال يريد منه أن يعود للطريق القويم -أيًّا كان ذلك-، لذلك كان غاضبًا منه ومحبطًا ممّا علّمه إياه الأثرياء.

وآخر شيء ما زال هائمًا في مستنقع الألغاز غير المحلولة: اختيار "جيسون" كضحية الجريمة الأولى.

الجريمة الأولى لم تحدث صدفة، كانت مخطّطة، من ارتكبها حضّر كل شيء قبل حدوثها بعكس الجريمة الثانية، في الغالب لم يقتل "ستيفن" "سوزان" إلا لأن "بياتريس" هربت من الاتهام. هذا يعني أن اختيار "جيسون سندرلاند" لم يكن اعتباطيًّا، من قتله كان يعرف بوجود علاقة بينه وبين "بياتريس"، رغم أنها أنكرتها. "بياتريس" لم تتعرف على "جيسون"، لكن من قتله يظن بجدية أنهما يعرفان بعضهما، وأن هناك سببًا قد يدفع "بياتريس" لقتله.

أهو... عدوّ لها؟ عدوّ للمناصرات؟

هل هو من تلك الجماعة التي ذكرتْها سابقًا؛ (المصححين)؟

أهو المبتزّ؟

إن كان هو الفاعل... هذا سيفسر سبب انتظار "تريسي" دون جدوى في السطح! لأن من دعاها يرقد جثة هامدة في مستشفى السفينة!

هل يعقل أن هذا صحيح؟!

إن كان كذلك فأستطيع أن أتفهم محاولة "بيكر" لطردي من التحقيق! هو خجل مما يفعله "جيسون".

«لستُ فخورًا بما فعل.»

تذكرتُ ما كُتب في مذكراته، في الصفحة التي تلت الصفحات المنزوعة، يصير الأمر منطقيًّا إن كان "سندرلاند" مصححًا.

لكن "تريسي" قالت أن "سندرلاند" جاء إلى غرفتنا، ما الذي قد يأتي به إلينا، هل كان هدفه "بياتريس"، ألم تُرسٙل التهديدات إلى "كارولاين"؟ من المستحيل أن يكون قد سمع بخطة المرأتين ورغبة "تريسي" في أخذ مكان صديقتها.

وماذا عن دافع الجريمة الأولى؟ ربما لا يكون قاتل "جيسون" يعرف بأمر الابتزاز أصلًا، وقد لا يكون له دافع حقيقي لقتله، بل قتله لتوريط "بياتريس" فقط، وهذا شيء مريب جدًا؛ فـ"بياتريس" مجرد امرأة شابة غير مشهورة، لا أموال طائلة لها ولا أظن أن لها أعداءً، كل ما يخرج عن المتوقع هو انضمامها لمناصرات حقوق المرأة، وحتى مع هؤلاء هي ليست عضوًا مؤثرًا، لأنها كانت تخفي انضمامها لهن.

من قد يحقد على ربة منزل وزوجة مالك شركة استيراد؟

انتفضتُ جالسًا عندما وجدَتِ الإجابة أخيرًا طريقها إلى عقلي.

من قتل "جيسون" لا يحقد عليه هو أو "بياتريس".

أنا الهدف.

~*~*~*~

مجدّدًا استيقظت على صوت طرق الباب، كدت أعتبره جزءًا من حلمي لولا سماعي هتاف "مارغاريت" وهي تقول:

- سيد "ألين"، هل أنت بخير؟

أرغمت جسدي الثقيل على النهوض ورددت بلسان متخم بالنعاس:

- نعم، ادخلي.

فتحت "مارغاريت" الباب متعجلة ودخلت وعلى وجهها نظرة مفزوعة، اقتربت من سريري وسألت:

- هل أنت بخير يا سيدي؟ ظللت أناديك دقيقتين كاملتين.

- سهرتُ الليلة الماضية، لكنني بخير.

بدأت "مارغاريت" -كعادتها- تجمع وترتب الملابس التي وزعتها بإهمال في الغرفة، قالت وهي تحمل سترتي التي كنت أرتديها بالأمس وتنفضها باليد الأخرى:

- هذه السفينة ملعونة يا سيدي، ليتكما لم تسافرا على متنها.

- ماذا؟

لم يفهم عقلي نصف النائم ما تقول، فقالت موضحة:

- انظر لحالكما!

أشارت نحوي باستياء وقالت مفسرة:

- السيدة "تريسي" اتُهمت بقتل شخصين، وأنت تنهك نفسك لتثبت براءتها، أخشى أن يصيبكما المرض قبل وصولنا للولايات المتحدة، هذا إن تناسينا ما ستسببه هذه الظروف الغريبة من خسائر لعائلتيكما.

أنزلت قدميّ على الأرض وأطلقت نفسًا طويلًا.

- "مارغو"، لا تجعلي ما يجري يصيبك بالتوتر، كاد الضابط يحلّ الجريمة، وسيعرف الكل أن "تريسي" بريئة عمّا قريب.

- حقًّا؟

سألتني بارتباك واضح، ظننت أنها ستبدي سعادتها عند سماع ذلك، لكن استغرابها أصابني أنا بالارتباك، قالت عندما رأت أن حيرتي تفوق حيرتها:

- عندما جاء إلى غرفتي هذا الصباح لم يعطني أي انطباع أنه على وشك حلّ الجريمة.

تلاشى كل النعاس الذي كان يغيّم على عقلي، سألتها:

- هل مرّ عليكِ لاستجوابكِ؟!

- نعم، ظننت أنه أخبرك.

بالطبع لم يخبرني. وغد!

- عمّ سألكِ؟

- عن الضحية الأولى؛ السيد "سندرلاند"، وإن كنت قد قابلته من قبل أو كانت السيدة "تريسي" قد التقت به في مكان ما.

اتسعت عيناي صدمةً.

إذًا فاستنتاجي صحيح.

~*~*~*~

بين محيطٙيْنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن