أول ما رأته عيناي كان الحمرة الداكنة.انتشرت على مساحة واسعة صابغة الأرضية الخشبية، من كان يدري أن ما يحتويه جسم الإنسان من دم بهذه الكثرة؟ حسب ما أراه الآن فما انتشر على الأرضية لا يقل عن ليترين.
حاولتُ صبّ كامل تركيزي على الدماء كي لا أرى ما خلفها، لكن عيناي تابعتا وحدهما إلى أن وقعتا على الفستان المخطط الذي كان أزرق بالأمس، أما الآن فقد استحال خليطًا مقيتًا من البنيّ الداكن والأزرق المبقع.
تابعت عيناي تفقد الجثة، واختنقت رئتاي بشهقة حادة عندما وصلت رأس "سوزان".
كل تلك الدماء تدفقت من جرح واحد فقط، جرح غائر شق عنقها من الأمام، ومن ملامح وجهها التي تجمدت في نظرة جزعة مصوبة نحو الفراغ يميني، وفمها المفتوح قليلًا، كان واضحًا أن الجرح تمكن من قطع قصبتها الهوائية وحرمانها من التنفس إلى أن ماتت، لم أدرِ ما الذي تسبب في خروج روحها أولًا، أهو الاختناق أم النزيف؟ كلاهما كانا سيئين وقاسيين على امرأة رقيقة كـ"سوزان".
إلى الآن كنت مستوعبًا فكرة أن "سوزان" ماتت ولن تتواجد بعد الآن، لكن رؤية جثتها البشعة ومنظرها المحزن جعلا الحقيقة تضربني كالصاعقة، حقيقة أن "سوزان" قُتلت ظلمًا وأنها كانت تعاني وحدها هنا بعد هروب قاتلها المتوحش، إلى أن صعدت روحها إلى خالقها وأراحتها من هذا العذاب.
- لا تحملق فيها مطوّلًا.
أخرجني صوت "بيكر" من الدوامة التي كادت تبتلعني، أضاف وهو يرفع أكمامه قليلًا ويقترب من جسد "سوزان" بحذر:
- سيلازمك المنظر أيامًا ويقضّ مضجعك.
فات الأوان على ذلك، لكنني أشحت نظري احترامًا لها؛ فـ"سوزان" خجولة وكانت لتتضايق إن نظرت إليها مطوّلًا.
ما هذا الذي أقوله؟
"سوزان" ميتة، والجثث لا تحزن أو تخجل أو تتألم.
عضضت شفتي السفلية عندما شعرت برؤيتي تتشوش، آلمتني تلك الفكرة بشدة، لكنها الحقيقة.
سحبت نفسًا سريعًا وعدت أنظر لـ’مسرح الجريمة‘، إن أحضرني "بيكر" هنا فسأستغل الفرصة لأجد الحقيقة، لأحرّر "بياتريس" من التهمة، ولأنتقم لروح "سوزان".
- ضابط "بيكر"؟
- ماذا؟
- أين وجدت ساعة "بياتريس"؟
كان "بيكر" جاثيًا أمام جسد "سوزان" يتفقده، التفت نحوي باهتمام وظننت أنني رأيت طرفي شفتيه يتقوسان في ابتسامة صغيرة، لكنه التفت عائدًا حيث كان ينظر وأجاب:
- هنا.
أشار إلى بقعة على الأرض أمام يد "سوزان" اليمنى، هذا المكان قد يوحي بالفعل أنها كانت تمسكها لكنها سقطت منها، هذا ليس جيدًا. تلفتُّ حولي أنظر لباقي سطح السفينة، بحثًا عن أيّ شيء مختلف عن آخر مرة رأيته فيها، لكن صوت "بيكر" جذبني عندما قال:
أنت تقرأ
بين محيطٙيْن
Tajemnica / Thriller[مكتملة] لطالما اعتبر "ألين مكاليستر" نفسه رجلًا عاديًّا من أسرة عادية وبحياة عادية، لم يكن فاحش الثراء أو ذا موهبة مميزة أو وظيفة غير اعتيادية، لكن الظروف التي أُلقي وسطها في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت في قمة الغرابة. وجد نفسه أمام ج...