ببطء تراجعت "بياتريس" نحو الكرسي خلفها، كأنها أرادت وضع مسافة بيننا، مسافة تدلّ على علم كل منا أن الآخر لن يستمع أو يقتنع بما يقول. جلستْ في صمت بينما سكتُّ أنا الآخر وهلة، بحثتُ عن شيء أقوله حتى أغلق هذا الجانب الشخصي من الموضوع ونعود للجانب المتعلق بالقضية.- "تريسي"، يمكنني تخيل ما شعرتِ به، لكن توقفي عن التفكير في من رحل، فكري في المستقبل.
لم تنظر إلي ولم تقل شيئًا، تابعتُ:
- فكري في الطفل الذي قد ترزقين به، ألا يجب أن تحافظي على صحتك لأجله؟ ألا تظنين أن سمعتك قد تؤثر على حياته؟
سحبت "بياتريس" نفسًا طويلًا وقالت باستياء:
- لماذا تصرّ على أنني خُلقت فقط للبقاء بجانبك ولأنجب أطفالك؟ لماذا تظن أن أي فعل خارج عن هذين إما سيؤذيني جسديًا أو سيؤثر على سمعتي؟
بدأ الاستياء يتحول لغضب عندما قالت:
- "ألين"، ليست النساء مجرد مخلوقات من الدرجة الثانية، بمهام محددة وسمعة مهددة بالتلطيخ في أي لحظة! نحن مثلكم! إن لم نكن مساوين لكم لما خلق الله لنا العقل والبصيرة! لماذا تستمرّ بالسيطرة عليّ كأنني لا أعي ما أفعل؟!
- لأنني أهتم لأمرك! فأنا زوجك بحق الله!
- وأنا زوجتك!
هتفت بحنق مماثل، أضافت:
- ويجب عليك أن تهتم لأمري! وأن تقف بجانبي وتسعى لأن أطور من نفسي وأصير إنسانة أفضل! أليس هذا ما أفعله أنا من أجلك؟!
أطلقت نفسًا وقالت باستهزاء:
- أرى أن كل الوعود التي قطعتٙها من أجلي يوم زواجنا أمام القس* والناس مجرد أكاذيب.
- عذرًا؟
كيف وصل النقاش لهذه النقطة؟! نهضتُ من مكاني وسألتها:
- أهذا ما ترينه عندما أحاول حمايتك؟
تراجعت قليلًا في كرسيها وأشاحت نظرها عني بسرعة، لكنها لم تتراجع عن موقفها. وضعتُ قبعتي على رأسي وقلت:
- إن كان الحديث معكِ في هذا الموضوع سيؤدي بنا إلى الشك في حقيقة مشاعر كلّ منا نحو الآخر فيستحسن أن أخرج، قبل قول ما لا يمكن التراجع عنه.
عضّت "بياتريس" شفتها السفلى وتابعت التحديق في الحائط دون رد أو اعتذار، لم أتوقع منها أيًّا منهما على كل حال، خصوصًا بعدما دار بيننا. خرجت من الغرفة دون وداع أو وعود بعكس المرة السابقة، وأراهن أن "بياتريس" كانت سعيدة لخروجي مثلما كنت أنا سعيدًا بابتعادي عنها.
ما الذي فعلتِه بنا أيتها التايتانيك؟
ما كنت لأتخيل أننا سنغوص في هذا الكم من المصائب على متنها، أخشى أن تستمرّ الحقائق الصادمة والأحداث الغريبة بدفعنا للأسفل، إن استمر الوضع بهذه الطريقة فسنفقد القدرة على العودة للسطح وسنغرق في النهاية لا محالة.
أنت تقرأ
بين محيطٙيْن
Mystery / Thriller[مكتملة] لطالما اعتبر "ألين مكاليستر" نفسه رجلًا عاديًّا من أسرة عادية وبحياة عادية، لم يكن فاحش الثراء أو ذا موهبة مميزة أو وظيفة غير اعتيادية، لكن الظروف التي أُلقي وسطها في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت في قمة الغرابة. وجد نفسه أمام ج...