٢٢: مسرح وتمثيل

256 66 13
                                    


خرجنا من صالة الطعام فور انتهائنا من إفطارنا، وجهتنا كانت 'مسرح الجريمة' كما يقول "بيكر"، أي غرفتنا (B70)، لا بد أنه يريد إعادة تفقدها بعد أن عرف المزيد من المعلومات.

شققنا طريقنا نحو غرف الطابق الثاني في صمت اعتدته، لكن بدأت قدماي تتخاذلان كلما اقتربنا من الغرفة. هذه أول مرة أدخلها منذ ليلة الجريمة، الغرفة التي أملت أن نقضي فيها إجازة ممتعة، لكنها تحوّلت لكابوس في غمضة عين، الغرفة التي وجدت فيها رجلًا مقتولًا في سريرنا وقد صبغت دماؤه كل شيء...

فجأة صرت غير راغب برؤية ذلك المنظر، وراودني شعور أن كلّ شيء سيُعاد إن دخلتها.

توقف أيها الأحمق! لقد أُخذت الجثة منذ زمن، وهذه الغرفة مجرد غرفة، أنت لا ترتعب من الموت ولا يخيفك الدم، إذًا ما المشكلة؟

عندئذ اعترف عقلي بسبب ارتعابه، بدأت تحوم حوله الشكوك والأسئلة المقيتة، «ماذا إن لم نجد دليلًا يبرئ "بياتريس"؟»، «ماذا لو تلاعب شخص بالغرفة بعد الجريمة؟»، «ماذا إن وجدنا شيئًا يضيّق الخناق حول "بياتريس"؟»

لا، الشك يولد الثقة، وبما أنها بريئة سيثبت ذلك مهما حدث.

بعد لحظات من دخولنا الممر ظهرت الغرفة، بل ظهر فرد الطاقم الذي يحرسها، يبدو أن هذه الجريمة ستستهلك عددًا من أفراد الطاقم وتربك جداول عملهم، المزيد من الضحايا لهذه الفعلة الشنيعة.

حيّا الحارس الضابط "بيكر" وفتح الباب فورًا، كان النور مطفأً، فأشعله "بيكر" ليغمر الضوء الغرفة الغارقة في الفوضى، ولوهلة رأيت "بياتريس" المرتعبة وجسد "سندرلاند" الهامد.

سحبت نفسًا سريعًا أعيد به أفكاري لرشدها ودخلت خلف "بيكر"، إلا أن يده ثبتت كتفي وقال:

- لا تدخل.

- ماذا؟!

- قد تخرّب الأدلة.

تنهدت ممتعضًا وبقيت مكاني، عليّ ألا أنسى أنني أرافق "بيكر" حتى يراقبني فقط، لكن وقوفي أمام الباب لم يحرمني من الكثير، استطعت رؤية معظم الغرفة، وإن مددت عنقي قليلًا فسأرى أكثر.

شعرت كأنني أرى الغرفة أول مرة، كنت بالكاد واعيًا عند اكتشاف الجريمة، لذلك فاتت عليّ الكثير من الأشياء، مثل الوسادة الملقاة أرضًا، وبعض من أغراض "بياتريس" التي كانت على طاولة الزينة، أحد الكرسيّين اللذين أحاطا بالطاولة المستديرة كان أرضًا، ومعظم المفارش والشراشف كانت في غير مكانها، كأن شجارًا حادًّا نشب هنا. لكن السرير بملاءته الدامية كان كما أذكره بالضبط.

سار "بيكر" بحذر حول المكان، خطا ببطء متفاديًا الأشياء المرمية أرضًا ونظر خلف السرير وعلى الطاولات وفي أماكن أصابتني بالحيرة، هل يبحث عن دليل آخر؟

تذكرت عندئذ شيئًا ضائعًا.

- حضرة الضابط.

- صه!

تابعتُ متجاهلًا أمره:

- هل ترى كتابًا في أي مكان؟ قالت "بياتريس" أنها كانت تقرأ كتابًا قبل دخول السيد "سندرلاند" وهي تريد استعادته.

نظر إليّ "بيكر" مستغربًا ثم تابع بحثه، بعد دقائق عاد إليّ وقال:

- لم أجده.

- هذا غريب، ما معنى هذا؟ هل أخذه القاتل؟

أخرج "بيكر" دفتره من جيبه وهو يقول:

- إن حدث هذا فهذا يعني أن الكتاب يحمل دليلًا مهمًا، وإلا لما أخفاه القاتل.

دوّن "بيكر" ملاحظته ثم ألقى نظرة أخرى على الغرفة من مكانه، فعلتُ المثل وأنا أذكر ما قالته "بياتريس"، قالت أنها فقدت وعيها فور وصول "سندرلاند"، وهذا يعني أن هذه الفوضى من شجار نشب بين "سندرلاند" والقاتل وانتهى بموت الأول.

لكن هذا غير منطقي.

- إن قُتل السيد "سندرلاند" في هذا الشجار... أليس من المنطقي أن تكون هناك المزيد من الإصابات في الجزء الأماميّ من جسده؟

قلّب "بيكر" صفحات دفتره ثم أجاب:

- نعم، هذا المنظر بأكمله مزيّف.

- 'مزيّـ...

ضربتني الحقيقة في تلك اللحظة وقبل أن أنهي سؤالي، إصابتا "سندرلاند" وهذه الفوضى، وشهادة "ناتالي"، كل ما كان يحيرني يدلّ على ذلك.

قالت "ناتالي" أنها سمعت صوت جنية تسقط وتتأوه ألمًا، إن كان ما سمعته هو العراك بين الضحية والقاتل ما كانت لتذكر هذا الجزء فقط! من المؤكد أن بعض الأصوات الأخرى كانت ستحفر نفسها في ذاكرتها، مثل سقوط الكرسيّ مثلًا، وصراخ "سندرلاند" وهو يقاوم القاتل، وصوت سقوطه على السرير.

- إن كان هذا العراك قد زُيّف...

أكمل "بيكر" كلامي قائلًا:

- فهناك احتمالان، إما أن "جاي" أٌحضر إلى هنا مقتولًا، أو جاء مخدّرًا، وإن كانت زوجتك الفاعلة ما كانت لتجلبه في الحالتين لغرفتها وسريرها وتخاطر ببراءتها دون سبب.

بدأ "بيكر" يسجل شيئًا ما في صفحة فارغة وهو يكمل:

- أما بالنسبة لاحتمال أنها قتلته دفاعًا عن نفسها فهو غير منطقي أيضًا؛ لأنها ما كانت لتفكر في تزييف مسرح الجريمة وتعريض نفسها للمزيد من الاتهامات، كما أنها ما كانت لتسرق سكينًا من صالة الطعام كأنها توقعت ذلك.

- إذاً...!

ابتسم "بيكر" كمن يحاول كتم ضحكة، لا شك أنني بدوت كطفل بانتظار مفاجأة سارة، قال أخيرًا:

- نعم، هناك الكثير الذي يدل على أن السيدة "مكاليستر" بريئة.

كدت أهتف فرحًا لكنني تمالكت نفسي بصعوبة، أخيرًا أثبتنا براءة "تريسي"! أخيرًا ستخرج من ذلك السجن!
لكن التعابير التي ارتسمت على وجه "بيكر" أخمدت سعادتي بسرعة.

قال وهو شارد في الغرفة:

- لكن قاتل "جاي" ما زال طليقًا...

~*~*~*~

بين محيطٙيْنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن