خرجت رفقة "بيرسيوس بيكر" عبر الباب الذي يصل المطبخ بالسطح، كانت الشمس متوهجة بقوة، كاد النهار ينتصف، لكن الجزء الأيمن من سطح ركاب الدرجة الأولى كان فارغًا تمامًا، لم يشغله سواي أنا و"بيكر"، وهذا لأنه أمر بمنع الركاب من القدوم لمسرح الجريمة.كان البحر أزرق مشعًا اليوم، وخلوّ السطح وهدوءه جعلا صوت تلاطم أمواجه أوضح وأنقى، كما جعلا الهواء البارد يهب بسرعة كادت ترفع قبعتي عن رأسي، ثبتتها بيدٍ بينما أسندت يدي الأخرى على الحاجز الفاصل بين سطح الدرجة الأولى والسطح الخاص بركاب الدرجة الثانية وأنا أنظر إليهم.
كان بعضهم يرمقنا بشيء من التوجس، إذ يبدو واضحًا أنهم سمعوا آخر الأخبار، امتد السطح الخاص بهم مسافة تزيد عن المئة متر، وكان بينه وبين سطحنا ارتفاع طابق تقريبًا، وفصل بينه وبين سطح ركاب الدرجة الثالثة حاجز (درابزين) أيضًا، وهناك ازدحم السطح بالركاب المرحين الذين لم يلقوا لنا بالًا، جلس بعضهم على الكراسي تحت الشمس، وركض صغارهم حول المكان، بينما بقي بعض منهم وحيدًا يستمتع بالجو.
- "بيكر".
همهم "بيكر" مجيبًا دون أن يرفع عينيه عن دفتره الصغير، أشرت نحو سطح السفينة أمامي وسألت:
- هل من الممكن أن يكون هناك شاهد من إحدى الدرجتين الثانية أو الثالثة؟
- ماذا تعني؟
- إن قُتلت السيدة "تومبسون" هنا فمن المحتمل أن هناك من صادف وجوده على السطح ورأى الجريمة.
اقترب "بيكر" من الحاجز القصير ووقف بجانبي يراقب السطح الممتد تحتنا، ردّ بعد تفكير:
- ليس ذلك مستحيلًا، لكن علينا تحديد وقت الجريمة حتى نسألهم عنه.
- وكيف سنسألهم بالضبط؟
سألته بفضول وحيرة وقليل من التوجس، حشر هو دفتره في جيب سترته وأجاب بابتسامة عريضة:
- سنجمعهم ونسألهم مرة واحدة، وإن رفضوا التجمع نتابعهم واحدًا واحدًا، وإن شككنا في أحدهم نعزله عن الباقين ونستجوبه.
- 'واحدًا واحدًا'؟
كررت وقد بدأت ساقاي تؤلمانني من مجرد التفكير في الأمر، لا شك أنه يمزح... صحيح؟ هذه مضيعة للزمن والمجهود، لا بد أن يستعين بالطاقم في مهمة كهذه. لكن لا أستبعد أن يتجرّأ ويفعلها مع شكّنا المتزايد في أفراد الطاقم.
ربّت "بيكر" على كتفي مشجّعًا قبل أن يبدأ سيره نحو مدخل صالة السلم.
- أهلًا بك في عالمي أيها المدلّل.
- لنبدأ فورًا إذًا.
لحقت به وأنا أحاول تجاهل الاستياء والتعب الوهمي، أضفت متصنعًا القوة:
- ما الذي ستفعله بي بضع ساعات على الأقدام؟
ضحك "بيكر" لكن لم يعلق، تبعته نزولًا على السلم إلى الطابق الثالث.
أنت تقرأ
بين محيطٙيْن
Mystery / Thriller[مكتملة] لطالما اعتبر "ألين مكاليستر" نفسه رجلًا عاديًّا من أسرة عادية وبحياة عادية، لم يكن فاحش الثراء أو ذا موهبة مميزة أو وظيفة غير اعتيادية، لكن الظروف التي أُلقي وسطها في رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت في قمة الغرابة. وجد نفسه أمام ج...