الفصل السادس(شيء في المقابل)

12.7K 312 11
                                    

الفصل السادس


شيء في المقابل

:- لن تعجبك المعلومات التي تمكنت من الحصول عليها ...
التقط لقمان الملف الذي ألقاء ثروت أمامه فوق مكتبه بعد عودته مباشرة من زيارته لأبيه ... وفتحه ينظر إلى محتوياته .. يقرأ الأسطر المطبوعة بعناية ... يطلع على الصور .. والنسخ عن أوراق رسمية كثيرة تراصت داخله ... وتقارير موثقة استغرقت من ثروت الكثير من الجهود كي يتمكن من الحصول عليها
لمدة عشر دقائق ... لم يجرؤ ثروت على مقاطعة لقمان ... الذي كان حاجباه يزادان تقاربا كلما تعمق في القراءة ... وجهه الأسمر الوسيم كان يزداد قسوة ... ثم اعتلته معالم التفكير العميق ... قبل أن يغلق الملف وهو يقول :- هذا لا يصنع أي فارق ...
رفع راسه وهو يخاطب ثروت :- ما من عذر مناسب يدفع رجل للخيانة أو السرقة .. كان عليه المجيء إلي .. وأناما كنت لأتردد في مساعدته ... أما الآن ... فقد فات الأوان ... الإجراءات التي بدأت بالقيام بها ضده ... ستستمر ...
هز ثروت رأسه موافقا ... فقال لقمان بهدوء :- نفقات العلاج ... سيتم دفعها كاملا ... أريد منك العثور على أفضل طبيب مختص في البلاد كي يستلم حالة الفتاة ... كما أريد تقارير دورية عن تطور حالتها واستجابتها للعلاج ...
:- كما تأمر يا سيد لقمان ...
قبل أن يغادر ثروت المكتب استوقفه صوت لقمان :- ماذا حدث مع الأمر الآخر .. ذاك الذي طلبت منك توليه ؟؟
توتر ثروت وهو يلتفت إلى وجه لقمان الخالي من التعبير وهو يقول :- هل أنت متأكد من رغبتك في متابعة هذا الأمر ؟؟؟
نظرة لقمان الباردة جعلت ثروت يبتلع اعتراضه وهو يقول :- ستكون كل المعلومات المتاحة حولها موجودة فوق مكتبك في أقرب وقت ممكن ...
هز لقمان رأسه دون أن يقول شيئا ... فتنهد ثروت وهو يتذكر الفتاة المسكينة التي كانت ضحية ظروف خرجت عن إرادتها .. تلك الفتاة التي أفقدت لقمان الطويل ... الحكيم الحفيد ... المشهور ببروده وتحكمه بأعصابه ... كل تماسكه ... وفجرت ذلك الجانب الذي لا يعرفه سوى ثروت فيه ... جانب لا ينتمي إطلاقا إلى البشر ...
غادر ثروت تاركا لقمان غارقا في أفكاره ... في انتظار المحامي في موعد آخر يناقش فيه قضية ريان بعد أن أرسله للتحدث إلى شقيقه الرجل القتيل عله يعرف منها ما لم تستطع الشرطة الحصول عليه ... إنما لا تفارق ذهنه صورة الفتاة التي أصر على أن يوصلها بنفسه بعد مرور ساعات على انتصاف الليل ... دون أن تمتلك حتى الحق في الاعتراض أو الرفض ...
بعد أن أدرك بأنها لم تكن مذنبة ... بأنها مجرد ضحية .. فتاة بريئة سقطت نتيجة لتهور وأنانية أخيه الأصغر الأحمق ... تركها بين يدي الدكتور تيسير الذي قام بتطهير جرحها مصرا على أن يغادر لقمان الغرفة تاركا إياهما وحدهما ... رغم إدراك لقمان بأن كل ما أراده الرجل كان الحصول على شيء من ثقة الفتاة ومنحها شيء من الطمأنينة بإخراجه من الغرفة وإبعاده عنها قدر المستطاع ... لم يستطع لقمان كبح ما أحس به من نزق ونفاذ صبر وهو يرمق الباب المغلق لغرفة الجلوس الصغيرة تلك ... في انتظار أن ينتهي الطبيب من النظر إلى جروحها ... عندما عاد ثروت إلى جانبه حاملا أحد قمصانه وقد أحضره بناء على طلبته من غرفة نومه ... تناوله منه بدون أي كلمة ... وفتح الباب دون أن ينتظر أي دعوة مستخدما إياه كعذر كي يقتحم تلك الخلوة التي كانت تختبر صبره ...
حتى وهو يعرف بأن الدكتور تيسير رجل متزوج ووالد لطفلين ... لم يعجب لقمان رؤيته وهو يجلس إلى جانب الفتاة ... قريبا منها إلى حد ملامسة وجهها المنحني إلى الأسفل كتفه ... بينما كانت يده تطهر جرحها بفاعلية وهو يوجه نحوها كلمات خافتة كان هدفها التهدئة ...
لا .... لم يعجبه المشهد إطلاقا ... كما لم تعجبه ردة فعل الفتاة عندما أحست بوجوده ... كيف توتر جسدها ... وازداد وجهها شحوبا وهي تسحب رأسها من تحت لمسات الطبيب ... تنكمش مبتعدة .. مشيحة بوجهها عنه في دفاعية وكأنها تتوقع أن يعود للتهجم عليها مجددا
قال بهدوء :- من الأفضل أن ترتدي هذا بدلا من قميصك الممزق إن أردت العودة إلى بيتك دون إثارة ذعر عائلتك ...
عندما لم ترد ... أشار لقمان إلى الطبيب بالخروج ... ثم اقترب ببطء كي لا يجفلها أكثر ... واضعا القميص إلى جانبها فوق الأريكة التي كانت مكومة فوقها وهو يقول باقتضاب :- سأمنحك دقائق كي تتمكني من تبديل ملابسك .. وبعدها سنغادر ... سأوصلك إلى منزلك ..
بعد دقائق ... عندما عاد إلى الغرفة ... كانت قد أنهت ارتداء القميص ... الذي كان واسعا للغاية عليها ....إذ لامست حافته ركبتيها ... وتدلت أكمامه الطويلة متجاوزة كفيها ... ...
كانت تبدو صغيرة للغاية ... وهشة للغاية ... ومستنزفة تماما ... مما جعل حسا عاليا بالحماية لم يكن موجودا داخله يشتعل فجأة ... شعرها الداكن يغطي نصف وجهها وقد انحنى رأسها إلى الأسفل .. إلا أنه لم يكن مضطرا لأن يراه كي يتمكن من تخيل المشاعر المرتسمة عليه .. في الواقع ... لقد كان واثقا تماما من أنه لن يجد أي مشاعر على الإطلاق على الوجه الشاحب .. وهو يعرف تماما معنى أن يطفيء المرء مشاعره تماما حماية لما تبقى من ذاته ...
بعد رفضه لعرض ثروت المتوتر بأن يوصلها بدلا عنه ... فتح لها لقمان باب المقعد الأمامي لسيارته .... رافضا أن يمنحها فرصة اختيار المقعد الخلفي مبتعدة قدر الإمكان عنه ... ثم انطلق خلال دقيقة بالسيارة نحو العنوان الذي تمكن من الحصول عليه منها بصعوبة ...
بعد دخوله بالسيارة إلى الحي الذي دلته عليه ... طلبت منه بصوت جامد أن يتوقف إلى جانب الطريق ... قبل أن تمد يدها إلى مقبض الباب أوقفها قائلا بصوت هادئ :- أنا أعتذر عن كل ما تعرضت له اليوم بسبب أخوي ... وبسبب معاملتي لك السيئة .. ربما أنت لا تفهمين أسبابي ... أو تعرفين دوافعي .. إلا أنني أعرض تقديم أي تعويض تطلبينه على ما عانيت منه حتى الآن ...
في العادة .... يترك لقمان لثروت التعامل مع كل القضايا الشبيهة ... إلا أنه هذه المرة ... كان منقادا رغما عنه من قبل بقايا جنونه الذي صدمه وربما أثاره رهبته هو أكثر مما أخافها ...
ربما كانت أشباح تلك القضية التي جاهد كي يخمدها في مهدها في العام الماضي ما كان يحركه في البداية ... إلا أنه كان أذكى من ألا يعرف ... بأن رؤيته تلك الفتاة حبيسة تلك الغرفة المظلمة ... قد أثار جنون جزء دفين داخله لم يعرف بأنه ما يزال موجودا منذ ظن أنه قد قتله تماما قبل أربع وثلاثين عاما ...
ثم جاءت رؤيته لعيني الفتاة ....
فقط لولا عينيها ...
أخرج من جيبه بطاقة سوداء طبعت عليها معظم أرقام هواتفه المهمة ... وقدمها إليها قائلا :- لا تترددي في الاتصال بي في حال احتجت إلى أي شيء ... إذ أن عائلتي تدين لك بالكثير بعد ما حدث اليوم ...
عندما لم تأخذها منه ... دسها عنوة بين أصابعها ... فحدقت فيها للحظة ... قبل أن تفعل آخر شيء توقع منها أن تفعله ...
بكل هدوء .. وبدون أي انفعال ... مزقت البطاقة محولة إياها إلى قطع صغيرة للغاية ... قبل أن تغادر السيارة .. رامية أشلائها فوق المقعد الجلدي الذي تركته لتوها ... ثم تغلق الباب ورائها أيضا بهدوء شديد .. مثبتة للقمان الذي راقبها بينما هي تسير مبتعدة فوق الرصيف الخالي تماما والموحش في هذا الوقت من الليل ... مختفية عن أنظاره داخل شارع جانبي مظلم .. بأنها لم تكن ضعيفة أو عاجزة .. أو هشة تماما كما كان يظن ...
مد لقمان يده إلى جيبه بعد خروج ثروت من مكتبه .. وأخرج القطع الممزقة من الورق المقوى ... ونثرها فوق سطح مكتبه بهدوء واثقا كل الثقة بأن ذلك اللقاء ... لم يكن اللقاء الأخير له بتلك الفتاة ...
إذ أن لقمان الطويل ... لم يكن بالشخص الذي يترك دينا عليه بدون سداد ..
خاصة تلك التي تتضمن جسدا هشا .. وروحا قتالية كامنة ... وعينين بلون البحر








عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن