الفصل التاسع
تضحية .. تستحق العناء
:- تبا ...
عاد ريان يحاول الاتصال بها للمرة العاشرة بدون فائدة ... قبل حتى أن يجف شعره بعد خروجه من الحمام .. كان سماع صوتها الشيء الوحيد المسيطر على عقله .. بحيث بدأ الاتصال بها دون حتى أن يفكر باحتمال رفضها تلقي اتصالاته ... هي حتى لا تتعب نفسها بإقفال هاتفها .. هي فقط ترفض الرد على اتصاله كي يعرف بوضوح رفضها التام للتحدث إليه ...
رباه ... ألا تخمن حالته الآن ؟؟ ألا تدرك كيف يشعر ؟؟ كيف يتحرق ألما ورغبة في الاطمئنان عليها ؟؟
جلس فوق حافة سريره وهو يمسك رأسه بكلتي كفيه ... يشعر بالصداع يمزق مؤخرة عنقه بدون رحمة ... يجب أن ينام بعد ليالي طويلة قضاها في تلك الزنزانة العفنة بدون نوم ... أسير أفكاره وكوابيسه .. أسير قلقه ورثائه ... إلا أنه لا يستطيع حتى إغماض عينيه دون أن يرى وجه إيهاب الضاحك لثواني قليلة قبل أن تحل محله صورة جثته التي حرص الضابط على أن يريه إياها خلال التحقيق ..
لقد مات إيهاب ... رباه ... لقد مات إيهاب حقا .. لقد قتله أحدهم .. ومن يستطيع الإقدام على إيذاء شخص كإيهاب ..
لقد عرفه ريان منذ كانا معا في الإعدادية .. وبقيا أقرب صديقين حتى شجارهما المشؤوم ذاك ...
حتى بعد أن ضربه إيهاب على مرأى من جميع سكان الحي الذي يقيم فيه .. حتى بعد أن طرده أمامهم .. وأمره يكاد يبصق كلماته في وجهه بأن يرحل فلا يعود أبدا ... ظل بالنسبة لريان الشخص الأقرب إليه منذ كان مراهقا في الثانية عشرة ...
فكرة خسارته الآن ... عدم رؤيته بعد الآن .. كانت تقتله ..
هذا الألم الذي لا يطاق .. كان يذكره بها ... إن كان هو يعاني بهذا الشكل الغير محتمل ... فكيف تشعر هي ؟؟
أدرك بأنها لن ترد على أي من اتصالاته .. بأنه لا يمتلك بديلا عن الذهاب إليها ورؤيتها بنفسه .. في اللحظة التي سمع طرقات هادئة على الباب .. يليه صوت أكرم وهو يدفع الباب ويدخل :- آه ... لقد أنهيت حمامك ... هذا جيد .. أعرف بأنك متعب .. وتحتاج لأن تنام إلى الأبد على الأرجح .. إلا أن والدتنا تنتظرك كي تشاركها الغداء ...
تمتم ريان :- ألن تتناول الغداء معنا ؟؟
هز أكرم رأسه :- لا ... أنا مضطر للعودة إلى العيادة ... سأراك مساءً بالتأكيد ..
عندما لم يقل ريان شيئا .. اقترب منه أكرم وهو يقول بقلق :- ريان .. هل أنت بخير ؟؟
صمت ريان للحظات وكأنه يبحث عن طريقة يقول فيها ما كان يشغل تفكيره ... قبل أن يقول بصوت أجش :- كيف استطعت التورط مع شمس من جديد يا أكرم ... كيف ؟؟
توتر فم أكرم وهو يقول :- صدقني ... الزواج بها لم يكن خياري أنا .. لقد وضعته هي كشرط مقابل مساعدتها لك ..
:- أنا كنت أفضل التعفن في السجن على أن تؤذيها من جديد ... يكفي ما فعلته بها قبل أربع سنوات .. هي ليست بحاجة لأن تفعل بها المزيد ..
أحس أكرم بالغضب .. وكأن كلمات ريان المعاتبة كانت تمس وترا حساسا داخله .. قال بغيظ :- انا لم أرغمها على الزواج بي يا ريان ..
:- حتى لو كان الزواج مطلبها هي .. ما كان عليك أن تمنحها ما تريد وأنت تعرف بالضبط بأنها لا تعني لك أي شيء ..
قال أكرم بجفاف :- كن واثقا بأنها تبادلني الشعور نفسه بعدم الاهتمام .. إن ظننت بأن شمس الراوي قد طالبت بالزواج مني حبا بي أو رغبة بي .. فأنت مخطئ .. هي فعلتها انتقاما لكرامتها الجريحة لا أكثر ..
قال ريان من بين أسنانه :- إن صدقت هذا فأنت أقل ذكاء مما كنت أظن ... ربما هي تكرهك الآن .. وأنا لا ألومها إطلاقا على هذا .. أنا كنت لأكرهك لو أنني كنت مكانها .. إلا أن مشاعرها قطعا هي بعيدة تماما عن اللا مبالاة ..
اقترب من أكرم لينظر إلى عينيه مباشرة وهو يقول بصوت أجش :- ربما أنت نسيت ما حدث حقا قبل أربع سنوات ... إلا أنني لم أنس يا أكرم ... أنا كنت هناك ... أنا كنت شاهدا على زواجك من شمس وأنت تعرف هذا ..
توتر فم أكرم بينما تابع ريان بمرارة :- عندما أفقت فاقدا الذاكرة بعد تعرضك لذلك الحادث .. أنا حاولت جاهدا التحدث إليك آنذاك يا أكرم ... أن أدخل شيئا من التعقل إليك .. أن أذكرك .. بما نسيته .. وكنت ممتنا لنسيانك له .. إلا أنك رفضت الاستماع إلي .. وتركت والدينا ولقمان يزرعون الأفكار لديك ويوهمونك بما لم يحدث .. لقد سمحت لمخاوفك وعقدك بأن تدمر شيئا .. أنا كنت شاهدا على تميزه .. لقد كان شيئا ... لا يمكن أن يتكرر .. أبدا ..
أجفل أكرم وهو يسمع العاطفة الجياشة تهز صوت شقيقه الأصغر ... وهو يرى في عينيه الزرقاوين انعكاس حياة لا يذكر منها شيئا ... تابع ريان بصوت أجش :- عندما طلقت شمس ... أنا تعهدت بألا أتطرق للأمر مجددا .. إن أردت أن تنسى المرأة الوحيدة التي عشقتها بكل ما للكلمة من معنى يا أكرم .. فمن أنا كي أرغمك ..
شحب وجه أكرم وهو يتراجع خطوة واحدة إلى الوراء ..وجه شمس الراوي الخالي من الزينة ... وجهها ذو الجمال النقي .. الطفولي البراءة .. عيناها البندقيتين الصارختين بالغضب ... يطل ليصفع روحه بكل قسوة ...
قال ريان باستهزاء :- بعد تفكير في الأمر ... أنا لا أمانع حقا في تورطك من جديد معها يا أكرم ... إذ أنها ليست الشخص المحتاج للشفقة والرثاء بسبب هذا الزواج .. فشمس الراوي .. قطعا هي الشخص الأكثر قوة منكما أنتما الاثنين .. وإن كانت حقا كما تقول ... قد طلبت هذا الزواج انتقاما لكبريائها الجريحة .. فمن الأفضل لك ألا ترخي دفاعاتك إطلاقا عندما يتعلق الأمر بها ..
مد يده يتناول هاتفه .. ورزمة مفاتيحه من فوق المنضدة المجاورة للسرير وهو يقول باقتضاب :- هلا أبلغت أمي اعتذاري لها عن تخلفي عن الغداء ؟؟؟ هناك مكان أحتاج للذهاب إليه ...
دون أن ينتظر رد أكرم ... غادر الغرفة تاركا شقيقه الأكبر ارقا في صدمته .. واضطرابه .. وخوفه ..
أنت تقرأ
عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)
عاطفيةرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الأول من سلسلة في الغرام قصاصا حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me