الفصل الحادي والثلاثون

14.2K 344 25
                                        

الفصل الحادي والثلاثون





رفعت عبير رأسها فور دخول والدتها إلى المنزل ... ووقفت بشيء من الصعوبة وبطنها التي كانت قد ازدادت حجما في الآونة الأخيرة بسبب تقدم حملها تضيف المزيد من الثقل فوق أنفاسها .. وقالت فور أن لاحظت وجه والدتها المظلم :- ألم تستمع إليك قمر ؟؟
رمت والدتها الوشاح الذي كانت تضعه حول كتفيها اتقاءً لأي هواء خريفي مفاجئ أثناء خروجها صباحا فوق أحد المقاعد القريبة وهي تزفر قائلة :- قمر لم تقبل حتى أن تراني ... خالتها كانت جافة تماما وهي ترفض السماح لي بدخول غرفة شمس حيث كانت قمر قائلة بأننا قد فعلنا ما يكفي , وأن أقل ما يمكننا فعله الآن هو تركها في حالها ..
أطبقت عبير فمها بقوة للحظات ... ثم قالت بجفاف :- ربما هذا ما علينا فعله بالضبط ..
أجفلت والدتها وهي تقول :- ما الذي تقصدينه ؟
:- أقصد بأن قمر تحتاج لبعض الوقت كي تتخطى الصدمة ... أنا متأكدة بأنها ستتقبل أخيرا حقيقة أن زواج خالد بناهد كانت ضرورة ستحدث عاجلا أم آجلا ..
نظرت إليها السيدة فخر مليا قبل أن تقول بهدوء :- لم أدرك قط إلى أي حد تكرهين قمر يا عبير ..
انتفضت عبير والعبارة تفاجئها .. قالت بتوتر :- أنا لا أكره قمر ...
:- ما من تفسير لتحاملك هذا عليها ..
ثم نظرت إليها بقسوة وهي تقول :- أنت من أخبرها بوجود خالد و ناهد في شقته القديمة .. صحيح يا عبير ؟؟ لقد اتصلت بي ذلك المساء .. فتحاشيت الرد عليها خشية أن أضطر للكذب عليها أو البوح بما لا أريدها أن تعرفه .. أظنها اتصلت بك مباشرة عندما لم تلق أي رد مني .. وأنت كنت أكثر من سعيدة بأن تخبريها بزواج خالد ... وأين بالضبط تستطيع أن تجده ..
هتفت عبير بعصبية :- لقد كانت تعرف بزواجه بالفعل عندما اتصلت بي ... كما أنني لا أجد أي سبب يدفعني للكذب عليها .. كانت ستواجهه عاجلا أم آجلا .. وأن يكون هذا عاجلا أفضل لجميع الأطراف ..
عندما ألقت والدتها نظرة طويلة متهمة ... أسرعت تهتف مدافعة عن نفسها :- كل ما أردته هو سعادة أخي ... هي تأتي أولا رغم كل مودتي لقمر ...
قالت والدتها بحزم :- قد تتظاهرين بأن سعادة خالد هي ما يحركك .. إلا أنني والدتك يا عبير ... وأعرفك أكثر من أي شخص آخر .. أنت لم تساهمي أبدا في إقناع خالد بالزواج إلا كي تجرحي قمر ..
شحب وجه عبير للحظة وقد عجزت عن الرد .. ثم قالت بعصبية :- تتحدثين وكأنني وحدي من أقنعه بالأمر .. ماذا عنك يا أمي ؟؟
نظرت والدتها إليها وعيناها تفيضان بالحزن وهي تقول :- أنا لم أرغب أبدا للأمر أن يحدث بهذه الطريقة ..
جلست على أقرب أريكة وقد بدت منهكة ... متعبة .. وأكبر سنا وهي تقول :- كل ما أردته هو أن أرى أحفادي من خالد ... كنت لأكون أسعد جدة في العالم لو أن قمر تمكنت من منحه ما يريد ... وحتى الآن ... رغم كل ما حدث .. قلبي يخفق بوجل وأنا أفكر بناهد حاملا بطفل من خالد ... ولكن ... أبدا لم أرغب بأن يكون الأمر على حساب قمر ...
قالت عبير بجفاف :- لن يكون كذلك لو أنها كانت أكثر تفهما وأقل أنانية ... لقد سبق وأخبرتها بأن زواج خالد لا يتعارض بالضرورة مع حبه لها ... لو أنها تحبه حقا بما يكفي كما تقول .. لبذلت كل ما تستطيعه لأجل سعادته .. حتى لو عنى هذا أن تشاركه مع امرأة أخرى ..
قالت السيدة فخر بصوت أجش :- كل هذا لا يهم ... ما يهم حقا هو خالد ... أكاد أتمزق وأنا أراه كالمجنون يتصل بها بدون توقف ليلا ونهارا ... خالتها لا تفتح له الباب حتى عندما يذهب محاولا أن يراها ..
قالت عبير باقتضاب :- سرعان ما سيتخطى الأمر ... ويدرك بأن قمر لن تعود مادام يطاردها بهذه الطريقة .. ستعود صاغرة فور أن تدرك بأن هذه الأفعال الطفولية لن ترغمه على تطليق ناهد .. لن تقبل أبدا بأن تخسره .. أنا متأكدة من هذا ..
نظرت إليها والدتها صامتة دون أن تقول شيئا ... إلا أن عبير التي تململت فوق مقعدها بعدم ارتياح أدركت ما كانت ترغب والدتها بقوله ... قالت بحدة :- لقد سبق وأخبرتك .. أنا لا أتحامل عليها ... لماذا قد أرغب بأن أفرق بينها وبين خالد ؟؟؟
لم تجبها السيدة فخر ... بل كان عقلها غارقا في أفكاره المريرة وهي تستعيد آخر مرة رأت فيها خالد هذا الصباح .. لم يكن قد نام طوال الليل وهو يتحرك جيئة وذهابا في مكتبه ... هو لا ينام ... لا يأكل .. هو حتى يرفض التحدث إلى أي أحد .. ربما عليها أن تكون ممتنة لذهابه إلى عمله حيث يجد أي إلهاء عن مشاكله .. ثم فكرت بناهد ... التي لم تغادر شقة خالد منذ زواجهما قبل أربعة أيام .. مصرة بعناد على أنها لن تتحامل على خالد في حالته هذه ... ولن تطالبه بما يعجز عن تقديمه .. وأنها قادرة على الانتظار حتى يحل مشاكله مع قمر قبل أن تسوي أمورها معه ..
فقط لو أن خالد يحبها بالقدر الذي يحب فيه قمر ؟؟؟
فقط لو أن روحه لم تختم بروحها فيعجز عن السماح لامرأة أخرى بأن تمسها ..
ربما هي كانت من أول الأشخاص الذين حاولوا إقناع خالد بضرورة زواجه ووضع قمر أمام الأمر الواقع .. إلا أنها تعرف ابنها أكثر من أي شخص آخر .... تعرف بأنه لا يستطيع أبدا حمل العصا من المنتصف .. هو دائما كان عنيف المشاعر ... متطرف الأفعال حين يحشر في الزاوية ...
وتعرف أيضا بأن النتيجة إن لم تقبل قمر بالعودة إليه ... ورفضت مسامحته .. وأصرت على أن تحصل على الطلاق ... لن تكون أبدا في صالح ابنها الوحيد ...











عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن