الفصل الثاني والعشرون(هوية تائهة)

10.4K 268 12
                                    

الفصل الثاني والعشرون

هوية تائهة

:- أنت مجنونة إن ظننت بأنني سأقبل بكلامك هذا ..
أمسكت وردة بخصرها النحيل وهي تقول بجفاف :- أنا لا أطلب منك إذنا .. أنا أخبرك فقط بما سيحدث
:- بما لن يحدث .. إن ظننت بأنني سأبعد كامل حماية له كي أورطك أنت فأنت مخطئة ..
:- أكرر .... أنا لا أطلب منك إذنا ... إن لم تسمح لي بالعمل معك .. عملت وحدي .. وهنا .. أي مصيبة تسقط فوق رأسي ستكون أنت مسؤولا عنها ...
هتفت بها فاقدا أعصابه في النهاية :- لماذا تفعلين هذا ؟؟؟ لقد سبق وفقدت إيهاب .. وربما كان مقتله بسببي أنا ... لماذا ترغمينني على تعريض شخص آخر حولي للخطر ..
صمتت وهي تحدق به لنصف دقيقة كاملة ... عيناها الداكنتان تحملان تعبيرا كان عاجزا عن فهمه في حالة جيشان المشاعر التي كان يعاني منها ... قالت أخيرا بصوت أجش :- أنا خسرت إيهاب أيضا يا ريان ...
تذكر ريان فجأة وقد كان قد نسي تماما ... القرب الذي لاحظه في الفترة التي سبقت وفاة إيهاب .. بينه وبين وردة ... لقد كان يصل أحيانا لمتجر كامل فيراهما منزويين في الركن وهما يتحدثان بخفوت ... تعتلي وجهها تعابير هشة لم يسبق أنا رآها إلا في حضرة إيهاب ... بينما كان إيهاب يستمع إليها ويتحدث إليها برقة .. كانت تجعل شيئا يلتوي داخل ريان دون أن يعرف السبب ...
إن كانت شكوكه صحيحة .. فإن وردة قد أحبت إيهاب بعمق ... ربما بعمق يوازي مشاعره اتجاه هبة .. ولو أن مكروها أصاب هبة ... لأقام ريان الدنيا وأقعدها كي ينتقم ويعاقب من أذاها ...
قال بصوت أقل حدة :- وردة .... أنا أخاف عليك .. كلانا خسر إيهاب .. ما من حاجة لأن نخسر المزيد ..
أشاحت بوجهها بعيدا عن مرمى نظره .. وتمتمت :- هذا ما أقصده ... مساعدتي لك في بحثك .. هي ضماني كي لا أخسر المزيد .. على الأقل إن حدث هذا ... فأنا سأعرف بأن السبب لم يكن تخاذلي ..
أغمض عينيه بقوة ... مدركا بأنه لن يتمكن من فعل أي شيء يثنيها عن قرارها .. وأن خياره الآمن في هذه الحالة .. هو أن يبقيها تحت ناظريه بدلا من أن تتهور وحدها فتتعرض حقا لمكروه ..
قال بصوت أجش :- حسنا ... ستساعدينني ... إنما بشروطي يا وردة ... بشروطي أنا ..
لم تعترض .. إنما بريق العناد في عينيها أخبرها بأن المرحلة القادمة لن تكون سهلة عليه إطلاقا ..










:- لا أفهم سبب قلقك يا خالتي .. أنت تعرفين قمر .. فور أن تهدأ قليلا وتعود لتفكر بعقلها ستعود إلى بيتها صاغرة .. هي لا تستطيع البقاء ساعة بدون خالد بحق الله .. ألا تذكرين كم كنا ننتقد تعلقها المرضي به ؟؟ ربما حان الوقت كي تكبر قليلا فتمتلك شيئا من الاستقلالية والشخصية بعيدا عنـ .... آه ... آه ... آآآآآآتشوووو ..
أتاها صوت نورا يقول بقلق :- صوتك لا يعجبني يا شمس ... وعطاسك هذا ليس عابرا .. ألا يهتمون بك هناك في منزل آل طويل ؟؟
أدارت شمس عينيها وهي تلتقط منديلا من علبة المناديل الورقية المستقرة أمامها فوق مكتبها داخل متجرها وهي تقول :- أنا لست صغيرة خالتي .. ولا أحتاج لمن يهتم بي .. وقطعا أنا لا أحتاج لعناية آل طويل ...
:- تعالي من عملك مباشرة إلى هنا ... لن أطمئن عليك إلا وانت بين يدي ..
تنهدت شمس وهي تقول :- لا أستطيع ... بعض القطع التي كنت أعمل عليها ما تزال هناك ... علي أن أعود لأجلها ...
كما أنها تعمل براحة أكثر هناك منذ عرضت عليها آمال الطويل استخدام غرفة الجلوس الإضافية حيث تستطيع استخدام آلة الحياكة هناك واختصار كثير من الوقت بدلا من حصر عملها خلال ساعات عملها نهارا ..
قالت شمس متابعة :- سأعود فور أن تعود قمر إلى بيتها .. أنت تعرفين كم أكره الأماكن المزدحمة ... أشعر بأنني فأر وقع في مصيدة إن أحسست بوجود حشد حولي ..
أنهت المكالمة .. لتتمكن أخيرا من ترك التظاهر جانبا ... وإرخاء رأسها فوق سطح مكتبها وهي تشعر بحاجة ماسة للاستلقاء والصداع يكاد يمزق رأسها ...
كل شيء كان يؤلمها منذ استيقظت صباحا ... كل شيء ... ربما ضغط العمل الذي كان كثيفا جدا خلال الفترة الأخيرة قد بدأ يترك تأثيره عليها ..
أو أنه تأثير التوتر الذي كان يطغى على كل أحاسيسها منذ تزوجت بأكرم الطويل قبل أسابيع ..
التوتر ... الغضب .. الكراهية ... الارتباك .. والألم ... الكثير والكثير من الألم ...
لقد ظنت حقا بأن الأمر سيكون سهلا عندما اتخذت قرارها بربط نفسها به مجددا كمقابل لشهادتها لصالح ريان .. لقد ظنت الأمر سيكون أشبه بالعمل ... جدي .. بارد .. جاف .. مشبع بالغضب والتوتر و النفور من كلي الجانبين ... إلا أنها كانت مخطئة ... لقد كانت مخطئة تماما ..
فأكرم لا يسمح لها أبدا منذ عقد قرانهما بأن تجعل الأمر بينهما غير شخصي .. بتدخله المستمر في شؤونها .. بإصراره على أن يزورها في مقر عملها وتناول الغداء معها بين الحين والآخر ... بعناده .. وحرصه الدائم على أن يطرح السؤال تلو السؤال حول علاقتهما السابقة ... بفضول .. بحسرة .. بتوق كان يملأ عينيه اللتين عشقت فيهما يوما تلك اللمحة عن حاجة جريحة للحب ... برقته ... بلطفه .. بحرصه على مشاعرها .. باعتراضه على كل محاولة من أفراد عائلته للتقليل من شأنها ... بغيرته ... كلما جاء للزيارة فوجد بلال داخل متجرها ... عارفا بأنه ذلك الرجل الذي ترغب حقا بالزواج منه ... بأنه الرجل الذي ستقفز بين ذراعيه فور أن تنتهي مدة اتفاقهما ...
أن يحاربها بالنفور .. بالقسوة .. بالتجاهل .. كما فعل قبل أربع سنوات عندما رفض الاعتراف بها .. كان أمرا توقعته .. ورغبت به كطريقة تتمسك فيها بثباتها وقوتها وأدرعتها المعجونة بغضبها وحاجتها للانتقام ... أما أن يحاربها برقته ... بتفهمه .. بالبراءة التي كانت وحدها دائما من يراها ... فقد كان يقتلها ...
( :- لماذا أحببتني يا شمس ؟؟؟
نظرت إليه عبر الإنارة الخافتة لغرفة نومهما بعد أسبوع من زواجهما الخاطف الذي تحديا به العالم بأسره .. فوق سريرهما العريض ... حيث أحاطت بهما هالة حبهما وعشقهما العاصف .. وقالت مداعبة :- حسنا ... أنت وسيم ... وأنا لم أستطع مقاومة سحرك الفتاك ..
لم يبتسم ... بل نظر إليها بعينيه العميقتين .. التائقتين لمن يعترف به .. لمن يحبه .. لمن يمنحه ما يستحقه من التقدير .. وقال مكررا :- لماذا أحببتني يا شمس ؟؟؟
اختفت ابتسامتها مرة واحدة وعيناها معلقتين بعينيه كالفريسة حين تجمد تحت نظرات مفترسها .. وقالت بصوت أجش :- لقد ظننت طوال حياتي بأن ما أفتقده هو حب أم تحنو علي وتتقبلني كما أريد .. حب أب يرعاني ويجعلني قرة عينه ... أن أحظى بأعين الآخرين علي .. أن أدرك بأنني الأهم .. الأفضل .. الأجمل .. إلا أنني كنت مخطئة ...
سألها بصوت مرتجف :- ما الذي كنت تفتقدينه إذن ؟؟؟
صمتت ... شفتاها ترتجفان ... يداها ترتجفان وهما تتحركان بحثا عن دفء صدره العاري تحت أناملها ... وفور أن أحست بنبضات قلبه مقابل راحة كفها ... قالت :- لقد ظننت بأنني كنت أفتقد والدين يمنحانني الحب الذي أريد .. إلا أنني أدركت بأنني كنت أفتقد شخصا أمنحه كل الحب الذي لم أدرك أنه كان يتضخم داخل قلبي بحاجة لمن يناله ... لقد ظننت بأنني أريد أن ألفت أنظار الناس ... أن أكون مركزا لحبهم ... لاهتمامهم .. إلا أنني أدركت بأن ما أردته هو شخصا أجعله نصب عيني ... شخص يكون محور حياتي .. ومركزا لاهتمامي أنا ... لقد ظننت بأنني أردت أن أكون حبيبة ... إلا أن ما أردته حقا هو شخصا أحبه ... شخصا أمنحه قلبي .. شخصا لا يمنحني الحب الأبوي الذي أردته ... بل يأخذ مني كل الحب الأمومي الذي أمتلكه ... أنت الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يحقق لي كل هذه الأشياء يا أركان ...
تحركت أناملها لتصل إلى عنقه ... ثم وجنته التي اخشوشنت بعد مرور ساعات على حلاقته إياها ... وهمست :- أنت تجعلني أريد أن أكون أفضل ... عندما أرغب بأن أمنحك أفضل ما لدي .. أنت تجعلني أشعر بأنني محبوبة .. عندما تسمح لي بأن أحبك بكل ما لدي .. أنت ... أنت خلقت لي الهوية التي كنت أبحث عنها لسنوات يا أركان ... )
اغرورقت عينا شمس بالدموع ... وهي تشعر بالغضب من نفسها يتجدد على فعلها ما أقسمت يوما على ألا تفعله قط ... أن تتذكر ...
هي تسمح لنفسها بأن تضعف بمجرد سماحها للذكرى بأن تتسلل إليها فتضعف دفاعاتها ...
وهي ليست مستعدة إطلاقا لأن تخسر المزيد لحساب أكرم الطويل ...
:- شمس ...
رفعت شمس عينيها نحو الموظفة التي كانت تنظر إليها بقلق وهي تتابع :- أنت شاحبة اليوم .. ولا تبدين بخير .. لم لا تعودين إلى البيت وتتركي لي الاهتمام بالمتجر لهذا اليوم .. أنت تضغطين على نفسك بالعمل منذ أيام ...
لم تستطع شمس أن تجادلها .. إذ كانت متعبة للغاية .. ومدركة تماما لكونها بعيدة تماما عن الراحة










عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن