الفصل الثلاثون

12.6K 314 37
                                    

الفصل الثلاثون


مصيري معه

فور أن أحست بوجوده .. وقبل حتى أن تراه .. انتفضت خلايا بحر مرة واحدة وهي ترفع رأسها فتنظر إليه واقفا مكانه عند باب الغرفة .. وجهه جامد ... عيناه السوداوان عاصفتان بنار لم تفهمها .. أهو غضب .. أهو احتقار .. أهي كراهية .. لم تعرف .. كانت ما تزال مغيبة في السرعة التي حدث فيها كل شيء خلال الاثني عشرة ساعة الماضية .. مشاعرها ملبدة تماما .. عاجزة عن التعاطي مع ما يحدث منذ اللحظة التي وجدت نفسها توقع فيها ورقة الزواج العرفي تلك في مكتب الضابط .. ثم رحيل لقمان الطويل وكأنها أقل حتى من أن يرافقها من مركز الشرطة بعد ارتباطهما مباشرة ..
هل تخدع نفسها ... هو على الأرجح لا يريد لأي أحد أن يراه معها ... فما بالك أثناء خروجهما من مركز الشرطة ؟؟؟
( أنت لست امرأة قد أرتبط بها )
لقد كان واضحا منذ البداية ... كما كان واضحا في إعلانه رغبته بها ... إلا أن بحر أبدا لم تتخيل أن يفكر يوما في حشرها في الزاوية بغية حصوله عليها ... ما هو شعورها اتجاه هذا ؟؟؟ لا شيء ... لا شيء إطلاقا في هذ اللحظة ...
راقبها لقمان في جمودها ... عيناها الزرقاوان اللتان جفت فيهما الدموع تنظران إليه بدون أي تعبير .. دون أي من الخوف أو التمرد أو الغضب الذي توقعه منها .. دون حتى الدموع التي كان ينتظرها ...
متى ستتوقف بحر الوالي عن مفاجأته ... حتى في أصعب الظروف كهذا الظرف الحالي ؟؟؟
قال بهدوء :- خائفة ؟؟؟
:- لا ..
:- لا ! ..
نظرت إليه بعينيها الزجاجيتين وكأنها لا تراه ... ثم قالت بصوتها الرتيب :- أنت تخاف مما لا تعرفه .. ما لا تتوقع حدوثه ..
توتر فمه وهو يقول :- وماذا عما تعرفه ؟؟؟
:- أنت تتعاطى معه .. بأقل خسائر ممكنة ...
فلسفة متوقعة من امرأة عاشت حياتها كلها تحت ظل العنف والاضطهاد .. أهذا ما تتوقعه منه ... أن يؤذيها .. أن يمنحها لذة وضعه في خانة واحدة مع عمها الحقير ؟
قال ببرود :- لابد وأنك متعبة ... من الأفضل أن تتبعيني حيث أريك أين تقع غرفة النوم ...
بتلذذ ... لاحظ انكسار جمودها وعيناها تتسعان بذعر بينما تنسحب الدماء من وجهها ... أتتوقع منه القسوة ... لماذا عليه أن يخذل توقعاتها .. قال ببرود :- لديك خيار من اثنين .. إما أن تنهضي من تلقاء ذاتك فتلحقي بي .. أو أن أحملك بنفسي ...
كما توقع ... مفطورة على اتخاذ الطريق الأسهل والأبعد عن المشاكل .. راقبها وهي تنزل ساقيها من فوق الأريكة ... ليتبين للمرة الأولى بأنها كانت حافية القدمين عندما انحسرت حافة سروالها القماشي عنهما ..
وقفت تحيط نفسها بذراعيها ... بينما تتحاشى النظر إليه ... ضحية ... هي ترى نفسها كضحية .. بينما يجد هو بأنها ومنذ أول لحظة وقعت عيناه عليها ... كان مقدرا لها أن تكون له ...
:- اتبعيني ...
كان قادرا على الإحساس بخطواتها المترددة ورائه ... عاجزة عن فعل أي شيء إلا اللحاق به .. وما الذي كانت تستطيع فعله ... هي ما كانت لتستطيع الهرب في منزل محاط بأفراد الأمن كمنزله ... كما لا تستطيع التسلل من بين يديه والاختباء في إحدى زوايا المنزل الكبير .. إذ لم تكن تلك طريقتها .. بحر الشجاعة ربما أكثر مما يجب ... ربما يظن من يراها في هدوئها و صمتها .. في حرصها دائما على السير بمحاذاة الحائط بعيدا عن انتباه الآخرين .. بأنها ضعيفة .. جبانة ... خانعة .. إلا أنها لم تكن كذلك ..
لمن يعرفها جيدا ... بحر كانت إحدى أقوى النساء اللاتي عرفهن لقمان في حياته .. وهو يعرف جيدا بأن القوة لا تترافق بالضرورة مع ردود الأفعال الصاخبة والعلنية ...
في الطابق العلوي ... فتح باب غرفة النوم الرئيسية ... غرفة نومه هو ... خفق قلبه بقوة بين أضلعه وهو يفكر بها تدخل عرينه أخيرا ... لكم فكر بهذه اللحظة .. وتخيلها .. ورآها رؤى العين .. في غرفته .. فوق سريره .. بين ذراعيه .. أفسح لها الطريق ... إلا أنها لم تتحرك من أمام الباب .. فقال ساخرا .. عله يخفي توق كل خلية في جسده إليها :- لا تقلقي ... حتى أنا لن أكون همجيا إلى حد الانقضاض عليك فور دخولك إلى الغرفة ..
قالت بصوت مكتوم :- بل بما يكفي كي ترغم امرأة على شيء لا تريده ..
قال بقسوة :- لن أتبجح في الأخلاقيات إن كنت مكانك ... من الأفضل أن تدخلي إذ أن عرضي بحملك ما زال ساريا ..
عندما لم تتحرك .. أطلقت صرخة قصيرة مجفلة وهي تحس بأصابعه تمسك فجأة بأعلى ذراعها وقد وصلت إليها بسرعة لم تتمكن من إدراكها .. ثم تسحبها إلى داخل الغرفة بحيث أصبحت تقف في منتصفها خلال لحظة ..
مذعورة ومنتفضة والهستيرية تكاد تسيطر عليها .. تراجعت إلى الوراء خطوتين وهي تحدق مذعورة به وهو يقف على بعد خطوات منها .. طويل القامة .. ضخم البنية .. ضخم جدا .. إلى حد جعل الخوف يتغلب فجأة على جمودها .. ويبث الرعشة في كامل أوصالها وهي تدرك بأنها أبدا لن تكون ندا له .. بأنها لن تتمكن من قتاله .. من مقاومته .. من النجاة من بين يديه .. ملامحه القاسية والمظلمة والإضاءة الخافتة للغرفة والمقتصرة على المصابيح المضاءة إلى جانب السرير .. تخفي معظمها .. تخبرها بأنه أبدا لن يلين أمام أي موقف ضعف أو إذلال منها .. أنه أبدا لن يساومها فيما يريد .. وأن دموعها .. لو أنها عادت قادرة على ذرف المزيد منها .. لن تساعدها أبدا في حربها ضده ..
قال بجفاف متجاهلا ذعرها الواضح :- ستجدين عبر ذلك الباب غرفة الملابس وفي نهايتها باب الحمام ... من الأفضل أن تأخذي حماما يغسل عنك قذارة اليوم الذي قضيته في السجن .. وتخلعي هذه الملابس المغبرة .. حقيبة ملابسك ما تزال في السيارة على ما أظن .. مما يعني أنك مضطرة للاكتفاء بروب الحمام المعلق خلف بابه .. وقبل أن تحاولي الاعتراض أو المقاومة ... أنا لا أمانع في إدخالك بنفسي إلى الحمام .. ونزع ملابسك هذه قطعة قطعة قبل أن أرميك في الحوض ..
اتسعت عيناها وهي تقابل كلماته التي كانت جديته واضحة حولها .. راقبته وهو يبتعد فجأة نحو الباب وهو يقول باقتضاب :- من الأفضل أيضا أن تنامي قليلا بعد خروجك من الحمام .. قبل أن تنهاري من التعب .. رغم كل ما تظنينه .. أنا لست قاسيا إلى حد مراقبتك تنهارين من الإرهاق بعد يوم عصيب كهذا دون أن أفعل شيئا ..
راقبته مذهولة بينما هو يغادر الغرفة مغلقا الباب عليها ... وعلى حريتها ... إلى أجل غير مسمى ..







عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن