الفصل الثامن والعشرون
للحظات بعد أن أنهى ريان حديثه ... ظلت وردة صامتة تفكر بكلماته مليا وهي تنظر إليه بهدوء قبل أن تسأله :- هل تظن ذلك المدعو بأحمد وهيب هو الفاعل ... أنه هو من قتل إيهاب ؟؟
زفر ريان بقوة وهو يقول :- ما من تفسير آخر لاختفائه مباشرة بعد مقتل إيهاب .. لا أحد يعرف عنه أي شيء .. حتى أفراد عائلته .. وكأن الأرض انشقت فجأة وابتلعته ..
صمتت أيضا للحظات باثة إحساسا غير مريح داخله .. ثم قالت :- ومدير إيهاب السابق ... السيد رضوان .. أنت تقول بأنه كان أيضا على خلاف مع إيهاب .. أيعقل أنه لم يخبرك قط بالأمر ؟؟؟ شجار حاد مع رئيسه في العمل ليس أمرا سهلا .. ظننته كان يحكي لك كل شيء ..
تشنج وجه ريان وهو يقول :- من الواضح أنه لم يكن يحكي لي كل شيء .. إلا أنني لا أستطيع أن ألومه .. ما كان ليحكي لي عن شجاره مع السيد رضوان مادام يتعلق بـ .... بهبة ..
أشاح بوجهه .. وكأنه يخشى أن تتمكن من قراءة المشاعر التي يعرف بأنه لم يستطع قط حجبها عن ملامحه ..
:- ريان .... انظر إلي ..
عندما لم يرفع رأسه إليها .. قالت بصوت أجش :- ما من سبب يدفعك للاختباء .. رفضها لك .. لا يقلل أبدا من قيمة نفسك .. فإياك أن تسمح لها بانتزاع كبرياء آل الطويل منك ..
قال بشيء من المرارة :- ظننت انتمائي لعائلة الطويل .. أحد أسباب امتعاضك الدائم مني ..
أدارت عينيها وهي تقول :- صدقني .. لدي الكثييييييييييييير من الأسباب التي تدفعني للامتعاض منك .. إلا أن ولادتك التي لا يد لك فيها ضمن عائلة ثرية ليست ضمنها .. وقطعا ليس كونك إنسانا .. تمتلك نقاط ضعف أي بشري عادي مثلنا ..
نظر إليها أخيرا وهو يقول بحزن :- ربما كوني عنيدا كالحجر .. بدون أي كرامة إذ أعود مرة بعد مرة إليها رغم وضوح طلبها مني الرحيل ..
تكورت قبضته فوق الطاولة وهو يقول :- ما يقتلني هو ذلك الإحساس بأنها تخفي عني شيئا .. لقد نظرت إليها وأنا أسألها عن السيد رضوان ... عن تقدمه لخطبتها .. وكنت شاهدا على الذعر الذي رأيته في عينيها .. ماذا إن كان يزعجها ... ماذا إن كان يهددها ... رباه ... ماذا إن كان هو السبب في موت إيهاب ..
:- ريان .... توقف ..
قالتها بحدة مجتذبة انتباهه من نوبة الذعر التي كادت تجتاحه .. وقالت بغضب :- هبة امرأة ناضجة ... ومسؤولة تماما عن خياراتها .. و إحساسك بالقلق والذنب أو المسؤولية اتجاهها غير منطقي .. ربما هي تخفي الأمر عنك حماية لمشاعرك برفضها أن تجرحك في معرفتك بوجود خاطبين لها .. ربما هي تحاول أن تحميك أنت بإخفائك أي شيء تعرفه عن موت إيهاب .. الأسباب غير مهمة .. المهم هو أنني لو كنت مكانها ما كنت لأفعل المثل إطلاقا ..
نظر إليها مرتبكا وكأن كلماتها هذه كان آخر ما توقع سماعه منها .. بينما تابعت كازة على أسنانها :- لو أن الله أرسل لي شابا يحبني بالقدر الذي تحب فيه هبة .. شابا يظهر من التفاني والرغبة في حمايتي ما تظهره لهبة .. لو أنني أبادله الحب حقا كما تقول بأنها تفعل .. أنا ما كنت أبدا لأستخف به .. ولأقلل من شأنه واحترامي له واحترامه لنفسه أيضا .. بإخفاء أي شيء عنه ..
اتسعت عيناه وهو يستمع إلى القوة في كلماتها .. إلى المشاعر العاصفة في صوتها الأجش وهي تتابع :- قد تظن بأن أساس الحب هو التضحية ... إلا أن هذا غير صحيح .. الحب يقوم بشكل كامل على الأنانية المطلقة .. إذ ما المغزى من أن تحب شخصا .. دون أن ترغب في تملك كل ما يتعلق به .. ما المغزى من أن تسلم شخصا قلبك ومشاعرك .. دون أن تمنحه ما يستحقه من ثقة .. الثقة المطلقة يا ريان .. وهي ما لا تمنحك إياه هبة .. إذ أنها لا تثق إطلاقا بامتلاكك القوة الكافية للتعاطي مع الحقيقة ..
ازدرد ريقه .. وهو يقول بصوت مكتوم :- وماذا إن كانت محقة ... ماذا إن كنت حقا لست أهلا لثقتها هذه ؟
:- بحق الله يا ريان ... هلا نظرت إلى نفسك ؟؟؟
صوتها ارتفع قليلا جاذبا انتباه الطاولات القريبة منهما .. مما دفعها لخفض صوتها دون أن تتلاشى معالم الغضب عن وجهها وتابعت :- أنا لم أعرفك حقا إلا منذ فترة قصيرة .. أي أنني لا أعرفك جيدا مثلها .. وقد أخبرتني بأنها تعرفك منذ الطفولة .. ريان .. ماذا تظن بشاب يعرض نفسه للخطر في سبيل اكتشاف قاتل صديقه المقرب ؟؟ أنت شجاع ... مندفع ... قوي العزيمة .. عنيد .. مخلص .. وصديق وفي .. ربما مات إيهاب غاضبا منك .. لكن إياك أن تشك ولو للحظة بمقدار الحب الذي كان يكنه لك .. والثقة التي كان يمنحك إياها
قال بصوت مرتعد :- كان هذا قبل أن يعرف ... قبل أن ...
قاطعته قائلة :- أنت اخبرتني بأنه عندما اتصل به القاتل كان يدافع عنك .. كان يحذره من التعرض لك .. ريان .. قد يكون إيهاب مات دفاعا عنك حقا .. إياك أن تجعل تضحيته هذه تذهب هباء ببخسك لقيمة نفسك هذه التي مات لأجلها ..
امتدت يده فجأة عبر الطاولة لتمسك بيدها مجفلة إياها وهي تنظر إلى عينيه الخضراوين الغارقتين بالمشاعر الجياشة وهو يقول بصوت أجش :- أشكرك يا وردة ... أشكرك ..
للحظة ... حدقت فيه متسعة العينين .. وكأن شيئا فيه أذهلها .. أيقظها من غيبوبتها في غضبها وانفعالها .. قبل أن تنتزع عينيها عن عينيه وهي تسحب يدها ... وتلتقط حقيبتها قائلة بصوت مكتوم :- لقد تأخرت .. من الأفضل أن أذهب ..
قال على الفور رغم ارتباكه من التحول الغريب في حالتها :- سأوصلك ..
:- لا ..
وقفت وهي تقول دون أن تنظر إليه :- لا .... سأذهب وحدي ...
أمسك معصمها قبل أن تذهب قائلا بقلق :- وردة انتظري ..
نظرت إليه من فوق كتفها .. وجهها الدقيق الملامح غير مقروء التعابير .. سألها :- هل ارتكبت خطأ ما .. هل .. هل أزعجتك بشيء قلته ؟؟
ارتسم حزن لم يعهده في عينيها وهي تهز رأسها قائلة :- لا .... لا يا ريان ... هذه هي المشكلة .. أنت لم ترتكب أي خطأ ..
دون أن تنتظر منه استيضاحا منها ... تركته واندفعت عبر الطاولات مغادرة المقهى ... تاركا إياه مرتبكا .. مشوش الذهن .. ووحيدا من جديد ..
أنت تقرأ
عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)
Romansرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الأول من سلسلة في الغرام قصاصا حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me