الفصل الثاني والأربعون والأخير
*
*
*
*
*
*الكلمة تنمو بـ الدمعه..
فـ ليسحقني الألم إذا الكلمة عطشت كي أسقيها بدل الدمعه عشر دموع
وليزرعها كل شقي مثلي,عرف الجوع,وعذابات الحب الخاسرلـ أحمد عبدالمعطي حجازي
*
*وكأن كل الأشهر الماضية لم تحدث أبدا ...
وكأنها لم تغادر منزل عمها ...وكأنها لم تقابل لقمان الطويل ... ولم يتغير مصيرها بين ليلة وضحاها عندما سقطت في منزله وتحت رحمته في غفلة منها ..
داخل الغرفة الصغيرة التي كانت تحتلها يوما ... مكومة إلى الجدار ... تضم ركبتيها إلى صدرها ... جسدها يئن بألم ... إذ أن عمها لم يمهلها لحظة فور دفعه إياها إلى داخل البيت قبل أن ينهال عليها ضربا بين صرخات زوجة عمها المصدومة برؤيتها معه ..
وهي كانت مستعدة ... منذ رأته في انتظارها .. ومنذ سحبها معه .. كانت مستعدة لضرباته ... لتلقي ذلك الألم الذي كانت تتوق له بكل جوارحها ... ألم شديد عله يطهر روحها الملوثة ...
إلا أنه لم يضربها بما يكفي ....
كانت تشعر بجسدها ضعيفا بعد الإجراء الذي تم قبل ساعات ... بغريزة حماية لم تدرك أنها ما تزال تحملها .. كانت حاول جهدها منع ضرباته من الوصول إلى بطنها .. بطنها الخاوية ... بطنها المنتهكة ... وعندما تركها حبيسة الغرفة ... قادرة على سماع صوته يهدر خارج الغرفة ... أدركت في ضبابية بأنه لم يكن عنيفا معها كما كان عادة ... في خضم غيابها في حقيقة سقوطها في قبضته مجددا ... في خضم رغبتها الماسة للضحك بهستيرية وهي تكاد ترمي في وجهه فور أن رأته في الشارع بعد تركها للدكتور تيسير حقيقة أنه لن يتمكن من أن يسبب لها أي أذى يذكر بعد الآن ... لم تدرك بأنها لم تعرف حتى الآن سبب مطاردته إياها بعد مرور أشهر على خروجها من منزله ... لماذا الآن ؟؟؟ لماذا الآن بالذات ؟؟؟ أتراه عرف بزواجها السري من لقمان الطويل ؟؟؟ هي لا تظنه قد عرف ... رجل مثله ... لا يجيد التنمر إلا على من هم أضعف منه حالا ... ما كان ليقترب منها إن عرف بعلاقتها برجل بقوة لقمان الطويل ...
هناك سبب آخر ... كما هناك سبب آخر لامتناعه عن ضربها كما كان يفعل عادة ... فجأة .. الخوف الذي ظنت أنها كانت عاجزة عن الشعور به بعد الآن ... عاد يغمرها ...
فتح الباب بعنف ... لم ترفع رأسها .. إذ لم تكن تمتلك القوة .. أو الاهتمام الكافي كي تفعل .... كانت قادرة على سماع أنفاسه العنيفة تهدر عند الباب .. قبل أن يخطو إلى الداخل وهو يقول :- والدتك لم ترسل لي المبلغ المعتاد هذا الشهر ..
أغمضت عينيها بقوة ... خالتي نورا ... رباه .. ما الذي فعلته ... لقد أخبرتك بألا تتصلي بها ...
:- بعد كل ما فعلته لأجلك ... بعد سنوات من فضائلي عليك .. منحتك بيتا وأويتك ... أطعمتك وكسوتك .. بذلت جهدي في منعك من الاستحالة إلى نسخة عنها ..وفي النهاية تنكرين أنت وإياها كل ما فعلت ..
أطلقت شهقة ألم مكتومة عندما أمسك بشعرها يجذبها كي ترفع رأسها وتنظر إليه .. مرغما إياها على أن ترفع رأسها على ركبتيها كي لا يمزق فروة رأسها بقبضته القاسية ...
:- هل تظنين بأنني سأترككما تأكلان حقي بهذه السهولة ... أنت لن تخرجي من بيتي هذا حتى توفي لي بكل ما لي عليك أنت ووالدتك ... أتفهمين ؟؟؟
عندما لم ترد عليه ... عيناها الجامدتان تحدقان فيه وكأنها لا تهتم حقا بما يقول ... هز قبضته مثيرا المزيد من الألم وهو يصرخ :- هل تفهمين ؟؟؟
صفعته المدوية رمتها أرضا ..... إلا أنها أيضا لم ترغمها على أن تمنحه الرد الشافي والذليل الذي كان ينشده ...
أنفاسه عنيفة ... مرتجفة .. وكأنه يكافح كي لا يترك العنان لجنونه ..من وراءه كانت قادرة عل أن تلمح زوجة عمها .. منكمشة ... تبكي ... دائما متعاطفة معها .. دائما عاجزة عن فعل أي شيء لإيقاف بطشه عليها ...
:- أعدي نفسك ... أنت ستتزوجين صباح الغد ...
رفعت رأسها إليه مجفلة ... في حين ظن إجفالها استنكارا ... قال بخشونة :- على الأقل ... الرجل الذي سأزوجك إياه ... سيعوضني كل ما ضيعته فيك خلال السنوات السابقة ... هو مستعد لدفع أي شيء مقابل زوجة صغيرة وخانعة ... على الأقل شكلك الجيد لن يذهب هباء .. يمكنه أن يأتي بفائدة إلى جانب العار والفضيحة الذين كنت أخشى أن تسببيهما لي دائما ..
عندها ... لم تستطع أن تمنع الضحكة الهستيرية من مغادرة حلقها ... ضحكت ... وضحكت .. رباه لكم ضحكت ... لم تتوقف حتى عندما سمعته يزأر بغضب ... لم تتوقف حتى عندما ركلتها قدمه .. وعادت قبضته تمسك بشعرها ترفعها وهو يهدر بها :- لماذا تضحكين ؟؟؟ هل أنت مجنونة بالإضافة إلى كونك عبء كان علي أن أتحمله طوال حياتي ؟؟
عندما لم تتوقف عن الضحك ... صفعها ... مرة ... ومرتين ... وثلاثة .. حتى أحست بطعم الدماء الصدأ في فمها ... عندها ... رفعت رأسها إليه ... يملأها ذلك الإحساس الذي كانت تشعر به للمرة الأولى في حياتها .. إحساس شخص لم يعد يمتلك ما يخسره ... شخص لم يعد يهتم بأي شيء يحصل له .. وقالت بصوت أجش :- أتزوج ؟؟؟ تريدني أن أتزوج ؟؟؟ للأسف يا عماه ... لن تتمكن من الحصول على المال الذي كنت تتوق إليه ... لأنك لا تستطيع أن تزوج امرأة متزوجة بالفعل لرجل آخر ... لن يكون صديقك المتلهف للزواج من امرأة صغيرة وخانعة إن وضعته في موقف كهذا ... سيضطر في النهاية للعودة إليك مطالبا بأمواله ... صحيح ؟؟؟
اتسعت عيناه الحمراوان ... بينهما هو يهدر بها :- أنت كاذبة ..
نظرت إليه مباشرة ... وقالت بتشفي :- كاذبة ؟؟؟ المدينة كلها تعرف ... وسرعان ما ستعرف أنت ... في النهاية .. ورغم كل جهودك .. انتهيت بالضبط كما كنت تخشى ... كوالدتي بالضبط .. زوجة عشيقة لرجل ثري ... ودون أن تكسب من الأمر قرشا واحدا ..
:- اخرسي ... اخرسي اخرسي اخرسي ...
ما حدث بعد ذلك كان ضبابيا ... عقلها الذي كان يسبح بين الوعي واللاوعي لم يعد قادرا حتى على الإحساس بالألم ... صرخات زوجة عمها الهستيرية كانت تتخلل الضباب الذي غلف عقلها ... بينما صوته وهو يقول :- سأدمر ما تبقى منك فلا يجد رجلك الذي بعتي نفسك له القدرة على النظر إلى وجهك بعدها ... هو أو أي رجل آخر ..
( ولماذا قد أرغب حينها بامرأة استنزفت منها بالفعل كل ما أريد دون أن أبقي فيها ما يكفي لأي رجل بعدي ؟؟؟ )
كلمات عمها ... تلك الي أحيت في عقلها كلمات أخرى شبيهة ... جعلت الصدمة تشلها تماما ... تشل جسدها عن المقاومة .. وعقلها عن التفكير ...
هي فعلا استحالت إلى لا شيء .... لا شيء أبدا ...
صرخاته ما عادت مفهومة لها ... إلا أن كل خلية في عقلها كانت تدفعها للصراخ فيه بيأس .. اقتلني ... أرجوك ... اقتلني ...
إلا أن لسانها عجز عن الاستجابة لأمر عقلها اليائس ... كل عضلة في جسدها كانت عاجزة عن فعل أي شيء .. سوى الاستسلام لمصير رسم لها منذ اللحظة التي غادرت فيها والدتها تاركة إياها ورائها ...
:- لا ... سالم ... أرجوك ... أرجوك ...
عيناها المشوشتين .. ارتفعتا تنظران بدون تركيز إلى الشيء الذي كان عمها يحمله ... شيء كان ضوء مصباح الغرفة الشاحب ينعكس عليه فيرتد عنه قويا كضوء ألف شمس .. لقد كان مشهدا جميلا ... جميلا جدا ... لم تدرك حتى اقترب منها أكثر فأكثر بأنه لم يكن سوى سكين .. ومع هذا ... هي لم تملك عندما أحست بالنصل الحاد يشق جلدها ... سوى أن تصرخ ..
أنت تقرأ
عن الحكيم إذا هوى(مكتملة)
Romansaرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الأول من سلسلة في الغرام قصاصا حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me