يومياتي: حب الوطن يا خائن!

91 39 20
                                    


زي ما أنتو عارفين أنا بقالي أسبوعين في مطحنة إجراءات الهوية الشخصية عشان أعمل بطاقة هوية بما إني مواطن مصري بلغ السن القانوني للإجراء دا.

والنهارده من الساعة عشرة الصبح في مشاوير طويلة وثقيلة عشان أخيرًا آخر إجراء، وبعد انتظار ساعتين في السجل المدني وتحمل قلة ذوق الموظفين وصوتهم العالي، ووشوشهم إللي تقفل الواحد حقيقي، والزحمة إللي لا تحتمل وبس لابسين الماسكات منظر على أساس الوقاية وهم حرفيًا في أحضان بعض دون مبالغة.

دخلت أتصور عشان تطلع لي الصورة القبيحة المعروفة عند المصريين.

بس مش دا الموضوع، مفروض إنه فرع السجل المدني إلى رحته دا هو الأنظف والأرقى على الإطلاق بس في المقابل دفعت فلوس أكثر، بس رغم كدا، معاملة مقرفة من الموظفين، وهرجلة وقلة نظام، أوقات يشتغلوا بالأرقام وأوقات بالحب، وأنت واقف على رجلك ساعتين في وسط الزحمة وشيء لا يطاق حقيقي.

المهم وأنا راجعة ركبت تاكسي وكنت هنام من كتر الإرهاق وقلة الأكل، وإذ بالسائق مشغل أغاني وطنية ويا حبيبتي يا مصر، أنت في خير وسعادة وفي عزة وبتاع.

المهم أنا سمعت الكلام دا وحسيت باستفزاز على غير العادة، وظهري إللي بيتألم دا أبى ألا يعبر عن غضبه، يعني لما أكون خارجة من بيتي الصبح، وأرجع على العصر عشان إجراء عادي من حقي كمواطن عادي وعايزني أهيم فيها عشقًا فأنا آسفة أكيد.

أنا بحب بلدي أكيد، ومقبلش إن حد يقلل منها، بس الوضع أصبح لا يطاق حقيقي، الفئات المستفزة أصبحت كثيرة جدًا في البلد، وإللي في إيده سلطة صغيرة بيدوس على غيره عشان يرضي غروره الفارغ.

يعني إيه الفائدة من أغاني ومسلسلات وطنية بيتصرف عليها ملايين والناس جعانة وبتموت من الجوع والهم والفقر؟ إيه الفائدة من حبة مشاعر حب وحمية مؤقتين الواحد يحس بيهم ولما ينزل على أرض الواقع يلاقي نفسه بيتهان في بلده لمجرد إنه بيعمل حاجة من حقه؟

وبعدين يلاقي الغربة فاتحة أحضانها ليه وعايزة مجهوداته وبتحترم إنسانيته وتسأل ليه الناس بتسافر برا ومش بيفضل غير الجهلاء المطبلين أو الموهوبين المدفونين تحت المكاتب الحكومية؟

في الحقيقة لما بصرح لأهلي إني مستاءة جدًا من الحياة هنا وإن الغربة أكرم لي زي ما عشت طفولتي واتعودت إني أبقى غريبة، دائمًا يقولوا لي إنه دا كلام ناس خونة، وإنه حب الوطن فرض علينا، ويشغلوا لي أغاني وطنية 🙂.

بس في فرق إني أكون كارهة الوطن ككيان لذاته، ودا طبعًا مينفعش، وإني أكون كارهاه لإنه مليان ظلم.

صحيح إنه في كل مكان في سلبيات وإيجابيات بس على الأقل هتستفيد من الغربة دي أحسن من ما أنت متهان في وطنك وكمان من غير استفادة.

حتى الكلام بتاع أهلنا هنا وأصحابنا وطفولتنا هنا إللي بيقولوه في الأفلام مبقاش حاجة بتأثر في، لإني معشتش طفولتي هنا، ومعرفش حد غير أقارب الدرجة الأولى والثانية، وحتى لو عرفت مش هيحدث لي فارق كبير.

الوضع صعب.

تدوينةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن