يومياتي: البنت المش محترمة

70 11 6
                                    

من أسبوع كدا رحت مع صُحابي حفلة صغيرة لطيفة كانت على البحر، المكان جميل وراقي وكلنا قاعدين مبسوطين وبنتكلم ونضحك.

كان معايا واحدة زميلتي مكانتش عارفة الطريق فقالت لي هاجي معاكِ تعرفيني الطريق، وإحنا رايحين عديت على واحدة صاحبتي كانت مستنياني نروح مع بعض.

البنت الأولى مش مقربة ليَّ، أما التانية هي واحدة من صحباتي المقربين، وبطبيعة الحال أنا قعدت أتكلم مع صحبتي أكتر طول الطريق، وكنت برضو بحاول متجاهلش البنت التانية، بس برضو ملناش كلام مع بعض يعني، أنا فقط بعرفها الطريق.

المهم وصلنا وكان في بنتين كمان صحابنا متفقين مع بعض، والبنت التانية ملقتش صحابها ففضلت معايا طول أغلب الوقت.

طول الحفلة الناس كانوا قاعدين يتصوروا ويتكلموا مع بعض وسابوا أماكنهم وكانوا متوزعين في المكان، وأنا برضو قمت وقفت مع صحابي لكن البنت فضلت قاعدة ورا بتراقبنا.

المهم روحت أجيب حاجة من شنطتي وقلت بالمرة أتكلم معاها شوية يعني مش لذيذ أسيبها لوحدها.

وبينما أنا بجيب حاجة من الشنطة ومنهمكة في البحث عنها لقيتها بتقولي أنتِ إزاي مصاحبة البنات دول؟ دول كلهم مش محجبات، شكلهم مش محترم!

الكلمة حرفيًّا ثقبت ودني، وحسيت إنه وقعها كبير أوي على نفسي، ولقيت نفسي برمي الشنطة وببص لها بطرف عيني وأنا مذهولة لإني أول مرة ألاحظ من أكثر من تلات سنين إنه صحابي دول مش محجبات.

وأثناء لحظة الاستعياب إللي أنا كنت فيها لقيتها بتكمل كلامها وبتقولي بصي صاحبتك دي التيشرت بتاعها شفاف ومبين إللي تحته، والتانية بنطلونها ضيق أوي، مش عاجبنني.

أنا تنحت وسكتت لمدة كدا بحاول أفهم هي إزاي عندها قوة الملاحظة الرهيبة دي وإزاي قدرت تلاحظ التيشيرت ولا غيرها من التفاصيل وهي أول مرة تشوفهم وأنا ولا مرة لاحظتهم!

بصراحة أنا الحَمية أخدتني بجد، واتعصبت جدًّا من كلامها، بس حاولت أتمالك أعصابي ورديت عليها ببرود مصطنع:
مش لازم يعجبوكِ، هم صحابي أنا مش صحابك أنتِ.

وقمت وسبتها وحتى نسيت أجيب الحاجة إللي كنت بدور عليها، بس كان نفسي أرد عليها بأكتر من كدا، لكن أنا مستوعبتش حجم الصدمة وأخدت وقت عقبال ما كوِّنت جملتي الأخيرة.

وبعد كلامها دا أنا فعلًا بدأت أشوف إني أنا وصحابي مختلفين جدًّا، وكل واحد له ثقافة معينة ونمط حياة معين.
بس ولا حد فيهم قرر يتدخل في حياتي في مرة ولا أنا كذلك مكنتش بلاحظ الاختلاف من أساسه عشان أحاول أغيره أو أتدخل فيه.

الغريب إنها بتتكلم معايا كأننا فئة لوحدنا زي بعض، رغم إني أصلًا مقتنعة إني لابساه دا حجاب أي كلام، ومش كامل.
أنت مش شايفاني ولا إيه؟ إشمعنى أنا في نظرك محترمة وهم لا؟ فرقت إني مغطية شعري؟ ما هو مش حجاب كامل في كل الأحوال. فلو مشينا بالمنطق بتاعها فأنا مش محترمة زيهم لإن لبسي ممكن ميعجبش شخص ما، ومفروض أنتِ تقيمي علينا حد الزنا دلوقتي.

هو يمكن كلام البنت صح إنه أكيد مينفعش نلبس لبس مكشوف وغيره، لكن المشكلة إنها حكمت عليهم خلاص إنهم بنات مش محترمات، والكلمة دي مش قليلة بالمرَّة إنها تقولها بالأرياحية دي، لإن دا خوض في الأعراض، حرمته زي حرمة الحجاب إللي بتتكلم عليه ويمكن أشد.

والسؤال إللي كان بيدور في ذهني، هي جابت منين كل الجرأة دي عشان تقعد تحكم على الناس بمجرد إنها لابسة حجاب؟

وكدا هي وصلت للحد الأقصى من الاحترام ومفيش أفضل من كدا، وكإن حجابها دا خلاص تمكين ليها إنها ترمي الناس بالفسوق زي ما هي حابة.

الفِكر دا منتشر أوي في فئة من فئات المجتمع. تلاقي الواحدة من دول بمجرد ما تلبس حجاب، خلاص تحس إنها بقت ملاك منزه مبيغلطش، مع إنه الحجاب أو النقاب دا بداية طريق الالتزام مش نهايته، وحتى لو نهايته، مهما الواحد لنهاية الالتزام هيفضل هو الإنسان الخطَّاء.

أنا حتى من كتر ما بقيت بشوف نفسي غرقانة في غلطات، وشايفة نفسي مش كاملة، أنا مبقتش بحب أنصح حد، وكل ما أفكر أنصح أقول لنفسي بالنص كدا: جتك نيلة، كنتِ انصحي نفسك الأول.

وحتى بفكر أحذف الأعمال الروائية إللي فيها نصائح بأي شكل من الأشكال، بس أوقات بقول سيبيها عشان دي روح الشخصية مش أنت.
-كلام مجنون مش هيفهمه غير الروائيين-

رغم إنه الناس لما بتسمع تفاصيل عن حياتي وتكون قرأت لي حاجة بتقول أنت إزاي نفس الشخص؟

هل دا معناه مننصحش؟ لا خالص النصيحة شيء جميل جدًّا، بس له أسلوبه وآدابه، مع إننا ممكن نقول كلام يدي نفس معنى كلامها إللي أنا معترضة عليه، لكن الكلمة بتفرق والسياق بيفرق.

بس إللي عملته دا مسموش نصيحة، دا اسمه استشراف أو تعالي. أنت شايفة إنه ربنا هاديكِ، طيب متتغريش بهداية ربنا ليك لإنه محدش ضامن قلبه، وممكن تكوني أنت مكانهم في يوم من الأيام.

أنت ممكن تتكلمي بشكل عام عن الموضوع دون شخصنة، وتعارضيه وتبيني مدى كرهك له، وأنا شخصيًّا بعمل كدا، وقتها محدش هيقولك لا.

لكن أكيد لازم أسلوبك يختلف وأنت بتتكلمي عن شخص بعينه ممكن يتأذى من كلامك، وكدا أنت محققتيش هدف النصيحة.

أصل لو سبنا الموضوع مفتوح كدا لكل من هب ودب يتكلم فيه، المنتقبة هتقول على إللي كاشفة وشها إنها مش محترمة، والمحجبة هتقول على غير المحجبة إنها مش محترمة.

وإللي بتلبس طرحة قماشها كريب تقول على إللي بتلبس طرحة قماشها شيفون مش محترمة.

وإللي بتلبس نقاب أسود تقول على إللي لابسة نقاب ملون مش محترمة.
وهنفضل في الدائرة دي إلى ما لا نهاية، وهو إيه الاحترام دا أساسًا؟

ونسينا إيه يا ترى؟ نسينا نفسنا.

تدوينةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن