"يُسجِّلُ العَالمُ اليوْم خُطْوَةً عَظِيمَةً نَحوَ السَّلَام، إِذْ يَتِمُّ الآن وَفِي هـٰذهِ اللّحظات تَوْقيع اتفاقيةِ سلامٍ بينِ الصينِ وكوريا الجنوبية، ليُنهِيا بِها نِزِاعاً دامَ حَواليَّ الدَّهر، يتمُّ الآن توقِيعها في سيؤول بحضورِ الممثلينَ الدبلوماسيين للبلدين، اليوم وفي عام 2025 سيكون اليوم الذي يسجل العالم فيها هذه الاتفاقية كخطوة... "
أقفل رجل أربعيني تلفازه ونهض عن اريكته متثاقلا مُطلِقاً شتائمه على الصين وكوريا، حتى جاء اتصالٌ قطع وابل شتائمه هذه
-أجل سيدي انا النقيب كيم هانسول
صمت الرجل لبضع دقائق وكأنه تحول لتمثال لا يَعِي ابدا، ثم جاء صوته راجفاً خائفاً
-سيدي هل انتَ مُتَأكدٌ من هذه الخطوة؟... حسناً سيدي عُلِم وسيُنفذ
أنزل الرجل هاتفه ونظر نحو تلفازه المُقفَل
-يبدو أن هذا السلام سَيَزولُ قريباً جداًبالقرب من بوابة الوافدين في مطار سيؤول تسير امرأة تبدو في منتصف عشريناتها مرتدية فستانها الأحمر الذي يكاد أن يكون قميصاً لفرط قُصره مُرخيَةً سترةً جلديةً على أكتافها المكشوفة عاقدة شعرها الذي بلون الليل كذيل فرس مرتدية نظارتها الشمسية التي بلون فستانها وشعرها بحيث تخفي ازرقاق عينيها، ولكن صدقوني لم يكن كلّ هذا ملفتاً لها بقدر أحمر شفاهها! يمشي بجوارها رجل في نهاية اربعينياته وقد إبيَضَّت غالبية خصل شعره، يسير بجوارها صامتاً فقط دونما اي ردة فعل أخرى، خلفهما يسير رجلان يجران حقائبهما مرتديان بذلات رسمية وعلى ما يبدو فإنهما حراس شخصييون، استوقفت المرأة بث اتفاقية السلام على شاشات المطار
-اتفاقية سلام؟ تأكد من ألّا تعرقل عملنا هنا
-أمرك سيدتي
التفتت المرأة لتكمل طريقها لكنها توقفت لبرهة
-سيدتي هل هناك خطبٌ ما؟
-أنهم هنا
-هذا لا يعقل أعني كيف عرفوا بذلك
-هل هذه مهمتي انا يا كابروس؟
مشت المرأة بعد أن صرخت بهذا على الرجل الاربعيني الذي كان يسير بجوارها
-سيدي لقد رأتني
-هل نظرت نحوك؟ هل انت متأكد من أنها رأتك؟
-كلا سيدي هي لم تنظر نحوي ولكنني أشعر انها علمت بأنني اراقبها، انا خائف سيدي
-اهدأ لقد أخبرنا النقيب هانسول ليتولى أمرها في سيؤولفي أحد فنادق سيؤول تجلس المرأة واضعة قدماً فوق الأخرى لتجعل فستانها القصير يقصر أكثر، سامحة لفخذيها الابيضين بالخروج أمام ناظر جميع الرجال الموجودين، ممسكة بكأسها المملوء بنبيذٍ لونه بلون أحمر شفاهها المثير، رافعة احد حاجبيها مرسلةً نظرها نحو الأفق عبر النافذة الزجاجية التي تعمل كفستانها تقريبا، لا تستر شيئا، تفكر بعمق دون أن تنطق بحرف، زفرت بقوة ثم اشارت بيدها التي تمسك فيها الكأس ليمثل الرجل الاربعيني أمامها. نظرت إليه بعينيها الزرقاوتين اللاتي من المفترض أن يبعث لونها البرود ولكن على العكس تماما، في تلك اللحظة بالذات بدا وكأن براكين الأرض تخرج من هاتين العينين لشدة غضبهما، رفعت كاسها ليفصل بينها وبين الرجل، رفعت زاوية فمها سامحة لانيابها في الجهة اليسرى بالظهور ورمت الكأس بقوة لتصيب جبين الرجل الاربعيني
-كيف علموا عن مكاني؟
صرخت في وجهه وانزلت قدمها، جثا الرجل على الأرض وانحنى
-انا اسف سيدة كاترين، لا أعلم أين حدث الخطأ تحديدا ولكنني سأصلح الأمور، هل علي إلغاء الصفقة؟
-تلغيها؟ هل فقدت عقلك؟ هل تعلم من اكون؟
-حسنا سيدتي تأكدي لن تتم الصفقة الا في موعدها
-احضروه حياً أريد أن أعرف من أين عرفوا عن مكان الصفقة.
نهضت المرأة فانحنى جميع الرجال الموجودين أمامها، مشت بثقة حتى وصلت باب غرفتها
-نظفوا الفوضى هذه واحضروا لي نبيذا جديدابعد أسبوع من توقيع الاتفاقية، تمت مبادلة عدد من الجنود الصينيين من مختلف وحدات الجيش الصيني بعدد من الجنود الكوريين بهدف تبادل الخبرات العسكرية، احتفالات السلام تعم البلدين كما يظهر في الإعلام الصيني والكوري، لكن الشعوب تغلي حقدا على بعضها، لا يمكن لحقد تولد لمدة دهر أن يختفي بعشية وضحاها. وصلت الوحدات الصينية المعسكرات الكورية، وهناك استقبلهم الجنود والقادة بحفاوة كبيرة، في احد تلك المعسكرات، يقبع النقيب هانسول في مكتبه وفكره مشغول بما سيحصل لاحقا، ماذا لو كان الرجل الذي أخبره تلك المعلومات كاذب؟ هل عليه فقط الانصياع للأوامر وحسب؟ حتى قطع سيل أفكاره طرق احد الضباط على الباب خاصته
-سيدي لقد وصل الجنود الصينيون
-كم يبلغ عددهم؟
-عشرون جنديا
-ارشدهم إلى غرفة التحقيقات
-سيدي لكنهم وصلوا للتو!
-لقد جاؤوا هنا للعمل لا اللهو، ارشدهم وانت صامت فقط
في غرفة التحقيقات يجلس الجنود الصينييون العشرون وعلى وجههم علامات التعب والإرهاق إثر السفر من الصين إلى كوريا، أغلبهم يبدون صغارا في العمر، دخل النقيب هانسول عليهم تتبعه أعينهم حتى استقر أمامهم على الطاولة
-يؤسفني أن أخبركم أن مهمتكم الأولى بدأت للتو
-ماذا؟
تعالت أصوات الجنود الصينيين المرهقين حتى قطع ذلك اقتحام ضابط للغرفة
-سيد هانسول تابعني رجاءا انه امر طارئ
-الا ترى أنني في اجتماع مهم مغلق؟
-أنه أمر لا يمكن تأجيله؟
-ما هو هذا الأمر الذي لا يمكن تأجيله؟
-جثة!