الفصل السادس

3.2K 185 4
                                    

الفصل السادس

مر النهار على يافا نائمة حتى جاء الليل وجاءت معه آثار العلاج الكيماوي ،، جسدها تقلص في رعشة مزعجة وشعرت بألم في معدتها وجفاف في فمها وبغثيان يكاد يفقدها وعيها لم تعد تشعر بأطرافها المخدرة .. وكأن جسدها لم يعد متصلاً ببعضه .. شعرت كأن ذراعيها تنفصلان عنها وتنزلقان بإرهاق فوق الأغطية وأن قدميها لم تعودا تنتميان لساقيها ،، وأنهما قد سقطا في مكان ما عند نهاية السرير ،، فتحت عينيها ببطئ تكتم صرخة ألم ،، نظرت حولها تحاول أن تحدد الوقت ،، غرفتها الغارقة في العتمة ،، وسكون المستشفى من وقع أقدام المارين أمام غرفتها أنبأها أن الوقت متأخر لذا أخيراً سمحت لنفسها أن تتألم بصوتٍ عالٍ ،، خرج صوتها تأوهاً ضعيفاً ،، مهتزاً كارتعاشة جسدها ،، أرادت بشدة أن تتلوى في فراشها لكنها خافت أن تتحرك لئلا ترى ذراعيها وقد انفصلا فعلاً عن باقي جسدها ،، انتحبت وهي تشعر بضربات قلبها تتزايد حتى كاد نفسها أن ينقطع ، وشهقت لتجلب الهواء لرئتيها ،، بضع اهتزازت مرت على طول جسدها المنهك وارتعشت عضلاتها المرتخية لموجة الألم التي ضربتها ،، تمتمت لنفسها من بين دموعها "لا بأس يافا لا بأس ،، سينتهي الأمر" واست نفسها بهذه الكلمات وأغمضت عينيها وتمنت للمرة التي لم تعد كم أن تموت ، لكنها لا تستطيع فهناك في مكانٍ ما رجلٌ يسكن كل أحلامها وكوابيسها، هناك في البعيد ، تشعر بقلبه ينبض ، لها أو لغيرها ، وهي تنتظره ، لا تعرف لماذا بالضبط ، لكنها تنتظر ، تنتظر وتنتظر .. وهذا الألم لا يتوقف، رأسها كان يطرق بشدة ، وكالعادة هربت إلى ذكرياتها لتنسى ألمها ،، ودار شريط ذكرياتها من جديد وتذكرت كيف أنها في صباح اليوم الذي تلا ليلةَ مواجهتهما و عندما نزلت يافا لتناول الإفطار وجدته لا زال هناك .. يحتسي القهوة ويضحك على شئ قالته والدتها ،، أحمد كان أول من حياها "صباح الخير يافا، كيف حال صداعكِ الآن" ، علت حمرة خفيفة وجنتيها وشعرت بالذنب لأنها شغلت باله عليها "صباحك أمل... بخير تماماً" حيتها أمها بتحية الصباح أعقبتها تحية آدم .. لم تنظر إليه مباشرة لم تكن تريد أن ترى في عينيه سخرية تؤكد أن ما تهيأ لها أنه حدث في الليلة الماضية كان قد حدث فعلاً ... قالت أمها "هذا خبر رائع حبيبتي إذ أننا ننوي أن نخرج في جولة اليوم إلى هايد بارك" انفرجت أسارير يافا فهي كانت في شوق لرؤية أضخم متنزه في المملكة المتحدة ورؤية زاوية الخطابات تلك الزاوية التي يجتمع فيها الناس لإلقاء ما شاؤوا من الخطب بمنتهى الحرية .. قالت بابتهاج وهي تستقر في مقعدها "رائع.. متى سنذهب؟" تجاهلت نظرات آدم الساخرة وركزت على أحمد وأمها .. أجابها أحمد "عند الحادية عشر حبيبتي" نهض آدم بينما كانت يافا تصب لها فنجاناً من الشاي .. وسمعت أمها تقول له " آدم عزيزي لماذا لا تبقى ليوم آخر" شعرت به يبتسم وهو يجيب "آسف حبيبتي ولكن لدي ارتباطات أخرى" فكرت يافا بسخرية "أجل ارتباطات فرنسية !" .. وسمعت خطواته تبتعد ،، نهض أحمد ليقوم ببعض الاتصالاات وبقيت يافا مع والدتها التي نظرت إليها بحنان وهي تقول "حبيبتي يافا هل هناك شئ ما بينكِ وبين آدم" دق قلب يافا بعنف ،، وأجابت بصوت حاولت أن تجعله يبدو هادئاً "أمي ! ... آدم هو بمثابة أخي فكيف تظنين أن هناك ما يجري بيننا " نظرت الأم نظرة مرتبكة ثم ابتسمت "أوه لا حبيبتي لم أقصد شيئاً من هذا النوع فأنا أعلم أنكِ لستِ من طرازه المفضل" لا تعلم يافا لماذا شعرت بالضيق من هذه الجملة وبدل أن تفكر في سبب هذا الضيق ركزت على كلام والدتها وهي تتابع "أقصد أنكما لا تتحدثان وأشعر أنكِ تتجنبينه وكأنكما لا تنسجمان ، وهذا ما أقلقنا أنا وأحمد" شعرت بالذنب لأنها تركت لمشاعرها السلبية المجال لتظهر بشكل يقلق والدتها وأحمد وهذا آخر شئ تريد أن تفعله ، فكل ما تسعى إليه هو أن تشعرهما بمدى سعادتها واكتفائها بوجودها معهما ،، شعرت بالحنق تجاه آدم الذي بث فيها مشاعر النفور تجاهه والتي لم تستطع لا هي ولا هو إخفاءها حتى استشعرها أقرب وأهم الناس إليهما ،، والدتها ووالده . وضعت يدها فوق يد والدتها وقالت بحنان " ماما ليس هناك من شئ ، أنا فقط لم أتعود على وجود أقارب لي وخصوصاً من الشباب لذا فأنا بحاجة لبعض الوقت لأتلائم وأتكيف معه" يبدو أن والدة يافا قد صدقت كلامها وهذا ما أشعرها بالذنب أكثر في حين قالت أمها وهي تمسك يد ابنتها "آدم رجل رائع ، كنت خائفة جداَ من ردة فعله في استقبالي وتقبلي زوجة لوالده لكنه فاجأني حين فاق كل توقعاتي فكان لطيفاً ومحباً ومتقبلاً بشكل رائع لفكرة زواجي من والده ،، يبدو أنه لم يكن مقرباً من والدته على العكس من علاقته بأحمد التي يمكن أن تسميها علاقة صداقة أكثر من علاقة والد وولده ،، لذا عزيزتي أرجو أن تحاولي جعله يشعر بتقبلكِ له ، لأنه كانَ متحمساً جداً لفكرة الحصول على أختٍ صغيرة خصوصاً وأنه الطفل الوحيد مثلكِ تماماً" ابتسمت لأمها وتمتمت بكلمات مطمئنة وهي تفكر إذا كان آدم متحمساً لفكرة حصوله على أخت إذاً لماذا أبدى هذا الكره والنفور تجاهها هل يعقل أنها تصرفت بشكل خاطئ منذ اللحظة الأولى؟ ، ولكن لا ! لم تسئ فهم نظراته إليها .. هذا الكم من السخرية والبرود والاستهزاء لا يكمن إلا في عينان تعكس الكره في نفس صاحبها .. لماذا يكرهها؟ لماذا لم يتقبلها كأخته.. أخته؟ وجدت الأمر مضحك فآخر ما يمكن أن يشطح إليه خيالها هو تخيلها وآدم كأخوة ! .. لم يكن بينهما أي مشاعر أخوة بل كل المشاعر التي بينهما مشحونة بالتوتر والحنق وعدم الراحة وهي مشاعر لا تمت للأخوة بصلة .
استأذنت يافا لتذهب وتجهز نفسها لأجل النزهة الموعودة .. كان اليوم بارداً جداً .. لذا ارتدت بلوزة صوفية بلون البحر تناسب لون عينيها ومع بنطلون جينز حشرته تحت حذاء برقبة عالية منخفض الكعبين ، لفت رقبتها بوشاح صوفي يتماوج بين الأزرق والأصفر والأحمر ربطت شعرها في ظفيرة متناسقة ووضعت قبعة صوفية لتحمي أذنيها من البرد ولتتأكد أن البرد لن يطالها ارتدت فوق بلوزتها سترة صفراء شتوية .. نظرت إلى نفسها في المرآة .. كانت ألوان ملابسها مبهجة ومشعة .. تكسر كآبة الضباب اللندني والشتاء القارص .. بدت طفولية بوجهها الخالي من أي مساحيق وبقامتها الضئيلة ... تناولت قفازيها الجلديين وهبطت إلى الأسفل متراقصة على السلالم ... وتجمدت حركاتها عندما وجدت آدم في البهو يخاطب والده بالفرنسية وبلهجة مستاءة ،، نظرا إليها .. أحمد بحب يشوبه بعض الأسف وآدم بحنق ولم تعلم ما الذي فعلته الآن لتثير حنقه.. هبطت باقي السلم بهدوء وهي تبتسم بإشراق لأحمد : "أنا جاهزة" .. تنحنح أحمد لينقي حنجرته وهو يقول باعتذار" يافا حبيبتي أنا أعتذر ولكن لا يمكنني أن أصحبكِ للنزهة إذ أنني تلقيت مكالمة مهمة وسنستقبل زواراً مهمين أنا ووالدتك .. صديق لدي معه عمل مشترك وزوجته ستصحبه لذا لزم أن نبقى أنا وأمل في البيت لاستقبالهما" عندما لاحظ علامات خيبة الأمل واضحة على وجهها قال لها محاولاً ابهاجها "لكن لا تقلقي عزيزتي آدم تبرع أن يؤجل أعماله و يصحبكِ إلى هناك" نظر آدم إلى أبيه بحدة جعلتها تتأكد تماماً أنه لم يتبرع بأي شي بل أُجبر عليه ... تسابق الرفض ليصل إلى لسانها ولكن كلمات أمها وقلقها حول عدم اتفاقها وآدم جعلتها تبتلع الرفض وتفكر في أحمد وأمها ،، يجب أن لا يقلقا وأن لا يعلما بمدى سوء العلاقة بينهما .. صحبة آدم لعدة ساعات ستكون أمراً يمكنها أن تتحمله ولو على مضض .. ولكن إثارة القلق في نفس أمها وأحمد كان أمراً لا تستطيع عليه أبداً ،، لهذا رسمت ابتسامة حاولت جعلها تبدو طبيعية قدر الإمكان وهي تقول "حسناً ،، لا تعتذر حبيبي سأكون بخير مع آدم" التفت إليه ونظرت في عينيه وقرأت الحنق والغضب البارد فيهما،، بالطبع فقد ألغت للتو خططه "الفرنسية" بسببها، أعجبتها الفكرة وجعلتها تبتسم ابتسامة صفراء وهي تقول له "شكراً لمبادرتك أخي العزيز ،، أنا جاهزة .. هل يمكننا أن ننطلق الآن؟" أطبقت أسنان آدم بغيظ مكبوت وهو يقول "نعم .. يمكننا الانطلاق" ربت والده على كتفه ثم عانقها وهو يقول "تمتعا بوقتكما"...
في السيارة لم ينطق آدم بكلمة .. واصل القيادة بصمت مطبق وكانت تشعر أنه كالقدر على النار .. يغلي بصمت بانتظار لحظة انفجاره .. لكنها ولتزيده غليان لم تعطه الفرصة للانفجار فالتزمت جانب الصمت الذي قطعه رنين هاتفه ، نظر إلى الشاشة ثم إليها بحنق وأجاب ثم بدأ يتكلم بالفرنسية لم تفهم شيئاً سوى كلمة "حبيبتي ، آسف" عندها ابتسمت في عقلها ذلك أنها وبشكل ما أفسدت عليه يومه .. ولقاءه ، استرخت في مقعدها وأغمضت عينيها وظهر شبح ابتسامة على وجهها ،، بعد أن أنهى المكالمة شعرت بعيونه الذهبية مسلطة عليها وسمعته يقول بحنق "أراكِ راضية تماماً" فتحت عينيها ونظرت إليه وابتسمت لتغيظه "تماماً ، لقد كنت في شوق لزيارة هايد بارك" عصفت عيناه بمشاعر الغيظ وعلمت أن ابتسامتها أدت غرضها في زيادة غليان القدر" رائع ، هذا رائع ،، لم يكن ينقصني سوى طفلة تتعلق بذراعي أينما أذهب" اتسعت ابتسامتها " لن أتعلق بذراعك فاطمئن" شاهدت أصابعه تشتد على مقود السيارة ، ثم قطب حاجبيه لدقيقة وكأنه يفكر ،، نظر إليها وابتسم بخبث ،، فكرت أنه لا خير أبداً يكمن خلف هذه الابتسامة ، أمسك هاتفه وضغط على زر الاتصال ثم بدأ يتكلم مع الطرف الآخر بالفرنسية ،، شعرت يافا بالغيظ لأنها لا تستطيع أن تفهم ما يقوله ،، ولكنها لسبب ما أحست بالضيق وكأنه كان يدبر أمراً ما ضدها .. علق آدم بعد أن أنهى مكالمته : "سنقضي يوماً ممتعاً" عندها تأكدت أنهما لن يفعلا !
وصلا إلى هايد بارك .. ركن آدم السيارة وهبطا .. لم تستطع يافا منع رجليها من السير إلى الأمام في لهفة لتنظر حولها ،، كان المكان مبهراً ،، التفت إليه تبتسم بإشراق ناسية للحظة أمام هذا الجمال المشاعر السلبية التي تتبادلها معه قالت بصوت متحمس "خذني إلى زاوية الخطابات" تأملها لدقيقة ، غامت عيناه بتعبير غريب وهو يراقبها تقف تحت شجرة تفاح تخللتها أشعة الشمس الباهتة وعكست لونها على ظفيرة يافا التي بدت كأنها تلمع أمالت رأسها إلى جانبها الأيمن فتساقطت الظفيرة بينما اشتعل خدها بلون وردي ،، راقبته يبتلع ريقه ثم يقول بصوت بدا غريباً "هيا بنا" ،، وأسرع يمشي أمامها بينما هي تجاهد للحاق به حتى انقطعت أنفاسها ،، خطواته كانت كبيرة تناسب طول قامته بينما لم تسمح لها قامتها إلا أن تأخذ خطوات صغيرة فشلت في مجاراته ،، شعرت بالغضب ، هل هذه طريقة جديدة لإغاظتها؟ ، حسناً لن تتذمر ،، مشت خلفه بسرعه تقارب الجري ،، لم يلتفت نحوها ولا مرة ،، كان يضع يده في جيبه ويسير بسرعه ينظر أمامه فقط ،، ذلك الفرنسي الدم ،، المتعجرف ،، يستغل تفوقه الجسماني عليها ليزعجها ويثير غضبها ،، وقد نجح ،، قرارها بعدم الانجراف في لعبة الإغاظة تبخر عندما كاد نفسها أن ينقطع في محاولة اللحاق به أخيراً توقفت وضربت الأرض بقدمها وهي تصيح " توقف " استدار اليها ونظر إليها باستمتاع وكأنه كان ينتظر منها ردة الفعل هذه ، بلطف أجابها " ما الأمر أيتها الأميرة ؟ " ردت عليه بحنق " لا تناديني أميرة ، هل تحاولُ أن تقطع نفسي؟ لا تجري .. لا أستطيع اللحاق بك" ابتسم ابتسامة هازئة وقال ببراءة كاذبة " لم أكن أجري ،، كنت أسير " وضعت يدها على خصرها وأجابته دون أن تهدأ نبرتها "بالنسبة لي كنت تجري وأنت تعلم أنني لن أستطيع مجاراتك" انحنى بحركة ساخرة "أعتذر أيتها الأميرة ،، سأسير ببطئ" نظرت إليه كأنها تريد قتله ،، رفعت رأسها ومشت بكبرياء إلى جانبه ،، بينما كان يسير وتعلو وجهه ابتسامة هازئة .. كانت هذه المرة الأولى التي تسير فيها إلى جانبه ، ولم تستطع إلا أن تلاحظ فارق الطول بينهما فهي لا تكاد تصل إلى كتفه ،، بدت بجانبه كبيت صغير من طابق واحد بينما كان يبدو مثل ناطحة سحاب عالية ،، أزعجها هذا الاختلاف في أطوالهما فهذا يجعله يبدو مسيطراً أكثر بينما تبدو هي ضئيلة وضعيفة أمامه ،، في غمرة أفكارها لم تكن تلقي بالاً للطريق الذي يسيران فيه فتعثرت قدمها بحجر مما أدى إلى فقدانها توازنها ،، أفلتت صيحة منها ولم تشعر إلا وذراعين تطوقانها وتمنعانها من السقوط ... صار وجهه قريباً من وجهها الآن واستطاعت أن ترى العسل الذائب في عينيه يتحول إلى لون أغمق وأخطر .. تمتمت وهي تبتعد "آسفة" عدلت كنزتها وواصلت المشي بينما لم ينطق هو بكلمة حتى وصلا إلى زاوية الخطابات ، عندها أخذت يافا بمنظر الناس المتجمهرة وراقبت رجلاً يلقي خطاباً عن السلام في منطقة الشرق الأوسط.. لساعة بقيت تراقب وتستمع إلى الناس هنا بينما جلس آدم في مكان بعيد وشغل نفسه بمتابعة أعماله عبر الهاتف ... بعدها اتجها نحو بحيرة جميلة يسبح فيها البط ... ابتهجت روح يافا بجمال المنظر ولم تعد تهتم بوجود آدم التفتت إليه وهي تقول .. "هل يمكننا أن نطعم البط؟" أجابها بصوت يبدو عليه الملل "هناك كشك قريب سأشتري لكِ خبزاً لتطعميهم" وقبل أن يتجها إلى الكشك سمعا صوتاً أنثوياً يأتي من خلفها : "آدم شيري" التفت كليهما إليها ،، ولم تستطع يافا إلا أن ترى مدى جمال هذه المرأة التي تبدو في أواخر عشريناتها ،، طويلة القامة ، نحيفة الجسم ، شقراء الشعر ، عيناها بلون أزرق غامق ،، تطلي شفتيها بلون أحمر قاني بينما ملابسها لا تناسب هذا المكان أبداً ... بدت كأنها خارجة من غلاف مجلة ،، وأحست يافا بمدى عدم ترتيبها وأناقتها أمام هذه المرأة التي لم تكن ترى سوى آدم .. سمعت آدم يقول بالإنكليزية "حبيبتي سيلين" تنفست بضيق لقد ناداها حبيبتي بصوت حنون ولطيف ،، ونظر إليها بوله ،، هل هذه هي الموعد الفرنسي الذي كان يتحدث معها البارحة؟ بالتأكيد هي ... طبعت المدعوة سيلين قبلة على خد آدم خلفت خلفها أثراً أحمر وهي تقول بإنكليزية غير سليمة "اشتقت إليك حبيبي" ثم اتجهت عينها نحو يافا وضاقت فجأة بتعبير منزعج وسألت "من هذه؟" نظر آدم إلى يافا كأنه كان قد نسيها وتذكرها للتو "أوه هذه يافا .. قريبتي" صافحتها سيلين بطريقة باردة وقالت بصوت أبرد "مرحبا" ردت يافا عليها بالمثل فعلقت سيلين تقول لآدم "تبدو طفلة لطيفة" وللمرة الثانية تشعر يافا بالضيق من مناداتها بالطفلة ،، نظرت إلى آدم الذي بدا مستمتعاً تماماً بما يجري ثم إلى سيلين وقالت بابتسامة "سررت بالتعرف عليكِ ولكن عليّ أن أذهب لشراء طعام للبط.. لذا اعذراني" استوقفها آدم "سآتي معك " أجابته وهي تمشي نحو الكشك "لا داعي أنا أرى الكشك من هنا" سمعت صوته يقول "كما تشائين" ثم وجه الحديث لسيلين بفرنسية متقنة.. حاولت يافا أن تمشي بهدوء حتى لا يظهر عليها ما كانت تشعر به من توتر .. يا إلهي لماذا تشعر بالضيق لوجود صديقة آدم ؟ فليذهب إلى الجحيم هي لا تهتم مثقال ذرة به أو بعلاقاته .. صوت صغير داخلها أخبرها أنها كاذبة لكنها لم تصغي وأصرت أنها لا تهتم لذا توجهت إلى الكشك واشترت خبزاً وقررت أن تستمتع بيومها،، عند حافة البحيرة وقفت يافا تتأمل البط .. كان المنظر جميلاً ،، رغم برودة الجو .. تجنبت النظر إلى حيث يجلس آدم وسيلين على مقعد تحت شجرة.. وحتى تشغل بالها عن منظرهما متلاصقين يضحكان ،، مدت يدها بقطع الخبز للبط الذي كان يلتقط كل ما ترميه برحابة صدر .. اقتربت أكثر ومدت يدها لبطة تسبح قريباً جداً من حافة البحيرة ... لكن قدمها لم تجد أرضاً ثابتة لتقف عليها .. فانزلقت قدمها تبع ذلك سقوط جسدها في ماء البحيرة البارد ،، صرختها جذبت انتباه آدم الذي ما إن رآها هكذا حتى قفز من مكانه راكضاً نحوها ،، كادت يافا أن تغرق لأنها لا تعرف السباحة صرخت " ساعدني ، أخرجني " وبكامل ملابسه وحتى أنه لم يخلع حذائه رمى آدم نفسه في الماء خلفها وبضربات سريعة من ساعده كان إلى جانبها في أقل من دقيقتين ،، التفت يداه حولها تسحبها من الماء إلى صدره ،، تعلقت به وهي تسعل بقوة ،، سألها بقلق "هل أنتِ بخير؟" ،، ارتجفت بين يديه ولم تستطع أن ترد ، كم كانت قريبة من الموت ! ولكنه أنقذها ،، أكثر شخص تمقته أنقذها لتوه من قدر محتوم تجمعت الدموع في مآقيها وهزت رأسها علامة الموافقة ، أمسك بيد واحدة وجهها وقال بصوت متحشرج " إلا دموعكِ يا يافا ، إلا دموعك" ،، ثم سحبها إلى حافة البحيرة ورفعها لتجلس على حافتها حيث كانت تقف سيلين التي قالت متذمرة : "حبيبي لقد أتلفت ملابسك تماماً " كادت يافا أن تقتلها فهي كادت أن تموت بينما هذه الفرنسية السخيفة تهتم بسلامة ملابس آدم، لم يجبها وحالما خرج من البحيرة جلس بجانب يافا وأمسك ذراعيها وهو يقول "هل أنتِ بخير؟ أجيبي" نظرت إليه تشعر أنها على وشك الانفجار باكية فقط تحولت هذه النزهة إلى كارثة ، لم يكن من المفترض أن تخرج معه كان عليها أن تعلم أن الأمر سينتهي هذه النهاية المأساوية ،، لم تجبه وفشلت في حبس دموعها ، أطلق آدم شتيمة ثم أخذها بين ذراعيه وأسند رأسها على صدره وهو يقول بصوت أجش "توقفي لا تتصرفي كالأطفال" خشونة كلماته لم تقلل أبداً من لطافة إمساكه بها أو الدفئ المنبعث من جسده المبلل نهض وأنهضها معه وهو يقول " علينا أن نجففكِ قبل أن تصابي بالبرد" التفت إلى سيلين وتكلم بالفرنسية وردت عليه بنفس اللغة ولكنها شعرت من نبرتها أنها منزعجة بعد ذلك أمسك بها وغادرا ،، في السيارة ساد الصمت ، أدار آدم جهاز التدفئة وانطلق مسرعاً .. توقف بعدها أمام محال تجارية ،، كانت يافا ترتجف ورفضت مغادرة السيارة إلى برد الشارع لكنه سحبها وهو يقول "عليكِ أن تغيري ملابسك" دخلا محلاً للملابس النسائية ، اشترت يافا ملابس عشوائية ودخلت لتغير ملابسها المبللة ، بعد خروجهما من المحل اتجه نحو السيارة سألته " ألن تشتري ملابس لكَ ايضاً" أجابها "اصعدي يافا أنتِ بحاجة لحمام ساخن وإلا ستصابين بالبرد ، أنا متعود على هذا الجو" .. بدأت بالاعتراض" ولكن..." لكنه قاطعها "اصعدي" ،، أطاعته وصعدت ، ربما في وضع آخر لم تكن لتجعله يحظى بالكلمة العليا عليها لكنها الآن منهكة وتشعر بأنها على وشك أن تنفجر بالبكاء ثانية .. عندما وصلا إلى البيت أسرعا إلى الداخل ،، سمعت صوت والدتها وأحمد يضحكان وصوتين آخرين يشاركاهما الضحك ... لكنها لم تتجه إليهما ،، كان جسدها يرتجف وبالكاد تستطيع أن تمشي ،، حثها آدم " أسرعي ،، خذي حماماً ساخناً" ردت من بين أسنانها المصطكة "أنا أحاول" ومشت بخطوات أرادتها سريعة لكن قدميها الباردتين لم تساعدانها ،، سمعت شتيمة تخرج من فم آدم قبل أن ترى نفسها محمولة بين ذراعيه ،، ارتعاش من نوع آخر ضرب جسدها وشعرت بتقلص جسده ،، ركض بها فوق السلالم وأدخلها غرفتها وقال آمراً " استلقي في حوض الاستحمام لمدة كافية حتى تشعري بالدفئ" نظرت إليه ،، عيونها البحرية كانت تنطق بالإرهاق همست "شكراً" رفع نظره إلى السماء وقال بعصبية "كنت أعلم أنكِ ستكونين مشكلة تمشي على رجلين" تركها صافقاً الباب بعصبية ، بسيقان مرتجفة دخلت الحمام .. وبعد دقائق كانت مستلقية في حوض الاستحمام تشعر بالدفئ يتغلغل في أوصالها ،، أغمضت عينيها وحاولت عدم التفكير بما حدث ،، لكن عقلها أبى إلا أن يتذكر كيف كادت أن تموت غرقاً وكيف انتشلها آدم إلى صدره ،، دق قلبها بعنف وهي تتذكر نفسها متعلقة به وهو يسألها إن كانت بخير ،، بدى قلقاً عليها ، وهذا كان سبباً إضافياً في جلب الدموع لمآقيها ،، سمعت صوت أمها خارج باب الحمام وهي تقول بقلق "حبيبتي هل أنتِ بخير؟" نادت عليها بصوت بدا أكثر ثباتاً بعد أن دب الدفئ في أوصالها "نعم ماما لا تقلقي" ،، قالت أمها بقلق "آدم جاء إلي وقال أنكِ قد تحتاجين مساعدة ،، قال أن حادثاً وقع وأنكِ وقعتِ في البحيرة" .. أجابتها "أجل ماما لكنه أنقذني ،، كانت حماقة مني أن اقترب من حافة البحيرة بهذا الشكل" وقفت يافا لتخرج من حوض الاستحمام ، جففت جسدها وهي تستمع لصوت أمها "بدا قلقاً عليكِ جداً مما أثار قلقي" لا تعرف يافا لماذا فاجئها إحساس دافئ من فكرة أنه كان قلقاً عليها لكنها لم تركز في إحساسها وركزت في أن تقول لوالدتها "أنا على ما يرام الآن" حالما خرجت يافا من الحمام استقبلتها أمها بعناق حار وهي تتمتم "حمداً لله على سلامتكِ صغيرتي" أرخت يافا رأسها على كتف والدتها وتمتعت بالحنان الذي يغدقه حضن والدتها عليها. بينما يافا تستمتع بدفئ والدتها كان هناك رجل في قارة أخرى يستمع لصوت رجل يحدثة عبر الهاتف ، كان الرجل يقول "سيدي تم العثور على الهدف المعني في هايد بارك وتم تتبعه لمكان إقامته" .....

قراءة ممتعة..
يتبع...

على بحر يافا(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن