الفصل الثالث عشر
في هذا الفضاء الوردي استطاعت يافا أن تشعر بكل شئ ، بذلك الاختراق الساخن للرصاصة في كتفها ، بعيني آدم المرعوبتين ، وبصوته العاصف يصيح باسمها مختلطاً بصيحة رجل تعرفه تماماً ينادي للمرة الأولى منذ سنين اسمها "يافا" ... نظرت إلى الأسفل عند قدميها .. قطرات حمراء داكنة لوثت نقاء الغيمة الوردية التي كانت تقف عليها ،، فجأة أحست بخط من سائل ساخن يسري ببطئ على طول ظهرها مدت يدها تتحسس الشئ الذي يسيل محرقاً بشرتها فتلونت أطراف أصابعها بدمها ،، اتسعت عيناها وتحسست لا شعورياً مكان الجرح القديم البشع على كتفها وشعرت به وقد عاد ينزف ، كما شعرت تماماً بالجسم المعدني المستقر فيه ،، ألم غريب ضرب جسدها ، وضعف مفاجئ جعلها غير قادرة على الوقوف ،، فمدت يدها لتستند على أي شئ فلم تجد سوى الغمام ، جائها صوت كأنه قادم من السماء همس بأذنها برقة ، "يافا حبيبتي ، أرجوكِ استيقظي" عرفت هذا الصوت اللطيف الحاني ،، صاحت "سارا" لكن سارا لم تستجب ،، غير أن صوتها وبشكل فنتازي غريب تحول من موجات غير مرئية إلى يد بيضاء بأصابع مرتبة متقنة ، أظافرها تلتمع بدون أصباغ .. تلك اليد التي تشكلت من صوت سارا أسندتها قبل أن تقع ،، وواصل صوت سارا يهمس لها برقة "لقد اشتقت إليكِ .. وآدم كذلك .. إنه يحتاج إليكِ يا يافا ،، فانهضي" تشبثت باليد بقوة ، آدم ... صور سريعة مرت في رأسها لم تستطِع التركيز عليها لأن الصوت اللطيف لسارا كان لا يزال يهمس لها ،، صور لها في المستشفى بعد أن أصابتها الرصاصة ، عيناه تنظران بقلق ، والدتها وأحمد يلازمان فراشها ، صوته مختلطاً بصوت سارا يهمس لها "أحبك" وانتفض جسدها بشكل لا شعوري للذكرى ، رأسه منحنياً بين يديها ، ثم شفتيها تقبل شعره ،، لا زالَ باستطاعتها أن تشم رائحة الربيع بين الخصلات الذهبية ، ولا زالت تستطيع أن تحس بنعومة الخصلات على فمها ،، ثم ذراعيه حولها ، صوت أمل المندهش ، وصوتها يجيب على طلبه الذي لم يتقدم به "نعم" وصوت تنهيدته ،، بعدها اختفى صوت سارا وهربت اليد الحانية التي كانت تسندها،، واستعدت لسقوط مؤكد على ظهر الغمامة ، لكن لا شئ حدث فهي لا تزال واقفة والحرارة على ظهرها قد اختفت نظرت إلى الأسفل فرأت وريقات زهور حمراء انتثرت لتحل محل قطرات دمها الحمراء ،، الرؤيا أصبحت مشوشة قليلاً بحاجز شفاف أبيض أمام عينيها ،، نظرت إلى يدها لتجد أصابعها تلتف حول باقة زهور بيضاء صغيرة رفعت يدها الأخرى لتتحسس الحاجز الشفاف فلمست نعومة الشيفون ، انسابت موسيقى ناعمة من مكان ما ، رفعت عينيها لتجد الغيوم الوردية قد تراجعت ليحل محلها منظر حديقة تعرفها تماماً، تعرف زهورها زهرةً زهرة ، وعشبها عشبةً عشبة ، وأشجارها شجرةً شجرة ، تعرف كل تفاصيلها بعين إحساسها المرهف ،، ففي تلك الحديقة احتفلت مع آدم بزواجهما ، من خلف الطرحة المسدلة على وجهها رأته كالحلم يقف عند قوس من الزهور يرتفع فوق رأسه الأشقر ينتظرها وقد بدا وسيماً ، وسيماً لدرجة أن قلبها كاد يتوقف لمنظره ،، خطت بضع خطوات لا إرادية باتجاهه ،، كانت تشعر بكل شئ بدقة متناهية ، بالدبابيس المثبتة في شعرها ترفعه على شكل كعكة ملكية ، بحفيف ثوبها المكشوف الظهر ، بالموسيقى التي رقصا عليها مرة أثناء فترة خطوبتهما ، به هو ،، حبيبها وزوجها ومالك روحها ، يتلاعب النسيم بشعره الغجري المنساب على رقبته ،، عيناه تضيقان بضحكة سعيدة وابتسامته تتسع لتنغرز الغمازة في خده كالخنجر في قلبها ،، لكم تحبه ، لكم تحبه ... عندما كادت تصل إليه تلاشى الحاجز الشفاف عن وجهها واتضحت الرؤيا لتصدم بالغمام الوردي يحيطها من كل الاتجاهات ، تمتمت بعجز "أوه لا" وتلفتت حولها علها تستعيد شيئاً من مراسم زواجها الرائع به ،، من بعيد .. كان طيفها يتحرك أمامها ،، كانت تدخل إلى بيتها مستندة على ذراع آدم بينما كتفها ملفوف برباطات طبية ، خلفهما كانت والدتها وأحمد يراقبان باستمتاع مدى رقة معاملة آدم لها ،، وعاد بها الزمن إلى الوراء ، إلى تلك اللحظات الذهبية التي عاشتها معه .. ووجدت نفسها تنظر إليه وهي تبتسم "أنا حقاً أستطيع المشي دون أن تسندني ،، إنه كتفي المصاب وليست ركبتي" .. عبس في وجهها وشد يده على مرفقها بينما سمعا صوت ضحكتين مكتومتين من الزوجين خلفهما .. قال لها "أنا حققت لكِ رغبتكِ في الخروج من المستشفى والآن أنتِ حققي رغبتي في الامتثال لي مراعاةً لصحتكِ" أسندت نفسها إليه وابتسمت وواصلت المشي ،، كان يمشي ببطء يحاكي بطء الخطوات الأولى لطفل تعلم لتوه كيف يمشي ،، وكادت تنفجر ضاحكة لأنه يعاملها كأنها زجاج قابل للكسر بسرعة ،، ثم ضج قلبها وراح يدق بعنف للرقة المنسابة من كل عضلات جسده ومن يده التي تسندها ،، متى تغير؟ سألت نفسها بينما صوت قلبها يكاد يصم أذنها .. متى تغير إلى هذا الحد؟ متى اختفى آدم العنيف الشرس ليحل محله آدم الرقيق العاشق ،، هل انهارت كل حصونه؟ لطالما علمت أن تحت القناع القاسي يكمن قلب بالغ الرقة ، ولأنها قد نالت كفايتها من القناع فلها كل الحق الآن بأن تستمتع بالقلب ! نظرت إلى وجهه الحبيب ، إلى التفاصيل الصغيرة ، إلى الخطوط والحنايا ،، ووعدت نفسها أن تلمسها وأن ترسمها في أقرب وقت ،، رفع بصره للحظة إليها فالتقت عيناهما .. وتوقف الزمن ،، ذاب البحر الفيروزي على شاطئ عينين من رمل ذهبي ،، تمايلت غير قادرة على السيطرة على نفسها .. فازدادت قبضته قوة وهو يسأل بقلق "هل أنتِ بخير؟" ابتسمت له وهي تقول "بالطبع بخير ، معك أنا دائماً بخير" ارتفع صدره وانخفض ثم التفت تلقائياً إلى الخلف ، وأطلت من عينيه نظرة أسف وعلمت أنه يتمنى أن والده ووالدته لم يكونا هنا ،، وتصورت ما يمكن أن يحدث فاحمرت وجنتاها نظر إليها مراقباً ثم ابتسم "إذاً علمتِ ما يجول برأسي" أخفضت رأسها في خجل وواصلت المشي بينما هو لم يلح في الموضوع وشكرت له هذا .. في الأيام التالية بدا كل شئ مثالي ،، آدم كان يزورها كل يوم ما إن ينتهي من عمله ثم يبقى حتى موعد نومها وينصرف ، كان ينتظر بفارغ الصبر شفائها التام ليعلنا خطوبتهما رسمياً ،، في أحد الأيام دخل إلى غرفتها فوجدها تتأمل ورقة ما .. وما أن رأته حتى ارتبكَ وجهها وحاولت أن تخفي الورقة ،، قطب حاجبيه وسألها "ما هذه الورقة؟ أهي رسالة من حبيب سابق؟" نظرت إليه بتعجب ثم انفجرت ضاحكة "أيها الغيور ... كف عن تخيلاتك هذه" تقدم منها ومد يده يطالب بالورقة .. التقت عيناهما ،، كم تحبه عندما يبدو غيوراً ،، فهذا يشعرها بأنها تنتمي إليه أكثر وأنها تحوز على كل حبه ورعايته واهتمامه ، رقت ملامح وجهه وهو ينظر في عينيها ،، سلمته الورقة وهي تقول "أعلم أنها ليست جيدة كفاية ،، لا تضحك" نظر إلى الورقة ثم اتسعت عيناه دهشة ،، كانت ملامحه مرسومة بإتقان على صفحة الورقة البيضاء ،، على وجهه تعلو نظرة متعالية ، كان يبدو صارماً تماماً كما هي الحقيقة عندما يكون متباعداً وبارداً .. وخمّن أنها قد رسمت صورته هذه في أول أيام لقائهما حينما كان يرتدي قناع البرود والسخرية في حضورها ،، جلس على السرير ، أخذ يدها وقبل أصابعها "مقدسة تلك الأصابع يا حبيبتي ،، مقدسة!" كادت روحها أن تخرج وهو تشعر بشفتيه تلامسان أصابعها وبكلماته التي أشبه ما تكون الآن بكلمات أحمد .. تمتمت وهي تحاول أن تسيطر على مشاعرها "لقد رسمتها منذ وقت طويل وهي ليست جيدة .. لا أفضل الرسم بقلم الرصاص ،، أحب أن أرسم بالألوان .. فهي تعطي حياةً للأبعاد التي أرسمها ،، لقد كانت لدي حجرة صغيرة كالمرسم في العراق" نظر إليها فهبط قلبها لتأثير نظرته الحانيه عليها "مبدعةٌ أنتِ يافتي .. أنا فخورٌ بكِ" ابتسمت له بحب ،، مرت لحظة صمت قال بعدها وكأنه تذكر ما جاء لأجله "لقد تحدثت مع طبيبكِ وقال أنكِ الآن شفيتِ تماماً وعلى استعداد للخروج والاستمتاع بالحياة" أشرقت ملامح السعادة في وجهها وهي تقول "رائع لقد مللت البيت" شد على أصابعها وقال "ولهذا أنا أدعوكِ على العشاء اليوم ، والدتكِ موافقة" احمرت وجنتاها خجلاً ، ستكون هذه المرة الأولى التي يخرجان فيها .. ثم فجأة رفعت رأسها وقالت بيأس "أووووه ماذا سأرتدي؟" وقفزت من سريرها محررة يدها من أصابعه واتجهت إلى خزانتها تنثر محتوياتها .. صاحت بآدم "اخرج من هنا أريدها أن تكون مفاجأة" متعجباً وضاحكاً من تبدل مزاجها بطريقة طفولية خرج آدم من غرفتها ولكن ليس قبل أن يقول "أظنني سأضع الثياب في قائمة الأشياء التي تثير غيرتي" احمرت وجنتاها خجلاً وهي تدرك المعنى الخفي لكلماته المبطنة فرمت بالبلوزة التي كانت في يدها نحوه لكنها أصابت باب غرفتها المغلق.
في المساء هبطت يافا السلالم وهي تشعر بتوتر لذيذ وإثارة وهي في انتظار سهرتها مع آدم ،، اختارت لهذا اللقاء ثوباً بسيطاً بلون أبيض يصل إلى ما فوق ركبتها ،، قطعة من الشيفون الناعم تغطي المساحة المكشوفة ما بين صدرها وكتفيها .. تركت شعرها حراً لتبدو طبيعية أكثر .. آدم كان ينتظرها في الأسفل .. بدا وسيماً بشكل مدمر في ملابسه الرسمية السوداء ،، لم يضع ربطة عنق .. فبدا أقل رسمية .. يبدو أنه قرر مثلها أنهما تجاوزا مرحلة الرسمية منذ فترة ،، في يده حمل باقة ورد بيضاء ناصعة ، لم تعلم كيف خمّن حبها للزهور البيضاء لكن قلبها غنى فرحاً لاختياره الموفق ،، نظر إليها وجالت عيناه على طول جسدها .. متفحصاً فستانها الرقيق وشعرها الحر وساقيها الظاهران .. وما إن وصلت إليه حتى علق "أليسَ الفستان قصيراً قليلاً" نظرت إليه مستمتعة بغيرته وهزت رأسها فتراقصت خصلات شعرها مما جعل صدره يعلو ويهبط بمشاعر جياشة .. قالت له مشيرة إلى الورد "ألن تقدمه لي؟" نظر إلى الورد ثم أجلى حنجرته وقدمه لها وهو يقول بارتباك "آه حسناً طبعاً" رفعت حاجبيها استغراباً وابتسمت "لماذا أشعر أنها المرة الأولى التي تقدم فيها زهوراً لامرأة" حول عينيه عنها وهو يقول "لأنها فعلاً المرة الأولى" اكتفت بـ "أوووه" رداً على جوابه ودفنت أنفها بين الزهور تتنشق عبيرها وهي تشعر بسعادة عارمة .. وهي تفكر "هذه الزهور لي وحدي وهو لي وحدي" .. قالت له وهي تمشي نحو المطبخ "دعني أضعها في مزهرية مناسبة" أخرجت آنية شفافة وملأتها بالماء ووضعت الزهور فيها وهو يراقبها بعينين غامضتين .. التفتت إليه بعد أن انتهت وابتسمت "لقد انتهيت" .. أمسك يدها وحثها على المشي "إذاً لننطلق" .. اعترضت "ولكن دعني أبلغ ماما وأحمد" أجابها وهو يأخذ معطفها من المشجب قرب الباب ويعرضه عليها لتلبسه "لقد أخبرتهم قبل أن تنزلي" دست ذراعها بحذر في كم المعطف مراعاة لإصابتها ثم خرجت من باب البيت الذي فتحه آدم لها .. تفاجأت باختفاء سيارته الرياضية وحل بدلاً عنها سيارة ليموزين فاخرة يقف بجانبها سائق بملابس رسمية .. سألت باستغراب وهي تضحك"ما هذا؟ أشعر بأنني الأميرة ديانا" نظر في عمق عينيها وأجاب بصوت مُلئ بالمشاعر : "أنتِ الأميرة يافا ,, يافتي"
في الطريق جلس آدم إلى جانبها في المقعد الخلفي ،، لم يتحدث إليها ولكن عيناه قالت الكثير ، ابتسامته المشعة جعلت وجهها يضيء بنور الحب ، حديث صامت جرى بينهما كلما التقت العين بالعين وارتسمت ابتسامتين على وجهي رجل وامرأة غارقين في الحب ، ابتسامتها كانت خجولة وولهة بينما ابتسامته تأرجحت بين الحب والرغبة ... وصلا إلى مكان تعرفه ، وشهقت للمفاجأة ، إلى هذا المكان خرجا منفردين مرة ، وانتهى الأمر بكارثة ،، صاحت باستغراب "هايد بارك؟!!!" ابتسم بعبثيته المحببة "أجل" توقفت السيارة ونزل آدم ليفتح لها الباب .. ثم ليمسك بيدها ويمشي بها عدة خطوات .. لحن موسيقي جاء من مكان لا تعرفه ،، ثم وبعد دقائق لاحَ لها من بعيد ضوء صغير .. سألته "ما الذي تخبئه يا آدم ،، قُلّي" شدت أصابعه على أصابعها وهو يقول "ستعرفين" بعد قليل كانا يقفان تحت شجرة تفاح تعلق على أحد أغصانها قنديل مضيء ، وقف آدم أمامها كالبرج الشامخ ، طويلاً ، مهيباً ، تفوح منه رائحة الرجولة ، عيناه العسليتان كانتا شبه معتمتين تحت جنح الظلام ، لكن صوته الذي يحاكي الموسيقى المنسابة من اللامكان جمالاً جاءها واضحاً رغم أنه كان يهمس "هنا تحت شجرة التفاح هذهِ عندما وقفتِ ذات صباح بظفيرتكِ الذهبية وعيناك المشعتان وملابسكِ بألوان الربيع ، ضرب قلبي بقوة ، بقوة أخافتني ، عندما زحف الإدراك الجلي إلى عقلي بحقيقة واحدة وهي أني أحبكِ" التمعت عيناها بالفرح ، هل أحبها منذ ذلك الوقت؟ أه لو كانت تعلم .. همست بتأثر وهي تتمسك بكمي سترته "آدم ،، أنا أحبكْ ، أنتَ حلمي الجميل" يداه ارتفعتا لترتاحا على خصرها .. مال رأسها على صدره .. أنفاسهما تسارعت ووقفا هكذا متعانقين لبضع دقائق .. بعدها ابتعد آدم عنها وأمسك بيدها ومشى بها ليدور خلف الشجرة ،، على الجهة الأخرى اشتعلت مئات الشموع الصغيرة على العشب المثبتة بقاعدات بلاستيكية لتمنع أي تلامس بين العشب والوهج .. وعلى الجانب استقرت طاولة صغيرة مرتبة بعناية .. ينساب غطائها الأحمر بأناقة فوقه مزهرية بيضاء تحتوي على زهرة حمراء وحيدة ،، رجل يرتدي ملابس رسمية له شعر طويل يربطه خلف عنقه كان يعزف الموسيقى التي انسابت إليها منذ وصولهما إلى المكان ،، أقل ما كان يمكن أن يقال عن المنظر أنه خيالي ... التفتت إليه وكادت أن تُدمع عيناها لشدة فرحها وتأثرها .. همست "هل كل هذا لأجلي" .. تقدم بها نحو الطاولة وهو يقول "هذا جزء من ما هو لأجلكِ يافتي" تقدم نادل بزي رسمي وقدم الطعام وعندما رفع الغطاء عن الطبق الموضوع أمامها انفجرت ضاحكة ونظرت إلى آدم "بيتزا؟" كشر في وجهها بطفولية "إكسترا تشيز كما تحبينها" واصلت الضحك وهي تقول "مثالية تماماً" طيلة فترة العشاء كانا يتبادلان كلمات قليلة .. قال لها ما إن انتهيا من العشاء "هل تعلمين أنني أكتب الشعر؟" اتسعت عيناها دهشة "حقاً؟" أخبرها "ليس كمهارة والدي طبعاً ، لم أنشر شيئاً منه .. ولكن.." نهض من مكانه ومد له يدها في دعوة للرقص "ارقصي معي أولاً" ،، وضعت يدها في يده وتمايلت معه على أنغام أغنية أسبانية أحبتها كثيراً .. هذه المرة عندما رقصت معه شعرت كأنها تتمايل مع ذاتها وليس مع شخص آخر ،، كانت خطواته متقنة تماماً مع خطواتها ، لقد كانا يتحركان كأنهما واحد ،، يده المستقرة على خصرها أرجفت قلبها ،، وسمعت صوت تنفسه المتسارع وهو يهمس "أنتِ تثيرين جنوني" أخفضت رأسها وهمست له "وأنتَ تُرجف قلبي" عندها توقف .. وانفرجت شفتاها في دهشة وهي تراه يركع على ركبته "آدم ماذ...." لم تكمل جملتها إذ بدأ بقراءة قصيدة :
على بحر يافا ، يستيقظُ قلبي
كأنكِ آخر النساء
كأنكِ أجمعهم
وكأني طفل صغير
يبحث عن حنان أمه
فكوني أمي
كأنكِ آخر علامات الجنون
وأول علامات الحب
وكأني رجل تائه
فكوني علامة في طريقي
كأنكِ القلب إذا ما خفق
وكأني بلا قلب
فأخفقي في أضلعي
على بحر يافا ، أرمي بنفسي
فتلقفيني
أنا رجل إذا ما أحببت استيقظ شيطاني
فهل تمنحيني الهداية؟
على بحر يافا أسقط غريقاً
بِحُبكِ ..
وقد أموت .. ولستُ أبالي
فالموت على حبكِ .. شهادة
اختنقت بمشاعرها وهي تسمعه يخاطبها كشاعر عاشق ... هي التي تخيلته كل شئ لم تتخيله أبداً بهذه المشاعر الجياشة،، أمسك بيدها اليسرى وطبع قبلة على راحتها ثم رفع وجهاً يفيض بالمشاعر وهمس "يافا أحبكِ من كل قلبي ،، وأقسم أنني سأحبكِ حتى آخر عمري ،، فامنحيني شرف أن تكوني زوجتي ... هل تتزوجينني يافتي؟" ترقرقت عيناها بالدموع التي ما لبثت أن وجدت طريقها إلى خدها وهمست بصوت بالكاد يسمع "لا!" ....قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
على بحر يافا(مكتملة)
Romanceرواية بقلم الكاتبة بلقيس علي "مُشتاقة" حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي..