الفصل التاسع
شعرت بأصابعها تتقلص على مكان قلبها .. ولم تنتبه حتى الآن أنها كانت تبكي وهي تشاهد نفسها يوم حطمها مشهده العاصف مع سيلين ، سيلين لعنتها كما أن آدم كابوسها .. كانا الشئ الوحيد الذي فكرت فيه طوال أشهر طويلة ، مشاهد سريعة مرت أمامها ، مشاهد لأيامها في الجامعة مع صديقاتها ،، مشاهد مع وسيم الذي زارها أكثر من مرة في الجامعة بحجة أن لديه صديق هناك وهو يقوم بزيارته ، مشاهد مع أمل وأحمد يتنزهون أو يتسامرون حول طاولة الطعام ، مشاهد لها تنام في حضن أحمد بينما يقرأ لها قصيدة يومها رفعت رأسها وهي تسأله "لماذا اخترت اسم يافا" ابتسم في وجهها ومسح على رأسها "أنا يافاوي ، غير أن جدي هاجر بعدما طردنا اليهود .. جدتي رحمها الله كانت تعلق مفتاح بيتنا في يافا في رقبتها ثم من بعدها أمي رحمها الله ، يوماً ما سيكون عليكِ أن تحملي هذا المفتاح ، فأنتِ وريثته الآن" احتضنته بحب وهي تقول "كم أتمنى أن أزور يافا ،، هل ذهبت إليها يوماً" نظر إلى البعيد وقال "أوه أجل أذهب إليها من فترة إلى أخرى .. جوازي الفرنسي يسمح لي بدخولها كسائح ، في كل مرة أزور فيها بيتنا المهجور أشعر بأني لا أنتمي إلى مكان غير هذه الحيطان المتداعية ،، لكن .. " ابتسم وهو يكمل "أمل الآن هي مدينتي ، وهي المكان الذي أنتمي إليه ، هي تشبه كثيراً بيتي في يافا ،، أشعر بالانتماء إليها كما أنتمي لذاك البيت" أمام كلماته لم تستطع يافا إلا أن تحسد والدتها على كل هذا الحب الذي يحمله أحمد لها ، وتمنت لو أن آدم يهبها ربع هذا الحب .. تنهدت ثم أعادت رأسها إلى حجره وعاد هو ليكمل لها القصيدة ..
سمعت من خلفها صوت أمها تناديها "يافا ، يافا" التفتت إليها فوجدت أمها تقف عند بداية السلم ثم وجدت نفسها تخرج من غرفتها وتهبط السلم بسرعة "ماذا ماما؟" ابتسمت لها "حبيبتي إن السيدة ياسمين والدة وسيم ستزورنا هذا المساء ، لذا إن كان لديكِ أي خطط للخروج مع أحمد فهي ملغاة " .. كانت أمها تلوح بملعقة الطبخ الكبيرة أمام وجه يافا مبتسمة كشرت يافا هي تقول "ماما توقفي عن التلويح ، سألغي خططي دون أدوات تهديد" ضحكت أمل وأبعدت الملعقة من أمام وجه ابنتها وهي تقول "كنت أريدك فقط أن تشمي رائحة الطبخ العالقة فيها" ثم استدارت لتعود إلى المطبخ ، تاركة يافا تضحك من طفولية حركات والدتها ، في المساء زارتهم السيدة ياسمين ، كانت قد رأتها في الحفلة لكنها الآن تعرفت إليها أكثر وقد أحبتها فهي سيدة لطيفة جداً ومتحدثة بارعة ،، بعد قليل همست السيدة ياسمين شيئاً في أذن أمل والذي جعلها تستدير إلى ابنتها وتقول "يافا عزيزتي ، هل بإمكانكِ تحضير بعض القهوة؟" فهمت يافا أنهما تريدان الاختلاء ببعضهما ، لذا فقد هزت برأسها باسمة "بالتأكيد" ونهضت مغادرة ،، بعد نصف ساعة من التأخير والتلكُؤ عادت بصينية القهوة لكنها لم تجد السيدة ياسمين وضعت الصينية على الطاولة وهي تسأل "ولكن أين السيدة ياسمين؟" أجابتها أمها "لقد انصرفت" ثم ربتت على المكان بجانبها وقالت "تعالي يا يافا" جلست يافا بجانب أمها وهي تسأل "ما الأمر؟" صمتت أمل لدقيقة ثم ابتسمت بفرح "السيدة ياسمين طلبتكِ لوسيم ، فيبدو أنه غارق في حبكِ منذ رآكِ في الحفلة" تراجعت يافا مصدومة "أوه ولكن ... " قاطعتها أمل "وسيم شاب رائع جداً ،، وأنا عن نفسي مؤيدة لفكرة زواجكما" شعرت يافا بقلبها يطرق .. تتزوج؟ وسيم؟ وأطلت صورة آدم أمامها كالحائط يمنع عنها ملامح وسيم الأنكليزية .. لا يمكنها أن ترتبط برجل بينما هي تحب آخر .. سيكون هذا ظلماً لوسيم ولها .. وقبل أن تنطق قالت أمها "فكري جيداً حبيبتي" ثم قبلت وجنة ابنتها وهي تقول "يا إلهي لقد كبرتِ حقاً" ... على طاولة العشاء عبر أحمد عن موافقته كذلك ،، قائلاً أن وسيم رجل رائع ورغم أنه ليس عربياً إلا أن الجنسية لم تكن يوماً بالنسبه له سبب مقنع للرفض خصوصاً بعد أن رفض جدها زواجه من أمها لأنه فلسطيني الجنسية .. تنحنحت يافا وهي تهمس "ألا يجب أن نسأل آدم رأيه ،، فهو بمثابة أخي " كان المقطع الأخير كذبة سافرة لكنها أرادت أن تبرر سبب طلبها حتى لا يبدو غريباً ،، ضحكت أمل "أنا واثقة أنه لن يمانع ثم أن آدم مشغول الآن بسيلين ، لقد سافر معها هذا الصباح إلى فرنسا ليلتقي بأهلها ،، أظنهما سيعقدان خطبتهما قريباً ،، وإن وافقتِ يا حبيبتي ربما يمكننا أن نجعل خطوبتكما في ليلة واحدة .. سيكون هذا رائعاً ،، أليس كذلك حبيبي؟" وجهت السؤال لأحمد بينما هبطت صخرة بثقل جبل فوق صدر يافا فبالكاد استطاعت أن تتنفس ،، غطت مجال رؤيتها غمامة سوداء ،، وكادت أن تبكي .. نهضت وهي تقول " عذراً سأذهب إلى غرفتي ،، الشقيقة من جديد" نظر إليها الزوجان بقلق قالت أمل "هل تحتاجين أن نذهب إلى طبيب" أجابتها بوهن "لا سأكون على ما يرام مع قرص مسكن ونوم هادئ ،، تصبحون على خير" وهربت إلى غرفتها وأطلقت العنان لدموعها .. يا إلهي سيتزوج سيلين؟ وقد ذهب ليرى أهلها ... تمنت أن تموت قبل هذه اللحظة تمنت أن تكون لا شئ ، أن تختفي ، أن تكون كأنها لم تولد .. فآخر ما يستطيع أن يتحمله قلبها هو رؤية آدم يتزوج امرأة أخرى.. ألقت بنفسها على السرير وانخرطت في بكاء مرير ..
بعد ذلك تصرفت يافا كإنسان آلي تذهب إلى الجامعة ، تضحك، تتكلم لكنها لا تشعر بشئ .. ويوم سألتها والدتها إن كانت قد اتخذت قراراً بشأن وسيم أجابتها "نعم" فعادت والدتها تسأل بلهفة "وما هو جوابكِ" ، أجابتها بجمود "نعم" والدتها التي كانت في قمة فرحها لم تشعر بجمود ابنتها فقد احتضنتها وراحت تبكي من فرحتها ،، وسيم من ناحيته كان مسروراً جداً ،، وقد كرهت نفسها لأنها لا تشعر بذات السرور ، فهو رجل رائع ،، كانت تجلس معه ويتحدثان في كل شئ ، معه تستطيع أن تضحك من قلبها ، لكنها تمنت أن تكون مشاعرها تجاهه أكثر من مجرد إعجاب وارتياح ، تمنت أن تحبه ، كما تحب آدم .. مجرد ذكر اسمه كان يؤلمها ،، أحياناً كانت تحلم به ،، يأتيها حاملاً معه باقة زهور جميلة ويقدمها لها ثم ما أن تمسك بالباقة وهي في قمة فرحها حتى تتحول الباقة إلى مجموعة أشواك تدمي يدها فيتحول حلمها إلى كابوس تصحو منه صارخة ..
عندما أراد أحمد أن يخبر آدم بخطبتها رفضت وهي تقول "أريدها أن تكون مفاجئة له عندما يعود" لكنها في حقيقة الأمر لم ترده أن يعرف فهي لن تتحمل أن يبارك لها ويتمنى لها السعادة وهو يجر خلفه خطيبته الشريرة ..
أخيراً تحدد موعد الخطبة وأقيمت حفلة كبيرة بهذه المناسبة ، ارتدت يافا فستاناً بلون السماء ينساب على طول جسدها بقصة بسيطة ، اعتقلت شعرها في ظفيرة جميلة ، وتزينت بمكياج رقيق وبسيط .. بدت ككل جميلة وبسيطة الأناقة و.. حزينة ،، حزينة بشكل مؤلم ، وحدها من استطاعت أن ترى الحزن يقطر من عينيها وهي تتأمل صورتها في المرآة .. وسيم تألق ببذلة كحلية وقميص بلون فستانها ،، كان قد اتفق معها على هذا الترتيب ليبدوا أنيقين ومتناسبين معاً ،، أرادت أن تسعده فوافقت ،، ووعدت نفسها أنها ستحاول أن تنسى آدم وأن تسعد وسيم فهو رجل يستحق كل السعادة وكل الحب ، وهي لن تكون ظالمة وغير عادلة ، ستعطيه ما تستطيع عليه ،، وليساعدها الله في أمر قلبها .. ستدوس عليه لتسعد خطيبها حتى وإن كان في هذا تعاستها ، فسعادة شخص واحد أفضل من تعاسة اثنين ،، كانت الحفلة في أوجها .. حاولت أن تضحك وأن تستجيب للمرح والسعادة الذي كان يسود جو الحفلة ، ونهرت نفسها كلما سرح خيالها نحو آدم ... عندما حان الوقت لترتدي خاتمهما فتصبح خطيبة وسيم رسمياً شعرت بقلبها يهوي إلى الأرض وهبطت عليها التعاسة من كل جانب وضغطت على صدرها فصعب عليها أن تتنفس .. مدت يداً مرتعشة نحو وسيم الذي كان يحمل أجمل خاتم خطبة رأته في حياتها وقبل أن يدخله في إصبعها دوى صوت عرفته فوراً ،، صوت حاد كالنصل يقول "ما الذي يجري هنا؟" كان يقف عند الباب عيناه تقدحان شرراً وهما مثبتتان على يدها الممدودة ويد وسيم التي تحمل الخاتم ،، بدا طويلاً وشامخاً فطرق قلبها لمنظره ،، كم اشتاقت لوجهه الحبيب ،، لنظراته الحادة ولطوله الفارع ،، لصوته الذي يصل إلى مسامعها كموسيقى ، نظرت إليه وكأن لا أحد غيره في العالم ،، وتراخت يدها لتسقط على جانبها وهي تهمس بضعف دون أن يسمعها أحد "آدم" خطى أحمد نحوه وهو يقول "أه بني حمداً لله على سلامتك ،، لقد أردنا أن نفاجئك لكنكَ فاجئتنا بحضورك ،، اليوم هو حفلة خطوبة يافا على وسيم... أرادت يافا أن تجعلها مفاجأة لك" نظرته الحادة توجهت إليها ونفذت إلى روحها وأقسمت في سرها لو أن النظرات تقتل لكانت الآن ملقاة على الأرض مضرجة بدمائها ،، قال بتهكم وهو يتقدم نحو يافا "حقاً" تراجعت يافا خطوة بينما ارتفع صوته "إذاً من المؤسف أن أقول لكم أن الحفلة انتهت وأن الخطوبة لن تتم" فغرت يافا فمها كما فعل كل الحاضرين ولكن وسيم وحده من وقف أمام آدم وهو يقول "أعتقد أن الأمر ليس بيدك" نظر آدم إليه بحقد ثم قال بغرور "بل هو بيدي" تقدم منه وسيم خطوة وهو يرد عليه كلماته "ليس بيدك" عندها لم يتحمل آدم أكثر فهجم على وسيم بقبضة على فكه أوقعته أرضاً ،، وسط صياح ودهشة الجميع جرت يافا نحو وسيم وجلست إلى جانبه تقول برعب "وسيم ، وسيم هل أنتَ بخير" نهض وهو يقول "لا تقلقي يا حبيبتي أنا بخير" غضب آدم وصل لأقصى حدوده وصاح بوسيم "لا تناديها حبيبتي" ثم عاد ليهجم عليه لكن هذه المرة وسيم كان مستعداً له فلكمه على خده لكمة أرجعته إلى الوراء لكنه عاد ليتقدم نحوه بينما وسيم يقول "ما الذي تريده منها أيها الأحمق؟" أمسك آدم بياقة قميص وسيم وهو يقول من بين أسنانه " أريدها هي" وعند هذه الكلمة ومع شهقة كل الحضور أمام هذا التصريح وانهيار يافا على الأرض اشتبكَ الاثنين في معركة ،، نظرت يافا إلى الخاتم الملقى على الأرض ورفعت بصرها لتجد وسيم وآدم يتصارعان كوحشين ، وكأنه لا وجود لها ولا لإرادتها ،، انسابت دموعها حارة بينما أحمد تدخل معه والد وسيم و بعض الحضور ليفكوا الاشتباك وأمل جلست بجانب ابنتها تحتضنها وصوت السيدة ياسمين الذي يصرخ بآدم أن يترك ابنها .. أخيراً انفض الاشتباك وابتعد آدم عن وسيم بالقوة .. حيث أمسك أحمد بابنه وأمسك السيد عبد الله بوسيم ، وجاء صوت السيد عبد الله هادئاً يقول "من الأفضل أن ننصرف" نظر إلى يافا الجالسة على الأرض وهو يقول " حبيبتي سنقيم حفلة أجمل ما أن ننتهي من حل هذا النزاع" صرخ فيه آدم "لن تقيموا أي حفلة ، ألم تسمع ؟ هذه الفتاة لي" صاح وسيم "أيها المتوحش هي لا تحبك ، بل تحبني وهي خطيبتي " كاد آدم أن يقفز نحو وسيم مرة أخرى عندما صاح به أحمد بصوت لم تسمعه يافا من قبل "آدم توقف" استدار آدم نحو والده وهو يقول بغضب "لن تكون هناك خطبة .. هل فهمت؟ كيف تتجرأ على الموافقة على زواجها من رجل بريطاني ، هل جننت؟" دوى صوت صفعة ساد بعدها السكون ، آثار أصابع أحمد طبعت على خد آدم الذي تطاير الشرر من عينيه نظر إلى يافا التي كانت تجلس في حضن أمها تبكي بحرقة ، وهي تنظر إليه بكره ،، تقدم نحوها بخطوات شيطانية جعلتها تلتصق بوالدتها ثم مد يده نحو ذراعها وأمسكها بقوة وسحبها من بين ذراعي أمل التي تشبثت بها وهي تصرخ باكية "أرجوك آدم يكفي ، يكفي" لكنه وكأن الشيطان كان يتلبسه لم يبالي بشئ حتى بتوسلات المرأة التي اعتبرها أمه ، صوت يافا المرتعب تطالبه بأن يتركها لم يزده إلا إصراراً .. سحبها بقوة بينما ذراعه الأخرى تمنع أحمد من الوصول إليها .. خلصها من بين ذراعي أمل ثم اندفع بها إلى الخارج يجرها خلفه جراً بينما أحمد يجري ورائه ووسيم الذي خلص نفسه من بين ذراعي والده .. لكن كلاهما لم يستطيعا اللحاق بهذا الشيطان الذي كان يركض جاراً خلفه يافا ،، وصل آدم إلى سيارته وصوت والده ووسيم يلاحقه بينما صوت يافا تصرخ يكاد يصم أذنه ،، دفعها داخل السيارة ثم ركبها وانطلق بأقصى سرعته في لحظة وصول والده.
جلست يافا في المقعد ترتجف واهتز جسدها بنوبات بكاء حاد ،، بينما كان آدم ينطلق بأقصى سرعته كالمجنون دون أن ينبس بكلمة ، لقد تحولت ليلتها إلى جحيم بسببه ، تلك الهمجية الصرفة التي لمستها فيه هذا المساء أرعبتها ، فهي لم تتخيل ولا في أكثر كوابيسها بشاعة أن يفعل ما فعله اليوم ، أن يخرب عليها حفلة خطوبتها ، أن يضرب خطيبها ، أن يصيح في وجه أحمد أن لا يستمع إلى توسلات أمها التي رأت كم يحبها ويحترمها وأخيراً أن يجرها ويهرب بها أمام الناس مسبباً فضيحة كبيرة لها ستبقى وصمة عار في جبينها ، ليتها لم تعرفه في حياتها ، ليتها لم تره ، ليت عيناها قد فقدتا البصر قبل أن تقعا عليه ،، اشتد نحيبها وبكاءها وجاءتها فكرة مجنونة ، فمدت يدها إلى مقبض السيارة تحاول أن تفتحه لتقفز من السيارة حتى لو أدى ذلك إلى تكسرها إلى عشرات القطع ،، لكن الباب كان مغلقاً بزر التحكم الآلي قرب مقعد آدم ،، نظرت إلى وجهه المسود غضباً من خلف دموعها وهي تكاد تقسم أنها لا تعرف هذا الشخص ،، فآدم مع كل سخريته وعنفه لا يمكن أن يكون نفسه هو الشيطان الذي يجلس إلى جانبها ،، عندها لم تشعر بنفسها إلا وهي تهجم عليه تنشب أظافرها في عنقه لكنها كانت كعصفور يصارع نسراً ، إذ دفعها عنه بقوة أرجعتها إلى الوراء حيث ارتطم ظهرها بباب السيارة فشعرت بألم يخترق جسدها بعدها انزوت في كرسيها تواصل نشيجها ،، تُرى إلى أين يأخذها ؟ أين سيذهب بها هذا الشيطان الفرنسي ،، يا إلهي لقد جلب العار لها ولوالده ولأمها ، كيف يمكنه أن يكون أنانياً وسافلاً إلى هذا الحد ،، رن هاتفه بإصرار نظر إلى الشاشة بحدة ثم فتح النافذة بجانبه وألقى الهاتف في الشارع بعنف ، عرفت أن المتصل إما أمها أو أحمد ،، يا إلهي ماذا سيكون مصيرها ؟ توقفت السيارة فجأة أمام مبنى ضخم وحديث ،، جرها إلى الخارج وهي تصرخ "أرجوك ، أرجوك ، اتركني .. دعني " لكنها كانت كمن يكلم رجلاً أصم ،، ظل يجرها خلفه وهي تقاوم حتى التفت إليها بغضب وحملها مثل كيس البطاطا بدون أي عناء ،، ضربت برجليها بطنه لكنه لم يتأثر .. أظافرها انغرزت في ظهره ولكنه لم يحدث أي ردة فعل ،، غارت أسنانها في لحم كتفه ورغم أنه انتفض قليلاً لكنه لم يتركها ولم يظهر عليه أنه تألم ،، كان كالرجل الحديدي ،، لا شئ يؤلمه ولا شئ يوقفه عند حده ، عندما دخلا إلى البناية بدأت بالصراخ لعل أحد ينتبه لها كرجل الأمن مثلاً لكنها ما إن فتحت فمها حتى وضع يده عليه ليكتم صراخها ... استقل المصعد وهو يحملها بهذا الشكل المهين ودموعها تجري على وجهها يا إلهي إلى أين يأخذها ؟ ما الذي سيفعله بها ؟ توقف المصعد وخرج منه ليتجه إلى شقة إلى اليمين ارتعبت يافا واتسعت عيناها في خوف .. لا يمكنه أن يكون بهذه السفالة .. هل .. هل ... ورفضت حتى أن تفكر في الأمر .. بل واصلت الرفس والضرب ولكن لا شئ أوقفه مما تفعل دخل الشقة ثم أقفلها خلفه بالمفتاح ودس المفتاح في جيبه عندها فقط أنزلها لتستقر قدميها على الأرض وما إن فعل حتى جرت نحو الباب تحاول فتحه رغم أنها تعلم استحالة ذلك .. نظر إليها بغضب صرف .. صاحت به برعب "أخرجني من هنا .. ماذا ستفعل بي .. أخرجني" لكنه تقدم نحوها بخطوات إجرامية جعلها تهرب من أمامه فلاحقها وهو يقول بغضب عاصف "قد أطلقتِ شيطاني ،، وشيطاني لن يتوانى عن فعل أي شئ لتكوني لي .. أخبرتكِ قبلاً أنكِ ملكي ،، فكيف تتجرأين على أن توافقي على خطوبتك لذاك الطفل" مع كلماته التي تنضح غضباً وتملكاً عرفت ما عناه فعلاً بجملة "أتحول إلى رجل كهف" فقد بدا حقاً كرجال الكهوف ، همجياً ، شرساً وغير متحضر ،، كأنه رجل عصور حجرية يختبأ خلف ملابس الحضارة ،، قالت له برعب وهي تضع الطاولة فاصلاً بينها وبينه "أنا لستُ ملكك وأنا أختار من أريد أن يكون شريك حياتي ،، اتركني أذهب" أمام كلماتها احمرت عيناه بغضب أقوى وأعنف فقلب الطاولة التي تفصلهما ليتقدم نحوها "سأكون ملعوناً إن تركتكِ لتذهبي إليه" أمسك بكتفيها وغرز أصابعه في لحمها بطريقة جلبت دموعاً أكثر إلى عيونها وسمعت صوته كالنار يصب فوق رأسها "أنتِ ملكي" نظرت إليه مرعوبة لكنها في نفس الوقت غاضبة وصاحت في وجهه "أنا لست ملكك ، لست ملكك" غامت عيناه بتعبير شيطاني شرس وهو ينظر إلى جسدها في فستانها الذي تمزق بعضاً منه أثناء جريهما "بما أنكِ لا تريدين الإقرار بأنكِ ملكي ، فسأجعلك تشعرين بهذا الآن" ثم بدأت يداه بالسير على طول خصرها بطريقة وقحة تراجعت مذعورة وهي تصرخ متذكرة الطريقة الوحيدة لإبعاده "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ضحكته الشريرة أرعبتها وتقدم إليها وهو يقول "أوه لن ينفعكِ هذا الآن ، فالآن أنا لستُ شيطاناً ،، الآن أنا مخلوق يخافه الشيطان نفسه" أمسك بوجهها ورفعه إليه ورآه ملطخاً بآثار الكحل والدموع ،، وقال لها بوحشية "هل تعرفين كم من الأيام حرمتني عيناكِ تلك النوم؟ كم من الأيام تقلبت في فراشي أتمناكِ بجانبي لتملئي وحشته ،، كم من النساء عاشرتهن وأنا أتخيلهن أنتِ ، كنتُ أغمض عيني عن كل امرأة وأرسم صورتكِ في خيالي ،، فيصحو في دمي الجنون ... أتعلمين كم مرة أردتُ أن أقتلكِ لكثرة شوقي لكِ ،، تباً لكِ يا يافا ،، أنتِ لعنة حلت فوق رأسي ،، وعليكِ أن تتحملي ما سيحصل لكِ لأنكِ تجرأتِ وتسللتِ تحت جلدي" قلبها الأحمق خفق لأنه أدرك أنه كان يعاني من شوقه لها لكن رعبها طغى على فرحة قلبها فأخذت تبكي وهي تتوسله "أرجوك ، أرجوك ،، اتركني ،، لا تمحو صورتك الجيدة في رأسي ، أرجوك" نظر إليها وهو يقول "أبداً لم تكن صورتي جيدة في رأسكِ يا يافا فما الضير في جعلها أسوأ مقابل أن أحصلَ عليكِ حتى لا يتجرأ رجل آخر بمحاولة أخذكِ مني" رفعت إليه عينان متوسلتان وفم مرتعش "أنت بهذا تقتلني" برق شئ في عينيه سرعان ما تحول إلى تعبير شيطاني ، أمسكت أصابعه أطراف فتحة صدر فستانها ثم سمعت بعد ذلك صوت قماش يتمزق ،، أغمضت عينها وهي تبكي وتدفع به بعيداً وهي تصرخ "لا ، لا" .. لكنه تقدم نحوها وأمسك بذراعيها وثبتها إلى الحائط وضغط بجسده على جسدها وانحنى ليعانقها لكنه قبل أن يفعل أحس بها تتهاوى بين ذراعيه فاقدة الوعي ، سقوطها أعاد إليه شيئاً من عقله فهرب الدم من وجهه ونزل يتفحص نبضها ، وهو يصيح "يافا، يافا" في تلك اللحظة سمع صوت الباب يُكسر تبعه صوت أقدام مسرعة ثم ظهر أحمد وما أن رأى يافا تستقر على الأرض بلا حراك وفستانها مقطع بطريقة وحشية حتى جرى نحوها وأبعده عنها وهو يوجه لكمة إلى وجهه وهو يقول "أنتَ لستَ ابني ،، أنتَ وغد حقير" ثم حمل يافا وخرج بها راكضاً بعد أن سترها بسترته بينما جلس آدم مكانه على الأرض ينظر إلى الباب المكسور ويستمع إلى السكون الذي حل في المكان .قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
على بحر يافا(مكتملة)
Romanceرواية بقلم الكاتبة بلقيس علي "مُشتاقة" حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي..