الفصل الثامن عشر

2.2K 122 2
                                    

الفصل الثامن عشر :



كانت يافا تجلس على الأريكة في غرفة الجلوس ملتفة بغطاء السرير الناصع البياض تضم ركبتيها إلى صدرها وتلف ذراعيها حول ساقيها وتحدق بالفراغ،، مشعثة الشعر ، متورمة الشفتين .. على أعلى يدها استقرت كدمة زرقاء بشعة .. هكذا وجدها آدم عندما دخل عليها بعد ربع ساعة ، لم تلتفت إليه .. ولكنه رأى بوضوح كيف ارتعش جسدها لحضوره ،، خوف فطري انتابها عندما اقترب منها بخطواتٍ ثقيلة ، صرخ بها عقلها أن تتحرك هاربة لكن جسدها لم يطع الأوامر ,, كانت كمن تسمّر في مكانه .. جلس على الأرض أمامها وهمس بصوت يائس "يافا" شفتاها ارتجفت للبؤس في نبرته لكنها لم تستطع أن تنظر إليه ،، خافت أن ترى في عينيه نظرة مغتصبها المتوحشة لا نظرة الرجل الذي تحب .. كيف يمكن أن يجتمع مغتصب وعاشق في جسد واحد؟ كيف يمكنها أن ترتجف شوقاً وخوفاً من ذات الجسد؟ عاد يهمس "أرجوكِ انظري إلي .. أنا .. أنا لـ..." تكسر صوته بحزن "لم أسيطر على نفسي .. أرجوكِ .. أنا آسف .. أقسم أنني لن أقترب منكِ ما لم تطلبي .. أرجوكِ حبيبتي" عند آخر مقطع من جملته .. عندما قرن توسله بمكانتها في قلبه .. انهارت يافا باكية ... توسل إليها آدم "أرجوكِ .. أرجوكِ لا تبكِ .. إلا دموعك يافا .. إلا دموعك" كانت يده تمتد إليها دون أن يلمسها .. خوفاً من أن تصرخ لو لمسها .. همست "أنا .. أنا" عندما سمع كمية الألم في صوتها لم يتماسك مد يديه وجذبها إليه وهو يقول بحنان "أنا أحبكِ" عند لمسته الأولى تصلب جسدها ولكن مع كلمته استرخت عضلاتها ورمت رأسها على كتفه تبكي بحرقة كأنها تشكو منه إليه .. ربت على شعرها بحنان وهو يتمتم بكلمات لطيفة لتسترخي .. حتى شعرت بنفسها تهدأ... ثم أغمضت عينيها وشعرت بأمواج النوم تسحبها .. وغفت..
عندما استيقظت في الصباح كانت تنام في السرير لوحدها .. بعد حمام سريع .. هبطت إلى الأسفل لترى أين آدم .. مشاعرها كانت مختلطة بين خوف وشوق .. بين تردد ولهفة .. أطلت على غرفة الجلوس فلم تجده لكنها وجدت وسادة وشرشف على الأريكة .. وغمرها إحساس بالراحة القصوى أنه لم ينم بجانبها .. تسائلت بفزع هل هي باردة حتى لا تطلب قرب حبيبها وزوجها؟ هل هناك شئ خاطئ فيها؟ هي تحبه وتعشق التراب الذي يمشي عليه فلماذا لا تتقبل معاشرته؟ هي تحب لمسته وقبلته .. لكنها الآن ترتجف لمجرد التفكير أنه قد ينام بجانبها.. هل هناك عيب فيها؟ هل ذكرياتها القديمة تقف حاجزاً بينها وبين آدم؟ البارحة بينما تجلس مشدوهة في غرفة الجلوس ،، تذكرت تلك الحادثة التي رأتها دون قصد عندما كانت في العاشرة من عمرها ... يومها عادت من مدرستها مبكرة .. فآخر حصة قد أُلغيت .. وعندما دخلت البيت سمعت صراخ والدها وأمها تبكي ركضت إلى أعلى لترى ما يحصل وقبل أن تدخل غرفة والديها كان الباب موارباً فاستطاعت أن ترى كيف كان والدها يضرب والدتها بينما هي تبكي وتقاوم ثم أخيراً مزق القميص الذي كانت ترتديه عند هذا الحد هربت يافا إلى غرفتها ترتجف .. لم تفهم حينها ما يحدث ولكن عندما كبرت علمت أن والدها كان يجبر والدتها على معاشرته .. شعرت بالغثيان في معدتها .. هل ولّدت لديها هذه الحادثة عقدة؟ آدم لم يساعدها فقد حاول اغتصابها مرة .. والبارحة كان الأمر أشبه بمحاولة اغتصاب أخرى .. أغمضت عينيها بألم .. تحاول طرد تلك الذكريات القبيحة .. ثم قفزت مجفلة عندما سمعت صوته خلفها "صباح الخير حبيبتي" بلعت ريقها وحاولت أن تجلي ملامحها من الألم ورسمت ابتسامة وهي تلتفت إليه "صباح الورد حبيبي .. هل أشم رائحة شاي؟" كان يبدو مذهلاً حتى وهو يرتدي مريلة المطبخ .. التي لم تزده سوى رجولة .. وخفق قلبها حباً .. كم تحب هذا الرجل .. كم تحبه .. كشر عن ضحكة مفتخرة "بالميرمية أيضاً .. مع جبن وزعتر وحمص وبيض" صاحت يافا "هل تنوي إطعام جيش؟" ضحك "فطور فلسطيني تقليدي" تقدمت منه وهي تقول "لنرَ ما صنعه رجلي الفلسطيني" عيناه شعتا بحب كبير عندما ذكرت اسمه بتملك وسار معها إلى المطبخ .. لم يحاول لمسها ولا حتى تقبيل جبينها .. وقدرت هذا له .. فهي لم تُشفَ بعد من حادثة البارحة ... تناولا فطورهما باستمتاع .. عقلها كان ينحدر لا إرادياً نحو أحداث الليلة الماضية فتدفع الذكرى بإصرار .. بعد الفطور .. أراد أن يأخذها ليتجولا في أنحاء المدينة لكنها أصرت أنها تريد أن تقضي وقتها على الشاطئ .. وهكذا بعد نصف ساعة كانا على الشاطئ .. البحر اليوم كان يتلألأ بشمس الصباح .. قوارب صيد صغيرة كانت تلوح في الأفق .. في هذا الوقت المبكر لم يكن هناك الكثير من الناس .. هي وبحر يافا وآدم .. صنعا معاً قلاع رمل ... كان الموج يستمتع بهدمها فيبنياها ثانية .. ركضا معاً على الشاطئ رمته في الماء ورماها .. ضحكا ولعبا كأي طفلين .. حتى كادت أن تنسى كل شئ عن الذكريات التعيسة .. عندما شارف النهار على الانتصاف .. عادا إلى البيت .. صعدت يافا لتأخذ حماماً سريعاً .. وهي تشعر بالتعب .. وما إن خرجت حتى ألقت بنفسها على السرير ناوية أن تغادره بعد خمس دقائق .. لكنها لم تشعر إلا ويد تهزها بلطف .. وصوت آدم يقول لها بلطف "هيا أيتها الجمال النائم استيقظي" فتحت عينيها ببطئ فلاح له وجهه الجميل ينظر إليها بحب .. ابتسمت ورفعت يديها فوق رأسها تتمطى فانزلقت عيناه إلى صدرها وأطلت نظرة رغبة متوحشة من عينيه .. كانت تنام بمنشفة الحمام وعندما رفعت يديها انزاحت المنشفة عن جزء من صدرها .. زحفت كل مشاعر الخوف إلى قلب يافا .. فسارعت تسحب المنشفة لتستر ما ظهر وتقول قافزة من السرير"هل نمت كثيراً؟" رد عليها بصوت متحشرج "ساعتين" أجابته متحاشية النظر إليه "حسـ .. حسناً .. سأرتدي ثيابي وألحق بك في غرفة الجلوس" فهم آدم رسالتها فخرج دون كلمة .. بعد دقائق كانت معه في غرفة الجلوس .. كان منفعلاً ومندمجاً في مشاهدة لعبة كرة القدم .. راقبته يافا بحب .. يبدو طفولياً جداً وهو يصيح مع كل هدف محتمل .. في وقت العشاء ذهبا إلى بيت العم حسين.. ولده وزوجته وطفليهما كانوا جميعاً رائعين .. اندمجت يافا سريعاً معهم ومرت الأمسية بسرعة .. عندما عادا .. أخذ آدم وسادة وشرشف وتقدم منها ليطبع على جبهتها قبلة وهو يقول "تصبحين على خير حبيبتي" .. راقبته يخرج بخليط من مشاعر الخيبة والارتياح .. مرت الأيام بعدها على نفس المنوال .. والدتها تتصل كل يوم لتطمئن عليها .. وكلما حاولت الاستفسار عن علاقة ابنتها الزوجية تغير يافا الموضوع ببساطة .. آدم لم يحاول لمسها أبداً ولا حتى تقبيلها .. اشتاقت كثيراً لقربه لكنها تعرف تماماً أنها لو طالبته بقبلة فلن يكتفي بهذا .. وستفتح أبواب جهنم في وجهها .. أحياناً عندما يجلسان معاً ليقرئا كتاباً أو يتابعا برنامجاً تلفزيونياً .. كانت تراه يراقبها وعلى وجهه تعبير واجم وكان في عينيه سؤال واضح "إلى متى؟" .. ساد جو من التوتر بعدها على علاقتهما .. حاول آدم أن يبدو طبيعياً لكنها علمت من شحوب وجهه أنه لا ينام جيداً وأنه ليس راضياً بمنعها عنه حقه الشرعي .. لكنها لم تستطِع أن تفعل شيئاً .. كانت ترتجف خوفاً لمجرد التفكير أن يحصل ما حصل في تلك الليلة مرة أخرى .. هي بدورها صارت تشعر بكآبة .. فمنظره غير السعيد رغم تظاهره بالسعادة .. أحبط معنوياتها .. كان بحر يافا هو سلوتها الوحيدة .. تذهب إليه مع آدم كل صباح ولا يعودان إلا بعد الظهر وأحيانا عند المساء .. بعد أسبوعين أعلن آدم أن عليهما أن يسافرا إلى الأردن لأسبوع ثم يعودان إلى لندن فأعمال كثيرة تنتظره . بخيبة أمل ودموع كثيرة ودعت يافا مدينة يافا .. في آخر لقاء لها مع البحر طلبت من آدم بلطف أن يمنحها بعض الوقت لنفسها .. فانسحب بهدوء .. جلست يافا قرب الأمواج .. كتبت أمنياتها على الرمل الرطب "أريده أن يحبني إلى الأبد . أريد أن أمنحه ما يريد . أريد طفلة منه . أريد أمي أن تكون سعيدة . أريد أحمد أن يكون فخوراً بي . أريد أبي أن يحبني ولو قليلاً . أريد أن أقيم معرضي الخاص . أريد أن أموت هنا" .. موجة البحر تقدمت نحوها وسحبت أمنياتها من على الرمال واختطفتها ورحلت .. سجدت تقبل الرمل وهمست "إلى اللقاء يافا" ثم نهضت تذرف دموعها التي اختلطت بموجة بحر أخرى .. وعادت إلى آدم .. في الأردن أخذها زوجها إلى حي راقي ودخلا مبنىً فخم .. استقبله رجل الأمن يقول "سيدي عذراً .. هل أنت زائر" ابتسم آدم "لا أنا زوج السيدة يافا ... مالكة الشقة رقم واحد في الطابق الخامس .. " اتسعت عينا يافا بدهشة .. هل تملك شقة هنا؟ كيف؟ التزمت الصمت بينما كان رجل الأمن يرحب بهما .. ابتسمت لرجل الأمن اللطيف ثم اتجهت مع آدم إلى المصعد .. كان المكان جميلاً وفكرت أنه سيكون أجمل لو علقت بعض اللوحات على الجدران البيضاء الخالية .. داخل المصعد سألته يافا بدهشة "شقتي؟" ابتسم آدم وهم يمسك يدها "أجل، هذه هدية أمل لكِ" قالت بدهشة "أوووه" .. كانت سعيدة أنها تمتلك بيتاً في مكان قريب من العراق ومن فلسطين في ذات الوقت .. رائع .. هذه الكلمة التي كانت تصف إحساسها بالسعادة تلك اللحظة .. صرخة دهشة أطلقتها عندما دخلت الشقة .. الشقة لم تكن مؤثثة لكنها كانت جميلة جداً .. التفتت إلى آدم وهي تصيح بإثارة "علينا أن نؤثثها" راقب فرحها بعين مستمتعة "بالطبع منذ الغد" قفزت إليه تعانقه .. "أحبك" لف ذراعيه حولها ودار بها "وأنا أحبكِ" عندما أنزلها على الأرض عيناه كانت تشعان بالرغبة .. زحف الخوف إلى نفسها ورآه جلياً على وجهها فأظلمت عيناه وابتعد .. "هيا لنرى باقي الشقة" بعدها ذهبا للفندق الذي كان آدم قد حجز لهما فيه .. وقضيا ليلة أخرى متباعدين .. لكن هذه المرة في نفس الغرفة .. لم تستطع يافا النوم وعلمت أن آدم لم يستطع النوم كذلك .. كان يدير لها ظهره وهو يستلقي على الأريكة التي لم تناسب طول قامتة ،، صدره العاري أثار فيها مشاعر حارة .. ووجدت نفسها تقول بهمس "آدم" .. التفت إليها وهو يقول "ما الأمر؟" قالت بتردد" يمكنك أن تأتي هنا .. الأريكة صغيرة جداً" أدار لها ظهره مرة ثانية "أنا بخير حبيبتي .. تصبحين على خير" نظرت إلى ظهره المتصلب وشعرت بالخواء .. ولسبب لا تعلمه نزلت دموعها بصمت .. وكان الوقت قد شارف الفجر عندما استطاعت أخيراً أن تغفو.. في اليوم التالي .. ذهبا لشراء أثاث الشقة .. كان الأمر ممتعاً جداً .. وقد أحبت كل دقيقة قضتها في اختيار الألوان والتصاميم .. استغرق التأثيث أكثر مما ظنت .. فانتهى الأسبوع بسرعة في خضم الترتيبات .. وهكذا حل موعد عودتهم إلى لندن .. ودعت يافا شقتها بحسرة .. فهي حتى لم تقضي فيها ليلة واحدة .. لكن آدم وعدها .. أنهما سيقضيان معاً فترة هنا .. حالما يجد وقتاً للتخلص من أعماله .. في مطار لندن كانت والدتها وأحمد في الانتظار بلهفة وشوق .. عانقتهما بفرح وكادت أن تبكي .. رؤيتهما جعلها تدرك كم اشتاقتت لهما .. بعد عشاء عائلي حميم عادت يافا مع زوجها إلى شقتهما .. وكالمعتاد أخذ آدم وسادته وشرشفه وغادر غرفة النوم ... عاد آدم في اليوم التالي إلى عمله .. ولم تعد تراه إلا نادراً .. فهو يقضي معظم يومه في العمل ولا يعود إلا في المساء يتناول العشاء معها محاولا أن يبدو مرحاً ولطيفاً ويظن أنه يستطيع أن يخفي السؤال الذي تطرحه عيناه بصمت كلما التقتا بعينيها "إلى متى؟" وكانت دائماً عينيها تعطيه نفس الجواب "ليس بعد" .. بدأ فصل دراسي جديد أخذ من يافا كل تركيزها .. وهكذا بدا كأن آدم ويافا يعيشان كالغرباء في فندق .. يتصنعان اللطف والفرح ولا يتشاركان في شئ .. حاولت كثيراً أن تكسر هذا الحاجز الذي فرضه برود علاقتهما الزوجية .. لكنها لم تستطع .. آدم كان يبتعد لأنه يعرف إن اقترب فلن يكتفي بلمسة وهي كانت تتردد في اتخاذ خطوة خوفاً من إعادة التجربة المريرة .. والدتها وأحمد لاحظا بعض التغير على علاقة ولديهما لكنهما لم يتدخلا .. وشعرت يافا بأن أحمد طلب من والدتها أن لا تحدثها في الموضوع .. وقدرت لأحمد تفهمه في حاجة يافا إلى الخصوصية ... لم تقرب مرسمها أبداً .. لم تكن تشعر بالإلهام لترسم .. ذات مساء كانت تدرس على الأريكة ولكنها شعرت بالنعاس والتململ فتمددت فوق الأريكة وأغمضت عينيها وهي تسند الكتاب لصدرها وعلى هذا الشكل وجدها آدم غافية .. أحست بيد تداعب شعرها .. فتحت عينيها فوجدت آدم يجلس على حافة الأريكة ويداعب شعرها وعلى وجهه نظرة حب افتقدتها منذ مدة .. ابتسمت له وهمست بنعاس "اشتقت إليك" أغمض عينيه وظهر العذاب جلياً على وجهه وهو يهمس "أنا أكثر" أمسكت بياقة سترته الرسمية وقربته إليها .. راقبها بدهشة ..عيناها تغمضان بينما انفرجت شفتيها في دعوة صامتة .. اهتز قلبها عندما لامست شفتيه فمها بلطف شديد .. وواصل طبع قبلات ناعمة عليه .. وهو يمهس "يا إله السماء .. كم أحبكِ" تعلقت يدها حول رقبته .. وبادلته قبلته بحب .. قبل عينيها المغمضتين وجنتيها، جبينها، خطوط فكها ويداه تعبثان بشعرها برقة .. وعندما بدأت وتيرة المشاعر في التصاعد أفاق على نفسه وانسحب مذعوراً .. لكنها لم تسمح له بالابتعاد .. همست وعيناها تنظر في عمق عينيه العسلية "لا تبتعد .. أنا أريدك" أغمض عينيه وهو يقول "ألا تعلمين ما تفعله بي كلماتكِ" ابتسمت "أرني .. بلطف" فتح عينيه ليطل منهما قلبه .. عينان تفيضان حباً .. اقترب منها وعاد يقبلها فانجرفت معه في حمى مشاعر رقيقة ولطيفة .. حملها بين ذراعيه وصعد بها إلى غرفة النوم .. عندما وضعها على السرير نظر إليها بتردد وهمس "أخاف أن أوذيكِ .. لن أحتملَ ألمكِ" وضعت يدها على صدره حيث كان قلبه يطرق بعنف "لن تفعل " .. هذا الأيمان الخالص بصوتها .. جعله يهتز عاطفياً "متى سترين وجهي الحقيقي .. متى ستكفين عن الإيمان بملائكية شيطان؟" ابتسمت له بتسامح "حتى الموت" انحنى يضع جبينه على جبينها "أحبكِ" مست شفتيه بشفتيها "أحبك" ثم ضمته إليها في دعوة لم يستطع أن يقاومها.. حاولَ قدر استطاعته أن يكون لطيفاً معها .. وتجاوبها مع لطفه أذهب بعقله .. فلم يستطع أن يمنع شيطانه أن يخرج بين حين وآخر لكنه ما إن يسمعها تتأوه ألماً حتى يستفيق ويحاول التراجع لكن يديها اللطيفتان تشدانه ثانية في ابتسامة رقيقة تخفي خلفها ما أحست به من ألم .. كانت تشده إليها مطالبة إياه بالبقاء .. أرادته أن يبقى .. أن يحبها .. كما تحبه .. فهي لن تتحمل البرود الذي يكاد يجمد قلبها في علاقتهما .. أرادت أن ترى آدم يبتسم لها بدفئ حقيقي .. أرادت أن تسعد حتى وإن تطلب هذا القليل من الألم .. كان يحاول جهده أن لا يؤذيها وهذا وحده يكفي لكي لا تهتم ببعض رضوض قد يحدثها شيطانه المكبوت .. في آخر الأمر كانت له .. خالصة وكاملة .. زوجته فعلياً .. ضمها إلى صدره وهمس بقلق "هل أوجعتكِ؟" كذبت عليه باسمة "أبداً" كانت تشعر بالألم في ذراعيها وفي عظام صدرها ... وأماكن أخرى متفرقة .. لكن الأمر كان يستحق .. ذاك الدفئ في صوته قد عاد .. والنظرة المليئة بالحب والرضا والاكتفاء قد عادت .. حبيبها آدم لها مرة أخرى .. حشرت نفسها في صدره متحاشية الألم الذي يكسو كل جسدها .. وهمست "أحبك" قبل شعرها "أحبك كثيراً يا يافا .. سأموتُ إن لم تحبيني كما أحبكِ" قبلت صدره "بل أحبكَ كثيراً دودي" .. صاح "أوه كلا ليس الآن في هذا الموقف الرومانسي" ضحكت "حسناً ربما غداً" داعب شعرها "غداً أو بعد غد أو بعد بعد غد .. العمر لنا" أغمضت عينيها بابتسامة راضية وهي تسمع آخر مقطع من جملته وراحت في سبات عميق .. عندما استيقظت كانت وحيدة في السرير .. كان آدم يسير في الغرفة كالنمر الحبيس .. همست "صباح الخير حبيبي" قال بعصبيه "لقد تألمتِ" سألت باستفهام "ماذا؟" ارتفع صوته "البارحة عندما .. عندما .. لقد تأذيتِ .. لقد آلمتكِ" فتحت عينيها الآن وقد تلاشى كل أثر للنعاس "كلا حبيبي .. كانت ليلة رائعة" صاح بعذاب وهو يقترب "حقاً ؟ أظنها كانت أسوأ ليلة بالنسبة لكِ .. لقد كنتِ تتأوهين من الألم وأنتِ نائمة وعندما حاولتِ أن تنقلبي على جنبك صحتي من الألم" حاولت أن تنهض "أوه كلا .. آآآآآآه" قطعت يافا جملتها متأوهة بألم عندما حاولت أن تستند إلى يديها لتقوم لكن عظام يدها كانت تؤلمها بشدة .. صاح "يا إلهي انظري ما فعلت بكِ .. أنا مجرد وحش .. شيطان بلا قلب .. آن الأوان لتعرفي حقيقتي" كان يتعذب .. رأت هذا في وجهه واضحاً .. حاولت أن تهدئه "حبيبي... " لكنها قبل أن تنهي جملتها اختطف سترته وهرب بعد دقيقة سمعت صوت باب الشقة يفتح ثم يغلق .. حاولت النهوض ثانية وهذه المرة استطاعت تجنب الألم .. هذا الأحمق .. هل يظن بضعة رضوض قد تخرب عليها جمال الإحساس الذي أحسته وهي تراه يعود كما كان .. المزعج الفرنسي الدم لقد خرب عليها صباحيتها الأولى كعروس فعلية .. كلمته على هاتفه لكنه لم يجب .. وبما أن اليوم سبت .. فالمكان الوحيد الذي يمكن أن تتجه إليه هو بيت والدتها .. بعد حمام ساخن .. شعرت بعضلاتها تسترخي وبالألم يخف عليها .. في بيت أحمد قضت وقتاً جميلاً .. لكن عقلها بين دقيقة وأخرى يسرح حالماً باللحظات الحميمة التي تشاركتها مع زوجها .. وكلما تذكرت بعدها صياحه في الصباح انزعجت .. وفار دمها .. لكنها مع هذا تعذره لأنها قبل تلك الليلة أبدت خوفاً عظيماً من اقترابه منها ومن عنفه لكنه البارحة لم يكن عنيفاً لقد كان رقيقاً جداً .. ليس ذنبه أن جسده أقوى من جسدها بكثير .. لقد دللها عاطفياً ليلة البارحة ليجيء الأحمق في الصباح ويفسد كل شئ .. لكنها ستتفاهم معه .. ذلك العنيد الرائع .. ابتسمت بحنان لذكراهما معاً .. فقاطعتها والدتها "أيتها الحالمة لماذا تبتسمين؟" نظرت في ساعتها ووقفت "أظن أن آدم الآن في البيت .. سأذهب" قبلت والدتها وأحمد وعادت بسيارة أجره .. فالألم في ذراعها لم يسمح لها بالقيادة .. لم تكن تحمل معها سوى محفظتها والهاتف .. وتذكرت أنها رمت مفاتيح الشقة على الطاولة في بيت والدتها ونسيت أن تأخذها .. رنت جرس الباب ورسمت ابتسامة جميلة سرعان ما بهتت عندما أطل وجه سيلين من الباب المفتوح .. شعرها مشعث وشفتاها متورمتان وقميص نوم فاضح بالكاد يستر جسدها .. همست يافا بصدمة "ماذا تفعلين هنا؟" ضحكت سيلين بميوعة "وماذا تظنين أنني كنت أفعل؟" ثم أكملت وهي تنظر إليها بخبث "خاتمه في أصبعكِ لا يعني أنه ملكك شيري" .. عند هذه الكلمات تراجعت يافا وقد لمحت من خلف سيلين آدم عاري الجذع ينشف شعره بالمنشفة ويرتدي سروال بجامة حريرية .. عندما رآها صاح "يافا" تراجعت يافا وركضت .. ركضت دون توقف وجملة سيلين تطاردها كاللعنة "خاتمه في إصبعك لا يعني أنه ملكك شيري" يا إلهي .. منذ ساعات فقط كان بين ذراعيها .. وقد وهبته ما أراده دوماً فكيف يخونها؟ كيف؟ والحب بينهما؟ والوعود؟ والدفئ؟ أغمضت عينيها وهي تجري .. وصاحت "كذب كذب" عندما فتحت عينيها ومن خلف غمامة الدموع شاهدت بضبابية الشئ الأحمر الذي يتجه إليها بسرعة .. صوت آدم من خلفها صاح بها "يافا احذري" حاولت التحرك لكنها كانت متأخرة .. السيارة الحمراء .. ضربتها بقسوة .. وسقطت على الأرض وهي تسمع صوت تهشم شئ ما .. نظرة سريعة لجسدها أدركت أنه هو من تهشم .. يدان تلقفتاها من على الأرض .. أغمضت عينيها تستسلم للألم .. ثم غابت عن الوعي.





قراءة ممتعة..
يتبع...

على بحر يافا(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن