نقية
ملحق الفصل السادس عشر – على بحر يافاسيلين راقبت يافا وآدم بشئ من الحسرة .. الغيرة كانت شعور آخر راودها ليس من يافا لأنها سرقت آدم منها ولكن من سعادة العشاق التي كانت تفيض بها حركات ونظرات الاثنين .. تنهدت .. من المستحيل أن تتخيل إبراهيم ينظر إليها كما ينظر آدم إلى عروسه التي تألقت بهالة من البراءة والنقاء أضفاها عليها ثوبها الأبيض .. بدت مناسبه تماماً في هذا الزي .. وتخيلت نفسها ترتديه ولسبب ما علمت أنه لن يكون مثالياً كما هو على يافا .. فهي تفتقد براءة يافا . ونقائها ... كان من الصعب أن تعترف لكنها امرأة واقعية فيما يتعلق بحقيقتها ،، لقد اختارت أن تعيش كذلك .. أن تنتقل من حضن رجل إلى آخر .. حتى عندما كانت مع آدم لم تتوانَ عن خيانته لأنها لم تكن تحبه وكانت تعلم أنه لا يحبها .. الأمر مختلف تماماً مع إبراهيم .. فهي لا تتخيل أن تلمسها يد رجل آخر بعد الآن .. يداه الخبيرتان .. ابتسامتة اللطيفة .. شعره الأشيب تتخلله بأصابعها .. أشياء كانت تخدرها .. وتمنح قلبها عاطفةً لم تعرفها .. كانت تتسائل كثيراً .. هل هو بهذا اللطف لأنه بحاجتها لتنفيذ انتقامه أم أنه كذلك لأنها تعجبه؟ مضى شهر ويزيد على معرفتها به ، للمرة الأولى تكشتف نفسها على أفضل وجه .. متعتها معه فاقت حدود العلاقة الجسدية والتي تشهد له بها بالخبرة .. لكن عقلها معه استمتع أكثر .. تناقشا كثيراً في الكتب .. تجادلا بتطرف حول آرائهما ، لعبا الشطرنج معاً ورغم أنه كان يغلبها دائماً إلا أنه كان يكافئها بعناق لطيف ، تعجبت كيف لرجل بهذه الرقة يمكن أن يكون بهذا العنف والشر كذلك .. لم يحدثها أبداً عن سبب رغبته في الانتقام من ابنته ، لكنها سمعته مرة ينادي باسم أمل عندما كان نائماً ،، طعنة مؤلمة انغرست في صدرها .. وراقبت عيونه المغمضة التي ترى أمل بألم شديد... هو ما زال يحبها .. وهي سيلين الجميلة المدللة لن تحوز على قلبه ،، انتقلت عيناها إلى أمل .. رغم سنها المتقدم لكنها كانت جميلة تتعلق بذراع زوجها بتشبث طفولي كأنها تطلب حمايته ،، أمواج من الغيرة العاتية صعدت إلى روحها فسارعت تدير ظهرها لأمل وتسير متسرعة نحو آدم ويافا اللذان كانا يستعدان لصورة العرس سلمت عليهما بسرعة وهربت .. هربت من الحفل كله .. إنها تريد أن ترى إبراهيم .. أن تعانقه ،، أن تختفي وتتلاشى بين أحضانه .. بعد نصف ساعة كانت تدخل إلى جناحه في الفندق الذي استأجره في ضواحي لندن .. كان يجلس بكامل هيبته يحتسي كوباً من الشاي ،، أخبرها أن الرجل العراقي يعشق الشاي ومن يومها وهي تحتسي الشاي .. حتى تشم فيه رائحة إبراهيم .. التفت إليها .. عيناه كانتا غائمتان تحت وطأة حزن ثقيل .. وقبل أن تتحدث سألها " بدت جميلة أليس كذلك؟ " عرفت أنه قصد بسؤاله يافا .. للمرة الأولى تبتسم سيلين عندما تجئ صورة البنت الصغيرة في مخيلتها ،، وصفتها بحب .. لأنها قطعة من إبراهيم متجاهلة أنها أيضا قطعة من أمل وسارقة الرجل الذي كان على علاقة بها .. قالت له بصدق"كانت ملائكية... ثوبها الأبيض كان مناسباً تماماً لها ... كانت تبدو بريئة ،، وآدم قدم لها كل شئ ليجعل عرسها مثالياً" قالت جملتها الأخيرة ولم تخفي على نفسها أنها نطقتها أملاً منها أن يتراجع عن فكرته في الانتقام منهما .. رغم أن ملامحه تحجرت عندما ذكرت آدم لكنها عادت لتلين وهو ينظر في قعر كوبه ويحدثها "منذ أن كانت صغيرة كانت جميلة جداً ، كالفراشات ،، اعتادت أن تتعلق برقبتي وتطلب مني أن أحضر لها غيمة من السماء لأنها تريد أن تستخدمها كمظلة ... كانت دوماً حالمة .." اقتربت منه وجثت على ركبتها على الأرض أمامه ثم ابتسمت في وجهه "إنها ترتدي الغيوم هذا اليوم .. نقية جداً في بياضها .." ثم حولت نظرها عنه وقالت متسرعة "حاولت أن أتخيل نفسي مكانها لكنني وجدتني غير مناسبة تماماً لما يعنيه الأبيض من براءة" أمسكت يد إبراهيم وجهها وجعلها تنظر إليه .. ركز عينيه في عينيها وقال بجديه "سيلين أنتِ أروع امرأة قابلتها والأبيض سيبدو خيالياً عليكِ صغيرتي" ارتجفت شفتاها وهددت عيناها بانهمار الدموع لكنه سارع إلى تقبيل كلتا وجنتيها .. وعانقها .. وهو يقول "يبدو أن هناك من يحتاج لقليل من التدليل" ضحكت من بين دموعها وتركت نفسها تغرق في أمواج حنانه ،،، عندما استيقظت في الصباح وجدت السرير خالياً .. عندما نهضت وجدت ثوباً مذهل الجمال بلون الثلج يستلقي على ظهر الكرسي وعليه ورقة مثبتة .. نهضت واختطفت الورقة وقرأتها وقلبها ينبض "فستان أبيض يليق بنقاءكِ" ضمت الورقة إلى صدرها مع الفستان وأجهشت بالبكاء ..
\
جلس إبراهيم في المقهى ، كوب الشاي أمامه كاد أن يبرد وسرح بعيداً ،، سيلين اخترقت أفكاره دون إرادة .. تلك الشقراء الجميلة .. كم تبدو كطفلة في كثير من الأحيان .. أحياناً يجد الشبه بينهما كبيراً .. فكلاهما يخفيان حقيقة مشاعرهما ويظهران شيئاً آخر .. وهي للمرة الأولى تطلق لنفسها العنان كامرأة لها أكثر من مجرد جسد جميل كما أنه لأول مرة يتعامل مع امرأة بهذا الحنان و الاهتمام .. تأثير تعامله معها بهذه الطريقة بدا واضحاً عليها ولم يملك إلا أن يتساءل .. هل كانت أمل ستحبه لو أنه عاملها بهذه الطريقة؟ ... وقع كعبي حذاء نسائي استرعى انتباهه نظر إلى مصدر الصوت فوجد سيلين تتقدم ناحيته .. مشرقة كالشمس .. ومبتسمة كأنها تملك الدنيا .. علم أن الثوب الأبيض سيعجبها ليس لجماله وحسب بل لما يعنيه هذا الثوب .. كيف سيخبرها أن عليه العودة إلى عمله هذا المساء؟ أزعجه الإحساس بأنه سوف يضايقها ، أو يؤذيها ،، وشعر أن هناك هوة كبيرة ستتركها في صدره عندما يرحل ..
اقتربت منه فخفق قلبه بعنف ... أمسكت بيده واعتصرتها بامتنان وهي تضحك في وجهه بسعادة .. فأشرق وجهه لسعادتها قالت بلطف "بونجور" رد عليها التحية وهو يفكر .. كم تبدو نقية هذا الصباح .. !قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
على بحر يافا(مكتملة)
Romanceرواية بقلم الكاتبة بلقيس علي "مُشتاقة" حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي..