الفصل الثامن

3.1K 170 4
                                    

الفصل الثامن

شعرت بيدين تهزانها بعنف ، ومن خلف الغيوم الوردية التي كانت تحملها إلى عالم اللاوعي سمعت صوته ، كما اعتادت أن تسمعه ، أرادت أن تغمض عينيها بشدة وأن تتشبث بنظراته ، أن تنسى ماضيهما المزدوج بألف جرح وفرح وحاضرها التعيس بدونه ، لكم أحبته حتى كادت أن تختنق بمشاعرها كلما لمسها أو همس لها ، اليدان التي كانت تهزها لم ترحمها ، لم تتركها لسلامها وصوته بل واصلت الضغط على كتفيها لتستيقظ لم تستطع أن تتجاهل النداء الملح في تلك الأصابع لذا فقد فتحت عينيها مستسلمة لحقيقة أنها ستفقده مرة أخرى ، لكنها ما أن فتحت عيناها حتى أطل أمامها وجهه بشكل ضبابي ، عيناه العسلية حدقت في عينيها بقوة ، شهقت باسمه فاشتدت الأصابع ضغطاً على جلدها ، همست بضعف "كلا ، كلا" وحاولت تخليص نفسها من يديه . كيف عرف مكانها؟ لماذا عاد؟ ألم تقل له أنها لا تريد أن تراه أبداً رغم أنها كانت تنتظر سراً طيلة فترة غيابه أن تراه .. لماذا الآن؟ لماذا وهي في قمة مرضها وألمها؟ ألم يكفه أن رآها مكسورة القلب هل عليه أن يراها الآن تحت ذل مرضها واهنة وشاحبة وخإليه من أسباب الحياة.. بكل ما سمحت لها قوتها الضعيفة سحبت نفسها منه وهي تغمض عينيها وتصرخ بوهن "كلا، كلا" لكن ذراعين من حديد أحاطتا بها ودفعتها إلى صدره وشعرت بقلبه ينبض فوق قلبها فاهتزت في ارتعاشة ، لا الخيانة ، لا الفراق ، لا المرض يمكنه أن يمحو تلك الإثارة التي يحس بها جسدها كلما كان قريباً من جسده ، لا شئ يمكن أن لا يجعل قلبها ينبض بعنف كانه سيخرج من صدرها كلما جمعهما مكان واحد، آدم هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يجعلها تشعر بالحياة في قمة موتها هذا ،، همس لها "يافا" أنفاسه قرب أذنها وصوته الذي بدا أجمل من أروع سمفونية جعلها تنسى كل شئ للحظة ، هذا النوع من الهمس وتلك الحركة الحميمة كانت جزءاً من حياتهما السعيدة معاً وجزءاً من الليالي التي قضتها تنعم بدفئه بين يديها ، تشبثت بكتفيه بأصابع واهنة ،، كتمت شهقة أفلتت من فمها في كتفه ، ثم انسابت دموعها ونادت "آدم، آدم" اشتدت ذراعيه حولها وهو يقول "أميرتي" ثم تركها تبكي على كتفه. بعد قليل هدأ بكائها ، واستكانت أنفاسها ، وشعر آدم بزوجته تسترخي بين ذراعيه ، همس باسمها فلم تجبه ،، يداها تراختا عن كتفيه لتسقطا إلى جانبي جسدها ، أبعدها عنه قليلاً ليرى ما بها فوجدها مغمضة العينين لا تتحرك .. تنفسها البطئ كان الشئ الوحيد الدال على بقائها على قيد الحياة ، أرعبه منظرها ... فركض يفتح الباب ينادي طلباً للمساعدة .. آذان سارا التقطت صوته فجرت إلى غرفة يافا بسرعة لتدفع آدم وتهرع إليها وهي تصرخ "ماذا فعلت بها؟" أجابها "لا شئ لا شئ لكنها لا تتحرك " نظرت إليه بعد أن تفحصت يافا وتأكدت أنها تبدو كما تركتها وقالت بحدة "إنها في غيبوبة قد قلت لك " لكنه صاح "لكنها استفاقت ، لعشر دقائق ثم فقدت الوعي" دون كلمة ركضت سارا إلى الدكتور علي لتخبره فأجابها "ربما أفاقت فعلاً ثم عادت إلى غيبوبتها .. أخبرتكِ يا سارا الغيبوبة هي طريقة يافا للهروب من شئ ما لا تستطيع مقاومته ، لا تسمحي لهذا الرجل أن يزورها ثانية ، يبدو أنه أحد الأسباب التي تجعلها تهرب إلى لا وعيها".
*
فجأة توقفت عن سماع صوت نحيبها ، وساد المكان السكون ، والكتف الصلبة التي كانت تستند عليها صارت هشة عندها فتحت عيناها لترى نفسها تستند إلى الغيوم الوردية لا إلى كتفه ، تلفتت حولها فوجدت نفسها وقد عادت إلى السلام الوردي الذي كانت تنعم به قبل أن يهزها آدم ليوقظها .. بحثت عنه بعينيها ، نهضت من مكانها ، تمايلت حتى اعتادت على الغيوم الجلاتينية التي تقف عليها .. ثم مشت ببطئ تحاول أن لا تقع تبحث عن آدم .. صاحت عليه "آدم ، آدم" ولاحظت كم أن صوتها بدا قوياً وكيف أن جسمها يتحرك بكامل طاقته قبل مرضها ، التفتت إلى اليمين فتقافزت خصلات كستنائية مع حركتها أمسكت خصلة من شعرها وتحسستها بدهشة ، شعرها عاد كما كان ، تفحصت بشرتها التي بدت قمحية كسابق عهدها ثم جرت يدها على محيط خصرها فكانت استدارته كاملة كما كان قبل أن تفقد وزنها .. شعرت بفرحة عارمة ، ها هي تستعيد نفسها في هذا المجال الجلاتيني ، قفزت في مرح وهي تصرخ بابتهاج لكنها وفي البعيد لمحت ظلاً ما يتحرك .. توقفت عن القفز ومشت إليه ، ومع كل خطوة كانت الغيوم تتلاشى ليحل محلها واقعٌ عاشته في السابق ، أماكن زارتها ، ثم وجدت نفسها وجهاً لوجه أمامها ، فما كان الظل إلا هي .. تجلس مع أحمد في مكتبه يتناقشان بأمر قبولها في جامعة أوكسبرج لتدرس الهندسة ،، كانا سعيدين .. وجدت نفسها تضحك معه وهو يمازحها بشأن ارتدائها "نصف شمامة" في رأسها عندما تذهب إلى موقع العمل ، آدم دخل عليهما بعد قليل توجه بنظره نحوها مباشرةً فكانت عيناه ترشحان بالسخرية ، شعرت بألم في قلبها ،، فهو ينبض حتى يكاد أن ينفجر وها هو الرجل الذي تحب ينظر إليها كأنها عدوه اللدود ، وستكون ملعونة لو جعلته يعرف كم تؤلمها تصرفاته السمجة معها لذا فقد رفعت عيناها إليه ورسمت ذات التعبير الذي كان في عينيه في عينها ، أحمد قطع عليهما لحظة النزال الصامت حين قال "من الجيد أنك أتيت يا آدم كنت أنوي الاتصال بك ، نحن نقيم حفلة مساء السبت على شرف يافا ، فقد تم قبولها في أوكسبرج ،، ستصير هذه الشابة مهندسة معمارية بارعة" انتقل آدم بنظرته ثانيةً إلى وجهها ولمع شئ ما في عينيه ، لولا أنها تعرف آدم لقالت أنه الفخر ولكن آدم لا يكون فخوراً بها أبداً ، تبدلت عيناه إلى السخرية من جديد وهو يقول "تهانينا ،، أتشوق لأرى شكلكِ بين عمال البناء" رفعت رأسها إلى الأعلى فيما يشبه الغرور وهي تجيب "شكراً ، سأكون بارعة بالتأكيد" تمتم "بالتأكيد" ...
أغمضت يافا عينيها ، من الرائع أن تشعر بهم من جديد ، أن تراهم ، كما كانوا ، أن تراقب نفسها كما كانت خالية من الآلام ومن الجروح ،، تحسست كتفها حيث مكان الجرح الذي لم يندمل ، هذا هو الشاهد الوحيد على كل الجروح الداخلية التي أصابتها ، فتحت عينها من جديد لترى نفسها أمام نفسها مجدداً لكنها كانت تبدو جميلة كامرأة لأول مرة في حياتها ، ثوبها القصير لم يكن فاضحاً أو مبتذلاً بل كان منساباً على جسدها بإحكام حتى ما فوق ركبتها ، نقشة الفستان بترقيطة جلد النمر أعطتها مظهراً جريئاً وقوياً رغم أن الفستان لم يكشف عن أسفل رقبتها أو صدرها ، ولم يكن عاري الظهر كذلك ، لكنه بدا مغرياً برقي ،، أحمر شفاهها الفاقع جعل شفتيها الممتلئة تبرز بإغواء ،، الكحل فوق عينيها حدد جمال الزرقة الكامنة في حدقتيها ، شعرها المنسدل على ظهرها والذي بدا يومها داكناً أكثر من المعتاد ساعد في جعلها تبدو أجمل وأكثر إغراءً ،، عندما هبطت إلى الأسفل أول من شاهدت كان آدم الذي كان يتكلم مع سيلين الملتفة بفستان أحمر عاري الظهر لكنه توقف فجأة عندما كانت تهبط السلم ، ترددت لدقيقة وهي تلتقي بعينيه اللتان ضاقتا وهو يمسح جسدها من الأسفل إلى الأعلى متوقفاً قليلاً عند ساقيها المكشوفتين ، وخصرها وشفتيها ثم تأمل عينها وتحول العسل في عمق العينين الضيقة إلى شئ بني بلون القهوة.. سيلين التي كانت تقف بجانبه رمقتها بكره ، وقد ردت لها النظرة ، وشعرت بنفسها تغلي ، الوقح لقد أحضر صديقته ، يا إلهي ! كم تكرهها وكم تتمنى أن تقطع أصابعها التي تتشبث بذراع آدم ، شعرت بغيرة قاتلة من سيلين التي بدت أنثى بكل ما فيها مما جعلها تشعر بأنها مجرد طفلة ،، هبطت باقي السلم ومزاجها الجيد قد تبخر وكل أمل بقضاء ليلة سعيدة قد تلاشى. تقدم منها أحمد وأمل يثنيان على مدى جمالها ، أمل كادت أن تغرورق عينيها بالدموع وهي ترى ابنتها بهذا الجمال الرائع ، أما أحمد فقد نظر إليها بفخر وهو يقول "والآن من لديه ابنة كابنتي" تعلقت بذراعه وهي تبتسم باضطراب عزاه أحمد أنها أول حفلة تحضرها ولكنه لم يعلم أبداً أن ابنه كان السبب .. عرفها أحمد مع أمل على كل أصدقائهما الذين رحبوا بها بشدة وانهالت عليها الاسئلة من كل ناحية حتى بدأ الرقص وانفض الناس من حولها ليرقصوا عندها وقفت تشاهد بغيظ آدم يرقص مع سيلين غير مهتم بوجودها يحني رأسه قرب أذنها ويهمس لها بينما هي تضحك ضحكتها البشعة .. انتبهت على صوت رجل يقول "مرحباً" التفتت إلى مصدر الصوت فطالعها شاب في أول عشريناته كان يبدو عليه أنه بريطاني ، بشعره الذهبي وعيناه الرمادية وأنفه المستقيم وبياض بشرته ، ابتسمت له "مرحبا" قال لها "أنا وسيم عبد الله" انطلقت "أوه" من فم يافا فابتسم وهو يقول "بريطاني من أب وأم مسلمين لذا .. " وابتسم مرة أخرى تاركاً لها الفهم فقالت بسرعة وهي تمد يدها "أوه عفواً كانت قلة ذوق مني .. أنا يافا إبراهيم" ازدادت ابتسامته اتساعاً "ومن لا يعرفكِ ، وهذه الحفلة على شرفك ، أنتِ حديث الساعة بين هؤلاء الجموع" رفعت حاجبيها بدهشة "حقاً" هز رأسه بمرح "نعم نعم ،، الفتاة الجميلة التي حضرت من العراق لتوها ، بشعرها الكستنائي المذهل وزرقة عينيها الغريبة .. لقد بدؤوا بالتجادل حول من سيخطبك لابنه أولاً" ضحك أمام تعبير وجهها المصدوم وتابع "انظري إلى تلك السيدة التي ترتدي ثوباً رمادياً ،، تريد أن تخطبكِ لابن أختها وتلك التي بجانبها بالقبعة الغريبة ذات الريش تريدكِ لابنها" نظرت إليه يافا غير مصدقة ثم أمام تعبير وجهه المرح انفجرت ضاحكة "أشعر أنني في مزاد" ضحكتها وصلت لمسامع آدم الذي التفت بحدة ونظر إليها ثم ضاقت عيناه . لكنها لم تنتبه ، شاركها وسيم الضحك وهو يقول "إن النساء تعشق لعب دور كيوبيد" ضحكت من جديد "هذا ما يبدو" بعدها طلب منها وسيم الرقص فوافقت ، وعرفت بعدها أنه طالب في كلية الطب وأنه سيتخرج هذه السنة وأنه يعيش وحيداً مع أهله بعدما تزوجت أخته العام الماضي وأنه يحب الموسيقى وسباح ماهر، كان الحديث معه ممتعاً وبسيطاً ، فهو شخص سهل المعشر حلو الكلام لذا لم تنتبه إلى الوقت وإلى كم من الرقصات رقصاها معاً حتى جاء صوت آدم حاداً كأنه نصل سكين وفي ذات الوقت منخفض ومتزن وهو يقول "اسمح لي أن أراقص أختي!" نظر وسيم إليه ثم إلى يافا واعتذر "آسف فقد احتكرتها لوقت طويل" ابتسم ليافا التي ابتسمت له بدورها . وخفق قلبها عندما خطا وسيم مبتعداً وصار آدم أمامها، أمسك بيدها فشعرت بجلدها يحترق وعندما استقرت يده الأخرى على خصرها كادت أن تسمع دوي انفجار قلبها ، تنفست بعمق وجاءها صوته ساخراً "ها هي الدودة تخرج من شرنقتها لتطير نحو أقرب زهرة ، وعلي أن أعترف أن وسيم زهرة ممتلئة الجيوب" نظرت إليه بغضب وصعد صدرها وهبط بسرعة بينما تصلب إزاء حركتها قالت له بغيظ "أيها العديم الذوق ، ألا تفكر إلا في المال .. وسيم رجل مهذب جداً وهذا ما لا أستطيع قوله عنك" نظر إليها بعمق وقال بهدوء "لا أنا لست رجلاً مهذباً ، أنا أتحول لرجل كهف عندما يتعلق الأمر بممتلكاتي " .. نظرت ناحية سيلين وقالت بخبث "إذاً ربما عليك أن تنتبه لممتلكاتك فهي تراقص شخصاً ما بطريقة مقرفة" رسمت تعابير الاشمئزاز على وجهها وهي تقول النصف الأخير من جملتها .. نظر آدم ناحية سيلين بعدم اهتمام وأجابها "سيلين ليست من ممتلكاتي" رفعت نظرها إليه عيناها بدتا أجمل من أي وقت مضى بهذا الكحل المحيط بها .. كأنه ظلام ليل يلف بحراً أزرقاً يجعله أكثر جمالاً وإغراءً وغموضاً، تنفس آدم بصعوبة بينما قالت "ربما العكس صحيح .. ربما أنت من ممتلكاتها" تقلصت أصابعه على خصرها فشعرت بألم "أنا لست ملكاً لأي امرأءة ولن أكون" تأوهت "اتركني ، أنت تؤلم خصري" انتبه إلى نفسه فأرخى أصابعه ثم ترك خصرها نهائياً وتوقف وهو يقول لها "اهربي فشيطاني سيستيقظ" همست وهي تنطلق هاربة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" خلفها وقف آدم يحدق بها وهو يتمتم "لنأمل أن تعوذكِ سيبقى ساري المفعول حتى آخر هذه الليلة الملعونة"..
كانت يافا تقف في شرفة البيت بعد أن هربت من آدم ولم يمضي بعض الوقت حتى سمعت صوت وسيم "هل أنتِ بخير" نظرت إليه وابتسمت "أجل شكراً ،، أحسست بحاجة لتنشق هواء منعش ،، انها أول حفلة لي لذا ... " وتركت الجملة معلقة ليفهم هو باقيها هز رأسه في تفهم "الحفلات لا تروقني كثيراً لكنني سعيد بقدومي فقد حظيت بسعادة معرفتكِ" ابتسمت له بلطف " وأنا سعيدة بالتعرف عليك يا وسيم .. أنتَ شخص لطيف جداً" اقترب منها ووقف إلى جانبها وتلامست ذراعه بكتفها ، فلم تبدو لها حركته وقحة لأنه كان شخصاً لطيفاً جداً وراقي الأخلاق قال لها "وأنتِ لطيفة كذلك ،، لطيفة لحد خطر" وقبل أن تستفسر عن كلامه جاءه صوت آدم يقول ساخراً " وأنتَ قريب منها لحد خطر" تفاجأ وسيم كما تفاجئت يافا لوصول آدم المفاجئ ولجملته الوقحة نهرته يافا "آدم لا يجب أ ... " لكنه قاطعها موجهاً الحديث إلى وسيم "أعذرني عزيزي هل لي بكلمة مع يافا على انفراد" نظر وسيم إليه بحنق وكاد أن ينطق بما لا يجعل الأمور تنتهي على خير لكنه فضل أن ينسحب فآدم في نهاية الأمر بمثابة أخ يافا .. وعليه ألا يكسب عدائه ، لذا فقد هز رأسه واستأذن تاركاً المكان مشحوناً بين آدم ويافا التي صرخت في وجهه "لماذا أنتَ بهذه الوقاحة؟" اقترب منها بخطوات شيطانية جعلها تتراجع إلى الخلف وهو يقول من بين أسنانه "ألم أقل لكِ أنني رجل كهف عندما يتعلق الأمر بممتلكاتي" صرخت فيه وقد أرعبها منظره الغاضب "أنا لست من ممتلكاتك" قبض على ذراعيها بيدين من حديد فثبتها في مكانها ونظر إليها بغضب "بل أنتِ ملكي، ملكي أنا يا يافا" اتسعت عيناها أمام هذا التصريح الهمجي وارتعش جسدها وأغمضت عيناها وهي تقول برعب مستخدمة الوسيلة الوحيدة التي تعرفها لإبعاده "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" عندما فتحت عينيها من جديد كانت لوحدها ترتعش ... وصوته يلاحقها "أنتِ ملكي ، ملكي أنا يا يافا" هبطت على ركبتيها تجلس على أرضية الشرفة الحجرية وهي تهمس " أنا ملكه " ثم غطت وجهها بيديها تنتحب وهي تدرك حقيقة وصدق ما قاله ، هي ملكه ليس لأنه قال ذلك بل لأنها أعطته قلبها .. وصارت ملكه بإرادتها .. بعد قليل صعدت إلى أعلى تتجه إلى الحمام كي تصلح زينتها وتكمل باقي السهرة بأي طريقة وهي تدعو أن يمر الباقي منها بسلام ، لكنها عندما مرت من أمام غرفة آدم لتصل إلى الحمام سمعت صوت همهمات وتأوهات وصوت آدم يصيح بشكل غريب "سأمزقكِ" ثم ويا للصاعقة سمعت صوت سيلين تقول بغنج "أحبك عندما تكون همجياً" تراجعت إلى الخلف غير مصدقة .. ثم وباندفاع طفولي اقتحمت المكان لترى أبشع منظر رأته في حياتها ،، آدم وسيلين على السرير هو ينحني فوقها عاري الصدر وكان حزام بنطاله محلولاً وهي ترقد تحته تتشبث به لا شئ يسترها سوى ملابسها الداخلية ،، وجهها المصدوم تلقى ردتي فعل مختلفة الأولى كانت نظرة انتصار على وجه سيلين والثانية كانت نظرة سخرية من آدم أتبعها صوته المتهكم "إذا كنتِ قد انتهيتِ من التحديق بإمكانك أن تغلقي الباب خلفكِ" ثم انحنى على سيلين يعانقها بوحشية .. تراجعت يافا مخدرة تماماً ، شعرت بغثيان فظيع فركضت إلى الحمام وأفرغت ما في معدتها ، ثم انهارت على أرضية الحمام في بكاء مكتوم وهي تضرب على صدرها مكان قلبها لتوقف الألم الذي تشعر به ،، منظرهما معاً ، كلماته ، عناقه الذي كان آخر ما شاهدته جعلها تستفرغ مرة أخرى ، وهي تبكي بتعاسة ، ها قد حطم أحلامها ، لقد رأته مع امرأة أخرى بعد نصف ساعه فقط من اعترافه بأنها له ،، أوه أجل هي له ولكنه ليس لها ،، بعد فترة لم تعرف كم بالضبط ، شعرت بالغضب من نفسها ، من هذا التحطم الذي تشعر به ، ستكره نفسها ألف مرة لو جعلته يشعر ولو قليلاً بمقدار الألم الذي سببه لها ،، ستخرج ، ستنهي السهرة ، ستعامله كأنه لا شئ ، وعندما تكون لوحدها ستسمح لنفسها بالحزن والبكاء كما تشاء .. نهضت من مكانها غسلت وجهها أصلحت زينتها رفعت رأسها وخرجت من الحمام .. ومرت بغرفته وحاولت أن لا ترهف السمع للحركات داخل الغرفة أسرعت في خطاها ونزلت ، كانت الحفلة تكاد أن تنتهي ، وسيم كان قد انصرف مرسلاً اعتذراه لها عن طريق أحمد الذي تأمل وجهها وهو يقول "هل أنتِ بخير؟" كذبت عليه "الشقيقة فقط" احتضنها "أوه صغيرتي سينتهي كل شئ قريباً وبعدها انعمي بنوم هادئ" وهو يتمتم آخر كلماته وجدت آدم يهبط من السلم أغمضت عينيها بسرعة وأخفت وجهها في كتف أحمد وهي ترد "أجل سيكون كل شئ على ما يرام .. لا تقلق" بعدها تحاشت النظر لأي مكان يتواجد فيه آدم رغم أنها كانت تشعر بنظراته تخرق ظهرها ، كانت تبتسم وتتبادل الأحاديث مع أصدقاء العائلة ثم وأخيراً بعد ساعة تقريباً من التمثيل استطاعت أن تخلو بنفسها بعد أن ودعت آخر الضيوف ،، ما أن أغلقت باب غرفتها حتى خلعت ابتسامتها وتركت الفرصة لدموعها كي تعبر عن ألمها وتحطم قلبها .



قراءة ممتعة..
يتبع...

على بحر يافا(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن