مُلحق الفصل الحادي عشر

2.5K 135 2
                                    

أم سيئة
ملحق الفصل الحادى عشر – على بحر يافا

"هل أنا أم سيئة؟" فكرت في هذا أمل وهي تنظر لابنتها تدخل إليها بعد خروج آدم ، شاحبة الوجه في محاولة للابتسام ، يبدو أن رؤية آدم جلبت لها الذكريات المزعجة لليلة خطوبتها ،، "هل أخطأت بمسامحته؟" فكرة أخرى راودتها ، آدم رغم كل شئ ابنها ، هي لم تنجبه حقاً ، ولم تكن معه خلال سنواته السابقة ، لكنها تحبه ، تحبه كأنها قضت عمرها ليلة بليلة في تربيته ، وهي وحدها تعرف كم يمكن أن يكون متطرفاً حول كل ما يهتم به ، ويافا هي الشئ الأكثر أهمية في حياته ، كانت ترى هذا من خلال نظراته وارتباك وجهه كلما تواجدت يافا في مكان ما معه ، خمنت أنه يحبها ، ولربما تمنت أيضاً في سرها أن يطلب يدها ، لكنه لم يفعل ، بدلاً عن ذلك وجدتهما دائماً يتشاحنان بنظراتهما ، يتحديان بعضهما ، حتى ذلك اليوم الذي دخل آدم إليها فزعاً وهو يقول بأن يافا سقطت في البحيرة ، شحوب وجهه ، تلكؤ كلماته ، حركاته العصبية كلها دلت على أن ما يكنه لابنتها شيئاً أكبر من إحساس الأخوة ، لكنها بالطبع عرفت أنه لن يعترف بذلك ، فآدم يخاف الحب ، وكان دائماً يقول لها أنه لولا لطف القدر بوالده لكان الآن ما يزال جسداً خالياً من الروح يجري وراء ذكريات حبه لها ... نظرت أمل ليافا "هل سيأخذها مني؟" الفكرة انسلت لعقلها فجعلتها ترتجف ،، إبراهيم حطم حياتها بكل طريقة ممكنة وهي تعرف تماماً أنه لن يتوانى في الاستمرار بذلك ، يافا وحدها الضحية ، وهي أمل مسؤولة عن ذلك تماماً ، انحنى رأسها بعذاب فكري ، لو أنها لم تحب أحمد ، لو أنها ما انتقمت منه بزواجها بإبراهيم ، لو أنها تركت لإبراهيم نفسها ، لو أنها لم تغضب من اكتشافها أنها مجرد شرط في صفقة ، لو أنها لم تحيي ذكرى الحب القديم باسم يافا ،، لربما كانت يافا الآن بخير ،، عقلها أجاب على سؤالها الأول "نعم أنتِ أم سيئة" بالطبع هي أم سيئة ، لعد عرضت ابنتها لكل أنواع المخاطر ، تركتها لسنتين تحت رحمة إبراهيم وهي تعرف ما ينتظرها ، ثم نستها تماماً عندما دخل أحمد حياتها ، ببساطة لقد تمسكت بفرص السعادة دون أن تبالي ما قد يؤثر على على حياة ابنتها ، حتى عندما وافقت على هروب يافا كان هذا لأنانية منها وليس تخليصاً لابنتها من برود إبراهيم ، لقد كانت أنانية وأرادت أن تحظى بها ، أن تجمع كل أحبائها حولها ، أن تؤسس عائلة جديدة متناسية جبروت الرجل الذي كان زوجها ،، "إبراهيم" مر اسمه كفكرة في رأسها ،، عندما رأته لأول مرة حبست أنفاسها لوسامة مظهره ، للصرامة والقوة والهيبة التي تشع من كل عضلة في جسده ، ومن كل نظرة في عينيه ،، يومها دفعت بالقوة صورة أحمد عن مخيلتها وقررت أن تواصل حياتها ، هي تعترف أنها لم تنظر إلى إبراهيم إلا نظرات ترقب وخوف ،، لكنه لم يكن خوفاً منه إنما خوفاً من نفسها ، من حماقاتها وذكرياتها وجروحها التي يمكن أن تدمر زواجهما ،، تعاملت معه بحذر كما يتعامل طبيب مع مرضاه ، حاولت أن تكون لطيفة لكنها في النهاية بدت باردة وخالية من الحياة وإبراهيم شعر بذلك ، فتحول الدفئ الذي كان يعاملها به إلى برود مماثل أو أشد ,, مرت الذكريات في رأسها كنهر من النار تحرق أعصابها المنهارة ، ليلة خطوبتها ، ليلة عرسها ، جسدها المزرق تحت وقع الكدمات التي تركها عليه بعد أن أخذها عنوة ، البرود الذي عاملها به ، الخوف الذي عاملته به ، اليوم الوحيد الذي استقرت في حضنه باكية ، تشعر لأول مرة بحنانه واهتمامه، ثم اكتشافها لأوراق صفقة الحديد ، لقد جعلتها هذه المعرفة تشعر كأنها دمية ، لا قلب لها ولا إحساس , هكذا رآها إبراهيم وأبوها ، وهي على هذا الأساس صارت تتعامل ،، وكانت تهرب إلى أحاسيسها مع أحمد فقط ، مع الرجل الذي أعطاها حباً وحناناً بلا حدود ، مع الشخص الوحيد الذي أشعرها أنها إنسانة حقيقية ،، لذا عندما حظيت بيافا كادت تقسم لنفسها أنها حظيت بها وفاءً لذكرياتها ، وأنها جاءت أنثى لأن أحمد أرادها أنثى ، وكان لا بد أن تسميها يافا ، إكراماً له .. وهي بذلك دون أن تدري حطمت حياة ابنتها ، فها هو الوالد يكره ابنته لاسمها ، وينوي أن يتخذها وسيلة انتقام منها ، هل ستحتمل إذا ما جرى لها شئ؟ هل ستحتمل أن تدخل يافا في لعبة إبراهيم القذرة معها؟ هي تفضل الموت أولاً ! ... انتبهت لدخول أحمد فأشرق وجهها كما في كل مرة تراه ، نظرت إليه وخفق قلبها .. هل سيتوقف يوماً قلبها عن حبه؟ أبداً أبداً .. فهو لا ينبض إلا له ، لقد كُتب عليها أن تحبه منذ أن عرفت معنى الحب ، وهي لا تعرف للآن إن كان حبه لها رحمة لها أم عقاباً ،، نظر إليها بعينين من عسل ذائب ، وتذكرت المليون مرة التي نظر إليها بتلك الطريقة والمليون مرة التي ذاب قلبها لنظراته ،، سمعت خطوات يافا تخرج من المكان بعد أن قبلها أحمد على جبينها ، أحمد يحب يافا بجنون ، وأحياناً تظن أنه بدأ يحبها أكثر منها هي شخصياً ،، كان ينظر إليها كأنها مصدر فخره وكأنها الحلم الذي أصبح حقيقة ،، اتجه إليها بعد ذلك بخطوات هادئة ، ذكرتها بخطوات نمر ، ابتسم لها ابتسامة عابثة وهو يقول "هيا يا دلوعة ، ألم تكتفي من إرعابي بعد؟" ابتلعت ريقها ، كيف ستخبره بلقائها بإبراهيم، من المؤكد أن القلق والخوف سيستولي عليه ، يكفي ما سببته له من قلق بسقوطها المفاجئ فاقدة الوعي ، نظرة واحدة إلى عينيه لترى القلق يطل من أعماقهما رغم التعبير المرح فيهما جعلها تقرر أنها لن تقول شيئاً حتى عرس يافا على الأقل .. ابتسمت له "حبيبي" ،، قبل جبينها فشعرت بكل عصب منها ينتفض ، تعلقت بكتفه وهمست "أحمد" ثم تنهدت بارتياح وهي تتنشق عطره يعبر إلى كل حواسها فيخدرها ،، همست مجددا "أحمد" شد يديه حولها فاستقر رأسها على صدره "هنا بيتي" فكرت بحب ،، وتلاشى كل شئ من أمامها ، هي الآن مجرد عاشقة في الواحدة والعشرين من عمرها تنام في حضن الرجل الذي تحبه أكثر من أي شئ في حياتها ،، قبلة أخرى من شفتيه استقرت على خصلات شعرها المبيضة ،، تمتم "أحبكِ أمل" قلبها خفق بسرعة حتى كاد يخرج من صدرها ، هذه الكلمة وحدها كفيلة بأن تجعل كل جراحها تلتئم وتبني كل ما تهدم .. كيف يمكن لهذا الإحساس الرائع أن يكون خطئاً؟ كيف يمكن أن يكون سبباً في تدمير حياة أناس آخرين ، كلا لا يمكن ،، فهذا الحب نقي جداً، وقوي جداً .. أفلت السؤال من عقلها إلى لسانها دون أن تستطيع منعه "هل ستحبني دوماً؟" كانت خائفة من شبح إبراهيم أن يحطم حياتهما وحبهما .. أجابها بلا لحظة تردد "لحين أبد" سالت دموعها ودفنت رأسها في صدره أكثر "أحبك، أحبك" ...
لم تعرف أبداً كم سيكلفها هذا الحب ، وكم سيكلفه ، لم تعرف أبداً أنها ستكون لعنة الرجل الذي تحب بدل أن تكون نعمته ،، كما كانت دوماً لعنة إبراهيم ، ويافا .. !
بعد دقائق غفت في حضن أحمد ،، بينما كان هو ينظر إليها كما ينظر المؤمن لمكانٍ مقدس ،، بحب وخشوع وتضرع ،، ثم طبع قبلة على جبينها وهو يضع رأسها بحذر على الوسادة ، ليجلس بجانبها يراقبها تتنفس بانتظام وتنام بسلام
!

قراءة ممتعة..
يتبع...

على بحر يافا(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن