الفصل الأول
وقع أقدامي الخفيفة جعلها تستفيق ، شعرتُ ببعض الذنب ،، فقد كانت تبدو مرتاحة جداً أثناء نومها ومُسترخية .. مثلَ ملاكٍ بريئ شاحب اللون حد الشفقة ،، عندما نظرت إلي انفرجت شفتاها التي ابيضت تحتَ تأثير المرض بانحراف يشبه الإبتسامة ، بادلتها ابتسامتها وانا أقتربُ منها قائلة بصوتِ وضعت كل رقتي فيه : "نهاركِ سعيد أيتها الجمال النائم" ... للحظة مر تعبير قاتم على وجهها ،، تعبير مثقل بالحزن ،، كأن ذكر الجمال بدا كذبة في نظرها .. إذ انها تظن أنها يمكن أن تُوصف بكلِ شئ سوى الجمال ... تحطم قلبي لأجلها ،، خصوصاً عندما حاول وجهها أن يُشرق بابتسامة أعرض وهي تهمس "سارا من الجميل أن تكوني أول شئ أراه في هذا النهار المُشمس ،، تبدين كشمسٍ أخرى .. أكثر دفئاً" كلماتها التعبيرية كانت رائعة ، كانت تروقني طريقة وصفها للأشياء ،، فكرت أنها ربما تحب قراءة الشعر ، رغم أني لم أرها تقرأ أبداً ،، أجبتها بضحكة "عليكِ أن تُخبري خطيبي بهذا ،، لعله يعرف أي كنزِ لديه" ،، ضحكت بخفة وباستمتاع جعلني أستمتع أنا الأخرى .. أخبرتني "أحضريه هنا مرة ، سأجعله يعرف أي هِبة وقعت عليه من السماء" ... لم يرني أحد بهذه الطريقة من قبل ، ولم أوصف يوماً بالهبة،، كنت دوماً ملاك .. ملاكاً للرحمة طبعاً بحكم عملي .. لكن أن يجدني أحدهم هدية سماوية .. بدا أمراً جميلاً جداً على الأقل بالنسبة لي فقد كان رائعاً أن أرى نفسي من خلال عيونها الطيبة وإحساسها المرهف ... حتى وهي في قمة شحوبها ، ومرضها ... بدت جميلة ، أجمل من أن تكونَ وحيدة ، أجمل من أن تكون على شفا الموت ،، لم يزرها أحد منذُ أن دخلت هذهِ المُستشفى ، لكنها كانت كلما استطاعت النهوض . تذهب عند النافذة وتنظر إلى البعيد كأنها كانت تنتظر شخصاً ما ، منظرها بعد ساعة أو اثنين من هذا التأمل البعيد كان يصيبني بألم كبير ، فهي تبدو بعد فترة من الانتظار محنية الكتف كأنها خائبة الأمل ،، بشكل يجعلها تبدو مُحطمة ،، لكنها ما أن ترى أحداً يُقبلُ عليها حتى يعتدل كتفاها ثانية وترتسم ما تحاول أن تجعله يبدو كابتسامة على وجهها .. وتتكلم بتوهج قدر استطاعتها ... كنت اعرف أنها تعاني ،، ليس من المرض فقط .. بل كانت معاناة من نوع آخر ، معاناة عاطفية ، ولكم تمنيتُ أن أخفف عنها ،، هناك شئ ما يشدني إلى جسدها النحيل وقامتها الضئيلة ،، كنت أشعر برابط غريب .. كرابط الأخوة أو الدم بيني وبينها ،،، انا أحب كل مرضاي ،، لكنها كانت مميزة .. ومحببة إلى القلب بشكل رائع ، ومشرقة قدر ما تستطيع ،، لم تشتكي يوماً من الحقن ، من الأدوية ، من العلاجات الكيماوية ، من شعرها الذي تساقط بكميات غزيرة ، من شحوب بشرتها ، من عدم قدرتها على الوقوف بعد كل جلسة علاج كيماوي ،، كانت شجاعة ، وقد أحببتُ هذا فيها جداً ،، انتشلني صوتها من أفكاري وهي تَهمس: "هل يُمكنني أن أحصلَ على كوبٍ من الشوكلاتة الساخنة؟" أجبتها على الفور" بكل تأكيد،، سأذهب لإحضاره فوراً" ، إبتسمت لي بامتنان" أوه ساره ، أنتِ فعلاً ، ملاك رحمة" كشرت لها بابتسامة عريضة ورسمت دائرة وهمية فوق رأسي ،، فضحكت بعمق .. بينما خرجت أنا لأحضر لها كوب الشوكولاتة ... عندما عدت كانت تُحاول النهوض فوضعت كوب الشوكولاتة على المنضدة على عجل وسارعت لمساعدتها ،، جعدت أنفها وهي تقول: "بطارياتي تنفذ" ثم ضحكت ... لكنني لم أستطع أن أضحك ،، فقد استطعت أن أرى الألم المختبئ بين طيات هذه الجملة الساخرة ، كانت تعرف أنها ستموت قريباً ،، رغم كل ما يحاوله الأطباء معها ،، كانت موقنة من النهاية ، لكنها رفضت أن تستسلم .. إنها أشجع من أن تستسلم ... استقرتْ على المقعد القريب من النافذة المطلة على الخارج ،، وطالبتني بلطف بكوب الشوكولاتة .. وعندما سلمته لها احتضنته بكلتا يديها بحنان وقربته إلى أنفها وهي تبتسم ،، بينما اشتعل وجهها بحمرة دافئة ، ساورني بعض الشك أن تكون حمرة ذكرى منبعثة من ماضيها لا بخار الحرارة المنبعث من الكوب .. انسحبت بهدوء تاركة لها مساحة الإنفراد ،، وعندما عدت لأتفقدها بعد ساعتين كانت لا تزال تنظر إلى الخارج ،، أناملها تطرق ببطئ على مسند الكرسي الخشبي المريح،، وملامح الكآبة بادية على وجهها ،، عندما شَعرت بدخولي لم تبتسم كعادتها بل نظرت إلي مطولاً قبل أن تقول "سارا ، هل تسدين إليّ معروفاً" فأجبتها بسرعه" بكل تأكيد" ،، نظرت نحو الخارج لبرهة ثم سحبت نفساً عميقاً وهمست " أريدك أن تذهبي إلى مكان إقامتي ، تجلبين منه بعض أشيائي" ، تفاجأت جداً فهذه أول مرة منذ خمس شهور تأتي على ذكر المكان الذي كانت تقيم فيه ، وشعرت بفضول تام ، ورغبة مماثلة لفضولي لمساعدتها أخبرتها" بالتأكيد ، أعطني العنوان وأخبريني بما تحتاجين إليه وسأحضره لكِ" ابتسمت لي بامتنان وهي تقول "شكراً لكِ جداً ،،، سأكتب لكِ العنوان والأشياء التي أريدها" سحبت ورقة وقلم من الدرج القريب منها وبأصابع مرتعشة ضعفاً بسبب المرض كتبت العنوان والأشياء التي تريدها ... وسلمتني الورقة،، نظرت إلى العنوان المكتوب في الورقة فتفاجأت ، كان الحي الذي تسكن فيه حي راقٍ جداً ،، لا يسكنه سوى صفوة المجتمع ، اما الأشياء التي طلبتها فقد كانت ، حاسوبها الشخصي ، هاتفها . هل قررت أن تتصل بأهلها؟ أن تعيد ارتباطها بالعالم الخارجي الذي سلخت نفسها عنه يوم دخلت هنا؟ كنت أتمنى أن الاجابة هي نعم من كل قلبي ... فقد كنت أتضايق لرؤويتها وحيدة .. ومنكسرة بهذا الشكل المفجع ... من ضمن الأشياء أيضاً كانت دفتر أخضر.. فرفعت إليها بصري متسائلة "دفتر أخضر؟" أخبرتني بهدوء "نعم تزينه زهرة مجففة وردية اللون،، ستجدينه تحت وسادتي ... " أومأت برأسي ثم أخبرتها "سأذهب حالما تنتهي نوبة عملي ، وساحضر لكِ هذهِ الأشياء غدا" من نفس الدرج الذي أخرجت من الورقة والقلم سحبت رزمة مفاتيح فصلت مفتاح عن باقي الرزمة وسلمته لي "هذا مفتاح الشقة .. الشقة رقم واحد في الطابق الخامس في المبني ـ بي ـ " ثم أردفت وهي تسحب محفظة نسائية من الدرج نفسه وتسحب منها بطاقة الكترونية سلمتها لي "ستحتاجين هذه أيضاً لدخول المبنى" .. وضعت المفتاح والبطاقة في جيب ردائي الطبي" حسناً ، سيكون ما طلبته موجوداً لديكِ بحلول الغد" .. ابتسمت لي بإشراق وامتنان "سارا ، أنتِ ملاكي المُنقذ ،، شكراً لكِ جداً" وقبل أن يتسنى لي الرد نظرت إلى البعيد وانحنى كتفيها في حركة انكسار أذابت قلبي حزناً عليها بينما همست "عندما نكون بلا مستقبل فنحن نتمسك تماماً بالماضي" ورغم تألمي لألمها لكنني لم أستطع منع نفسي من القول "لكنكِ لم تتحدثي أبداً عن ماضيكِ " التفتت إليّ كأنها لا تنظر نحوي بل من خلالي وهمست بانكسار"ذلك أنني كنت أؤمن بوجود مستقبل لي" تقدمت خطوة منها في محاولة للتخفيف عنها لكن مسحة الحزن تلاشت من على وجهها واعتدل كتفاها وأشرق وجهها بتعبير سعيد كاذب "والآن ماذا ستقدمون على العشاء، أرجوكِ لا تخبريني أنني سأتناول حساء الخضار، فأنا لست على استعداد أن أستبدل ما تبقى من الدماء في عروقي ،، بحساء يا سارا " ضحكت رغماً عني للتعبير المشاكس الذي ظهر على وجهها الشاحب وفكرت بأنها كانت صاحبة نكتة ، كانت مرحة بلا شك ،، طمئنتها "حساء دجاج" رسمت ملامحَ بؤس كاذبة على وجهها "آه ، رائع ،، سينقلب المكان إلى مزرعة دواجن هذا المساء" بضحكة أخرى أجبتها "يبدو هذا" وانسحبت من غرفتها لأكمل جولتي التفقدية لباقي المرضى.
عندما قاربت الساعة على التاسعة ليلاً كنت متجهة إلى العنوان الذي أعطتني إياه ، كان الفضول ينتابني لأرى سكنها ، فلربما المكان سيفصح عن شئ ما من شخصيتها ، وحياتها التي ترفض أن تتحدث عنها،، كانت تتعامل كأنها امرأة سقطت من اللامكان على أعتاب المستشفى ، خمسة شهور ، لم أعرف منها سوى اسمها ، وسنوات عمرها التي لم تتجاوز الرابعة والعشرين وحالتها الصحية التي تسوء كل يوم.. توقف الباص ،، فترجلت منه وأكملت المسافة الباقية إلى المبنى الذي تسكن فيه بدى المبنى ضخماً جداً ، ومترفَ التصميم ، كان المبنى من الداخل فسيح وتعبق منه رائحة الورود ،، المرايا كانت منتشرة بترتيب على كل جدار .. على اليمين كان هناك مكتب صغير يجلس خلفه رجل أمن وعندما شاهدني أدخل سألني من أكون وماذا أفعل فسلمته بطاقة المستشفى وهي الهوية الوحيدة التي أحملها ، عندها سألني عن رقم الشقة والطابق وعندما أخبرته اندهش وسأل "شقة السيدة يافا؟" أجبته بالإيجاب فقال "لكنها ليست موجودة" فأخبرته أنني جئت بطلب منها ،، وبما أن ضابط الأمن لم يقتنع فقد اتصلت بالمستشفى وأوصلوني بهاتف غرفة يافا فتكلمت مع حارس الأمن الذي استقبلها بفرحة كأنه يستقبل صديقاً قديماً وبادرها بالقول" أهلاً يا فنانة" نظرت إليه باستغراب وأصغيت إلى الحديث المختصر .. إذ يبدو أن يافا لم تشعر بالارتياح على الطرف الآخر ،، أنهى المكالمة وسلمني الهاتف وقال "تفضلي" وقبل أن أبتعد سألني "هل هي بخير؟ لماذا هي في المستشفى؟" أخبرته بحيادية "متوعكة قليلاً" مسحة حزن مرت على وجه حارس الأمن وهو يتمتم " السيدة يافا لا تستحق أن تمرض" وافقته في داخلي .. فهي أجمل وألطف وأرق من أن تمرض فكيف أن تموت؟ احتفظت بأفكاري وألقيت نحوه ابتسامة وابتعدت،،، إلى اليسار كان هناك مصعدين متجاورين استقرت بينهما طاولةٌ مزخرفة استقرت فوقها لوحة جميلة الألوان.. تأملت اللوحة للحظة ، الوصف الوحيد الذي خطر لي لهذهِ الألوان الدافئة المتشابكة هو مُبهج ورقيق ، لا بد أن الفنان الذي رسمها كانَ سعيداً ، سعيداً جداً ... وصل المصعد أخيراً، دخلت إلى الحجرة الصغيرة المغلفة بالمرايا وضغطت على الرقم خمسة .. كانت الإثارة تنتابني .. لأني شارفت على دخول عالمها الشخصي ،، انفتح الباب وخطوت إلى الخارج .. بضع خطوات أضعتها في محاولة معرفة اتجاه شقتها ،، حتى وجدت رقم واحد يستقر على لوحة صغيرة أنيقة فوق بابٍ أبيض ، مددت يدي بالمفتاح إلى مقبض الباب وفتحته .. ثم أخذت خطوتين إلى الداخل ، وتلمست الجدار بحثاً عن مفتاح الإنارة وحين وجدته كبست عليه فامتلأت الشقة بالضوء .. وشقهت ، كانت الشقة رائعة .. بكل ما فيها رائعة .. تماماً كشخصية ساكنتها .. في الممر الضيق المفضي إلى غرفة جلوس واسعة ،، ترامت بضع مزهريات جميلة .. يستقر في المسافة بين واحد وأخرى عدد من الشموع ذات الرائحة العطرة .. كان البيت يعبق برائحة الياسمين،، على كلا حائطي الممر استقرت لوحتين .. تتناسبان مع ألوان المزهريات وتشعان بألوان دافئة ، وحنونة ... كتلك اللوحة في بهو المبنى ...
خطوت إلى الداخل نحو غرفة الجلوس .. كانت الأرائك بلون أزرق سماوي ،، تنتشر عليها وسائد بلون حليبي .. وأخرى بلون أصفر منقوش بزهور سماويةٍ وخضراء .. شاشة تلفازٍ كبيرة استقرت على منضدة من الخشب بينما استلقى عدد من الكتب في رف على الجدار .. النوافذ الواسعة التي تفضي إلى شرفة جميلة كانت مغطاة بستائر حليبية اللون ،، مخرمة .. كان البيت مرتباً بشكل يوحي بالدفئ واللطف والحب .. عندما استدرت واجهني حائط مغطى بصور كثير .. داخل إطارات خضراء وأخرى سماوية .. اقتربت بفضول عندها أفلتت مني شهقة أخرى ،، هذهِ صورها ،، مذ كانت صغيرة ،، بدت جميلة بشكل يقطع الأنفاس .. خصلاتها البنية كانت طويلة جداً تعانق خاصرتها .. في معظم صورها كانت مبتسمة .. نفس الابتسامة الجميلة المرحة منذ الطفولة وحتى الآن ،، تراكضت عيناي على الصور حتى استقرت بصدمة على صورة لها .. كانت تطوق خصر رجل بذراعها بينما لف كتفها بذراعه وكانا ينظران إلى بعضهما ويضحكان .. الرجل كان طويل القامة حالك الشعر وله ضحكة جميلة .. هذا ما تبين منه .. كانت تضحك له ضحكة مختلفة ، خاصة ... وتسائلت في نفسي عن هوية الشخص وأين هو الآن .. لماذا هو ليس معها في هذا الوقت الحرج .. نفضت رأسي وتذكرت فجأة لماذا أنا هنا ... فتوجهت إلى الغرف الأخرى لأبحث لها عن أشيائها .. فتحت باب إحدى الغرف فكانت مكتب .. بدا المكتب معتم جداً بالنسبة لألوان البيت الفاتحة المضيئة ،، فالأثاث كان من الخشب الأسود ،، والأرائك كانت جلدية بلون رمادي كلون الدخان .. على الحائط تعلقت بندقية صيد .. وفي ركن ما استقرت مكتبة ضخمة ..المكتب بدا لي موحشاً جداً ولا يشبهها أبداً .. كان ذا طابع رجولي خشن .. اتجهت إلى المكتب حيث استقر حاسوب محمول على سطحه .. عندما اقتربت لآخذه .. انتابني الفضول لأرى الصورة التي تعطيني ظهرها مواجهةً المقعد الجلدي الفخم خلف المكتب حملت الصورة المؤطرة وأدرتها لتواجهني عيناها المبتسمة بإشراق حتى تهيأ لي أن المكتب أصبح أكثر دفئاً .. كانت تقف تحت شجرة تفاح في يومٍ مشمس .. خصلاتها البنية تستلقي على كتفها الأيمن .. وكانت تبدو ... مختلفة .. لم تبدو أكثر صحة من الآن فقط بل كانت تبدو .. أسمن .. نظرت لثوانٍ أخرى نحو الصورة ثم أعدتها لمكانها تناولت حاسوبها وخرجت بحثاً عن غرفة النوم لأحضر دفترها الأخضر كما وصفته في قائمتها .. الغرفة الأخرى كانت غرفة النوم .. بدت كغرفة الجلوس دافئة ولطيفة ومرحبة .. السرير الأبيض الكبير كان مغطى بشراشفَ بيضاء ناصعة .. الوسائد كانت بيضاء منقوشة بأزهار حمراء جميلة .. على منضدة الزينة تناثر بعض عطورها وأدوات زينتها بجانب السرير كانت هناك صورة لها مع ذات الرجل .. ولكنهما كانا بملابس الزفاف .. اتسعت عيناي.. يا إلهي إنها متزوجة .. فستانها الأبيض وطرحتها أعطتها مظهر ملائكي والرجل بجانبها كان عابساً قليلاً .. هي لم تبدو في قمة سعادتها كذلك .. كانت ابتسامتها أقل إشراقاً من باقي الصور .. مددت يدي تحت الوسادة أبحث عن الدفتر فاصطدمت أصابعي به سحبته ونظرت إليه .. كان الغلاف أخضر وعليه بضع زهور مجففة .. وكان معبئاً كما يبدو بالأوراق والصور .. أردت أن أنظر فيه لكنني تمسكت به ومنعت نفسي .. بجانب صورة زفافها كان هاتفها المحمول أخذته أيضاً .. وخرجت من الغرفة وكان في نيتي أن أخرج من البيت كله فقد عبثت فيه بما فيه الكفاية وخجلت من نفسي .. ولكنني ما أن خطوت نحو باب الشقة حتى سمعت صريراً ما لباب يفتح ... تراجعت لأنظر ماذا هناك .. فشاهدت باب الغرفة التي لم أفتحها قد فتح ربما حين أغلقت باب غرفة النوم المجاورة له اهتز الباب وفتح .. فضولي كان أقوى من أن أغادر .. فاتجهت نحو الغرفة ودفعت الباب وكانت شهقتي الثالثة .. غرفة طفل! .. طفلة ربما .. إذ كان ورق الجدران زهري اللون .. وسرير الطفل الذي كان يتوسط الغرفة بجانب النافذة كان زهرياً أيضاً .. هل لديها طفل؟ يا إلهي ! حينما أتيت إلى هنا لم أعرف كم ستفاجئني بحياتها .. على الحائط استقرت صورتها تشبه الصورة الموجودة في المكتب لكنها مأخوذة بوضع طولي .. كانت ترتدي ثوباً فضفاضاً وتمسك بطنها المنتفخ .. وتضحك .. الآن عرفت لماذا بدت مختلفة .. بدت أسمن قليلاً .. ذلك أنها كانت حامل .. أين هو طفلها؟ أين زوجها؟ ماذا حدث لها؟ الأسئلة كانت تتدافع إلى رأسي بجنون.. حملت أشيائها وهربت إلى خارج الشقة .. كنت أتمنى أن أعرف شيئاً عن حياتها ولكن ما عرفته جعلها أكثر غموضاً بالنسبة لي !
في تلك الليلة لم أنم جيداً ، أثارت شقة "يافا" فضولي وتساؤلاتي بدل أن تشفيها .. كانت لها حياة جميلة كما يبدو ,, متزوجة ولديها طفل فأين هما ، ما الذي حصل لها لتواجه مرضها وحيدة بلا سند ولا عائلة ، أين عائلتها؟ زوجها هذا ألا يملك من الرحمة ما يكفي ليقف إلى جانب زوجته في هذا الوضع المؤلم ، وطفلتها الصغيرة أين هي ؟ ألا تشتاق يافا لابنتها؟ ألا تشتاقُ لزوجها؟ هل زوجها هو الملام أم أن يافا تركتهم ..
الأسئلة ضجت في رأسي وكان دفترها الأخضر أمام عينيّ ، معبئاً بأشياء قد ترضي فضولي.. عندها مددت يدي نحوه ولكني تراجعت وإذا بيدي عند تراجعها ترتطم بالدفتر فتوقعه أرضاً ليتناثر محتواه .. ولأقف أنا فاغرة الفم .. غير مصدقة لما أراه .. !قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
على بحر يافا(مكتملة)
Dragosteرواية بقلم الكاتبة بلقيس علي "مُشتاقة" حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي..