مُلحق الفصل العاشر

2.6K 149 2
                                    

شرط في صفقة
ملحق الفصل العاشر - على بحر يافا

"أمل" ناداها فالتفتت بشكل لا إرادي لتتسع عيناها وتقع علبة التونة التي كانت تتفحصها من يدها وتتراجع خطوة للوراء ليرتطم ظهرها بالرفوف المصفوفة خلفها ،، وهمست بصوتٍ غير مصدق "إبـ... إبراهيم" ، تفحصها قليلاً ، كانت تبدو ذابلة جزء منه شعر بالرضا لأنها ليست سعيدة في حياتها والجزء الآخر شعر بالحزن لأنها لا تبدو كما تعودها أن تكون ، خطوط وهالات جعلت وجهها يبدو أكبر ، كتفاها انحنيا كأن فوقهما جبل من أثقال ، كانت تقف أمامه ، مذهولة ، مصدومة ، مرتعشة ،، كطفل أمسكته والدته وهو يسرق بعض الحلوى بعد أن غسل أسنانه لينام ،، أشفق على منظرها لثواني لكنه عاد وتذكر ماذا فعلت به ، فارتسمت ابتسامة خبيثة على وجهه "أجل إبراهيم يا أمل ،، وهل كنتِ تظنين أنكِ لن تريني وقد سرقتِ ابنتي؟!" الرعب الآن صار جلياً في وجهها ،، وكاد أن يسمع صوت عظامها تصطك على بعضها ، للحظة فكر أن يمد يده ليسندها لكنه تراجع ، همست برعب "أرجوك كل شئ إلا يافا" ،، ضحك بتهكم "ما هذا الاهتمام المفاجئ الذي لم أرَ منه شئ عندما قررتِ أن ترحلي" بلعت أمل ريقها وتوسلته "لقد مرت بالكثير ، أرجوك ، أرجوك إبراهيم" صوت توسلها أوجع قلبه ، لقد بدت ضعيفة جداً وهشة جداً ومصدومة جداً ،، ذكرته بمنظرها قبل أعوام طويلة عندما اقترب منها في ليلة عرسهما،، هز رأسه بلا وعي ، لا هو لن يشفق عليها ، لقد وعد نفسه بالانتقام وهذه فرصته ،، جاءها صوته بارداً "أرجوك ماذا يا أمل؟" تقلصت أصابعها في خوف وهي تمسك بتنورتها "أرجوك أن لا تحاول أخذها ، يافا الآن متزوجة لرجل جيد ،، لقد عقدا قرانهما من أسبوع ، أرجوك لا تقتل فرحتها ، أرجوك .. هي ليست الآن تحت مسؤوليتي أو مسؤوليتك" تصاعد غضبه مع كل كلمة .. لقد وصلته هذه المعلومات من مصادره أيضاً.. يومذاك لم يغضب بل أحس بفرحة ، ابنته كبرت واختارت رجلاً سأل عنه فوجده ممتاز الأخلاق ورغم تحفظه على كون الرجل ليس عربياً لكنه كان سعيداً لأجلها ، أما الآن وأمل تحدثه بتلك الطريقة ، لتخبره أن ابنته لم تعد مسوؤليتهما ، ولأنها هي ورقة الضغط الوحيدة التي يمارسها على أمل لينتقم فقد تصاعد غضبه فصاح بها "أنا لم أوافق على ذلك الزواج ، وأي شئ لا أوافق عليه .. يعد باطلاً !" راقب انفعالات وجهها تمر من التوسل إلى الدهشة إلى الغضب وأجابته بصوت حانق "ومن أنت؟ هل أنت الرب لتقرر الباطل من غيره ، أنت لن تستطيع أذيتها ، هي ليست ملكك ، هي ليست ملك أحد ، وهي ليست تحت جناحك لقد تخطت السن القانونية ، والآن هي في ذمة رجل آخر ، لن تستطيع أن تفعل شيئاً لتغير هذا الواقع ، لماذا لا تتركها وشأنها؟" ضحك ، ضحكة وترت أعصابها "هل تراهنين أنني لن أستطيع فعل شئ يا أمل؟" الرعب والخوف حلّا مكان الغضب في ملامحها واختنق صوتها وهي تسأله بمرارة "لماذا تريدها يا إبراهيم ، أنت لم تهتم بها أبداً " لمعت عيناه بحدة وهو يجيبها بصوت كالسوط "إنها من دمي ولحمي ! .. ولكن بسببكِ لم تكن يوماً ابنتي ، كنتُ دوماً أعرف أنها تنتمي لشخص آخر ، هي كذلك كانت تشعر بنفس الشئ ، كله بسببكِ أنتِ ، لم تكتفِ بقتل علاقتنا بل حطمتِ علاقتي بابنتي ، أنا حتى لا أستطيع لفظ اسمها بسببكِ ،، لماذا أريدها؟ لأنها لي ،، ولن أسمحَ لكِ أن تحققي حلمك مع شاعركِ الأحمق على حسابي أنا .. لن تستخدمي ابنتي لتكتمل صورة حبكما التافه ، يـافــ... ابنتي ملكٌ لي .. وستعود كذلك .. لقد جئت لأقول لكِ يا أمل ، أنكِ لن تفوزي أبداً بالسعادة ما دمتُ أنا على قيد الحياة ، ليس مع أحمقكِ الشاعر وليس مع ابنتي .. أبداً ،، أبداً" شهقت بدموعها وهي تنظر إلى ملامح وجهه الممتلئة بالغضب بينما استدار على عقبيه واختفى من أمامها تاركاً إياها تبكي على أرض السوبر ماركت ... أمر أحد حراسه "راقبها وتأكد أن تصل إلى البيت سالمة" .. أقلقه رغماً عنه منظرها الباكي لذا أراد أن يتأكد أنها ستكون بخير حتى تصل بيتها ،،
عند الظهر استلقى إبراهيم على سريره دون نوم ،، يفكر في كيفية استرجاع ابنته ، ثم سأل نفسه "لماذا لا يترك كل شئ ويعود إلى العراق ، ألا يكفي ما تحطم للآن في حياته؟" لكن صوتاً داخله أجاب "لن ترتاح حتى تنتقم فأنتَ لا تسامح ولا تغفر" نظر إلى جانب السرير الخالي وتذكر تلك الليلة العزيزة على قلبه ، الذكرى الوحيدة الجميلة في حياته مع أمل ، وكم كانت في يوم محزن ، ففي يوم وفاة والد أمل جلست أمل ليلاً على السرير تبكي بحرقة شعرها منتشر حولها كالهالة ، جسدها يرتعش بنوبة بكاء مؤلمة .. عندها اقترب منها وجلس على السرير إلى جانبها وهو يقول "أمل توقفي عن البكاء ، اطلبي له الرحمة" رفعت رأسها إليه بعيون دامعة وشهقت "إبراهيم" ثم رمت نفسها في حضنه وتعلقت بكتفه .. أصابعها تشبثت به كأنه أملها الوحيد في الحياة ،، أحاطها بين ذراعيه وشدها إلى صدره ، لحظتها فقط شعر بكمية الحب الهائل الذي ظن أنه انتهى من قلبه ،، أصابعها انزلقت على صدره وهي تدفن وجهها بين كتفه ورقبته وتبكي ، مسح على شعرها بحنان وقبل رأسها وهو يهمس لها بكلمات مطمئنة ،، فجأة رفعت رأسها إليه وابتسمت من بين دموعها وهي تقول "أنا سعيدة أنكَ هنا" تأملها لدقيقة ثم انحنى يعانقها ، ولأول مرة استقبلت عناقه بترحاب واندست في صدره أكثر ..
أغمض عينيه بألم ، هذه الذكرى الوحيدة لها تتقرب منه وتشاطره الشغف ، في اليوم التالي وجدها ونظرة كره تطل من عينيها تمسك أوراقاً أخرجتها من درج مكتبه وهي تصيح "إذاً لهذا تزوجتني" وعرف عن ماذا كانت تتحدث .. عن صفقة الحديد الكبيرة التي غيرت حياته كلياً ، والتي كان أحد شروطها زواجه من أمل .. وتصور كيف شعرت وهي ترى نفسها توضع كشرط في صفقة .. واصلت صياحها "كنت أعلم دوماً أنك تزوجتني لمصلحة ، لتوثيق الروابط العملية بينك وبين أبي ،، ولكن أن أكون شرطاً في صفقة ! ،، أن تبيعاني وتشترياني بتلك الطريقة الدنيئة .. هذا ما لم أكن أتصوره ،، عليكما اللعنة أنتما الاثنين .. أكرهكما حتى آخر عمري" ثم ركضت هاربة من أمامه بينما أدرك هو أن تفاهم البارحة قد ولى بلا رجعة وأنه ووالدها جرحاها في الصميم .. وهي لن تسامحمهما أبداً ! ..
أيقظه صوت هاتفه من أفكاره .. نظر إلى الشاشة فإذا به الحارس الذي تركه ليراقب أمل ،، خفق قلبه هل حصل مكروه لها؟ أجاب على الهاتف مدعياً الهدوء "ما الأمر ضياء؟" أجابه الرجل "سيدي لقد نقلت السيدة أمل إلى المستشفى ، لا نعرف لماذا بعد" قفز إبراهيم من مكانه وقلبه يكاد يخرج من صدره "أي مستشفى؟" .. أعطاه ضياء العنوان بينما كان هو يخرج مسرعاً من غرفته ، تبعه حرسه .. بعد نصف ساعة كان في المستشفى ، وسأل عن اسمها فأخبروه بمكان غرفتها ، توجه إلى هناك ثم توقف عند باب غرفتها وهو يسمع صوت ابنته تبكي وتتحدث إلى شخص ما .. بالتأكيد لن يستطيع أن يدخل ! .. سمع وقع خطوات قادمة فتراجع ليخفي نفسه في ممر قرب غرفة أمل ،، ثم تلاه صوت الباب يفتح ثم يغلق وأقدام مسرعة تذهب في الاتجاه الآخر .. تحرك من مكانه ونظر إلى الرواق ووجد فتاة قصيرة القامة ترتدي بجامة بيتية تسير بسرعة تبحث عن شئ ما وشعرها يتطاير خلفها ، خفق قلبه ،، هذه ابنته ، يا إلهي كم اشتاق إليها ! ،، مضى ما يبدو أنه قرون لم يرها ، هل اشتاقت إليه؟ على الأرجح لا ، فهي لم تكن تراه تقريباً .. بعد دقيقة من وقفته الشاردة ذهب إلى الطبيب ليتأكد من وضع أمل .. الذي أخبره أنها تعاني من إرهاق .. شعر إبراهيم بالذنب ، لقد كان السبب في انهيارها ،، لكنه لم يقاوم الرغبة في إيلامها كما آلمته ،، ضاق به المكان وشعر بالاختناق فهرب من المستشفى وهو يفكر "ترى هل سأستطيع أن أواصل انتقامي بينما أنا لا أقوى على رؤيتها مريضة حتى؟"



قراءة ممتعة..
يتبع...

على بحر يافا(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن