هذا اليوم لي
رواية على بحر يافاأنهى أبراهيم المكالمة الهاتفية ، لم يعرف هل هو مسرور لمعرفته مكان ابنته أم لا .. كان يفضل أن يفكر أنها هجرته إلى أحضان رجل ما ، على أن تهجره لأحضان أمها ! ، قفزت صورة أمل أمامه فتنفس بغضب ، أمل الوردة الذابلة حتى قبل أن يقطفها منذ زمن بعيد جداً ، تذكر عندما رآها لأول مرة في حفل كان يقيمه والدها وكيف بدت مثل الشمس تضئ المكان ، تماماً كيافـ ... ابنته ، صحح لنفسه غاضباً .. فابنته كأمها تضئ المكان بهالة غريبة ، وهو لن ينسى أن تلك الهالة هي ما أوقعته رأساً على عقب في حب أمل ، أمل الصغيرة التي كانت تنزوي عن الحفل وتقف تتفرج على رواده كما يتفرج طفل غمره النعاس على برنامج بيت الدمى دون أن يركز في شخوصه ، يومها كانت ترتدي ثوباً أسود ، ترفع شعرها بإحكام فوق رأسها بكعكةٍ كبيرة دلت على سمك وطول شعرها ، وجهها كان باهتاً قليلاً لكنه مضئ بكل أسباب الجمال ، خفق قلبه لمرآها وكاد أن يسقط أرضاً وهو إبراهيم الذي لا يهتز، عندما التقت عيناها بعينيه بنظرة لا مبالية حولتها عنه بسرعه دون أن تعلم أنها قلبت بتلك النظرة عالمه ، جاء اليوم كي يراها ، بعدما أخبره والده أن عليه أن يقوي العلاقات مع السيد سامح والد أمل وأن هذه العلاقات لن تتوثق إلا برباط القرابة ، وأمل هي الرباط الوحيد الذي يمكن أن يخلق هذه القرابة ، لذا وبقلبِ رجل الأعمال البارد وبعقله المتزن ذهب ليعاينها ، كما يعاين بضاعة ، وكان يعرف أنه لا شكلها ولا تفاصيل جسدها ولا حتى شخصيتها ستجعله يتراجع عن فكرة الزواج منها ، فهي قبل هذه اللحظة لم تكت سوى صفقة، وها هي صفقته تقف كأفروديت آلهة الجمال الإغريقية بثوبها الأسود ، بوجهها المشع ، بجسدها الرشيق لتسلبه عقله المتزن وتجعل نبض قلبه يتسابق مع أنفاسه المسرعة ، عندما خطى إليها خطوة لم تنتبه هي لها ، وجدها وقد تراجعت إلى الخلف لتصعد السلم راكضة ، تعابير وجهها المتقلصة أنبأته أنها ربما كانت تبكي ، وكره ذلك الإحساس الذي انتابه والذي جعله يتمنى أن يصعد خلفها ويطمئنها أن لا شئ يمكنه أن يؤذيها بعد الآن ، لم ينتظر بعدها طويلاً ، ففي صباح اليوم التالي تقدم طالباً يدها ، وبعد أسبوع قضاه في قلق مزعج على قلبه قبل أعماله جاءه الرد بالموافقة ، ساعتها شعر أنه ملك الدنيا ، تراها أحست بشئ ما نحوه ؟ وإلا لماذا قبلت به ، وبخ نفسه وهو يفكر في الاحتمال الأرجح وهو أن والدها هو من قرر عنها ، في يوم الخطوبة انتزعت أمل كل إحساس من قلبه عندما انكمشت على نفسها تنظر إليه بكره وكأنها تود أن تقتله ، نظرت إليه وكأنه عدوها اللدود ، وتأكد يومها أنها لن تحبه أبداً ، جرت مراسم الخطوبة ببرودة تامة ، قلبه لم يعد ينبض حتى لعطرها الياسميني ، ولجمال جسدها في الثوبِ البنفسجي ولا لشعرها المحلول من عقدته والذي يبدو كستارة من الحرير تستلقي على ظهرها ، جمد قلبه إزاء نظرتها ، وكره نفسه لأنه سمح لها أن تؤثر فيه وشكرها لأنها جعلته يستفيق ، بعد الخطبة بعدة أيام وصلت إليه قصتها مع الشاعر ، وصلت إليه من صديق مقرب لوالدها ، وفي تلك اللحظة مات القلب الذي كان قد تجمد ، وصار يراها كما كان من المفترض أن تكون ، مجرد صفقة ، ربما كان هذ أفضل من الإحساس الذي كاد أن يتمكن منه والذي يطلق عليه اسم الغيرة ، والغيرة حب ، والحب يجب أن يكون متبادلاً ، وأمل لن تبادله الحب ، فقد وهبت قلبها للشاعر وليس له ، هكذا قرر أن يعاملها كما تعامله ، بذات البرود وربما أبرد ، ليلة زفافهما ، كاد الجليد حول قلبه أن يذوب فقد بدت خرافية الجمال ، رقيقة لدرجة أنه ظن إن لمسها سيكسرها ،، عندما اقترب منها أغمضت عينيها بشدة وجاءه ذلك الإحساس البغيض أنها تفكر في شاعرها ، عندما أمرها أن تفتح عينها وتنظر إليه وجد انعكاس ذكرياتها القديمة في عمق عينيها فشعر بالغضب ، وجثم فوق الجليد جليد آخر ، فرماها على السرير وأخذ ما هو ملكه دون مراعاة لها ، تركها بعد ذلك مرمية بين قصاصات ما كان قبل ساعات ثوبٍ نوم أبيض حالم ، وأغطية السرير المبعثرة تنتحب وتتحسس جسدها الذي ظهرت عليه الكدمات في أماكن مختلفة ، هرب من منظرها إلى غرفة الجلوس وعاد إليها بعد ساعتين عندما توقف عن سماع صوت نحيبها ، فوجدها قد استسلمت لسلطان النوم وهي لا تزال على حالها غير أنها تستر نفسها الآن بالأغطية البيضاء ، شعرها كان مبعثر وعلى كتفها –وهو الجزء الوحيد الذي كان يظهر من جسدها– بدت كدمة بشعة بلون أزرق ، منظرها قطع قلبه ، بدت جميلة لكنها مشوهة بآثار وحشيته ، عندها ركع على الأرض بجانب السرير .. أمسك قدمها التي ظهرت من تحت الغطاء وتلمس بشرتها ثم ولأول مرة في حياته بكى ، بكى لأنه حطم كل أمل لهما بحياة جديدة ، وكل أمل له بأن يحظى بقلبها .. بعد ذلك مرت الأيام والسنين ولا شئ تغير ، كانت تقترب منه فقط لأنها بحاجة إلى طفل ،، أو طفلة كما كانت دوماً تصر ،، وعندما ولدت ابنتهما لم تقترب منه بمشيئتها أبداً ! ... هو لا ينكر أنها حاولت في بعض الأحيان التقرب منه لكنه كان يرى في عينيها ذاك الشاعر اللعين ، ويسمع صوت أفكارها حين تتأمل وجهه وتسرح في البعيد كأنها تسأل نفسها "ماذا لو كان هو الجالس أمامي بدله؟" وهذا ما يجعله يستشيط غضباً ويرمي بكل محاولاتها عرض الحائط ،، ويوم اكتشف الحقيقة في ذلك الدفتر الأخضر وعرف لماذا أسمت ابنتهما بهذا الاسم الغريب ، كرهها لأنها شوهت الشئ الوحيد الذي ظنَ أنهما يشتركان به ، ابنتهما! ،، ويوم طالبت بالانفصال هددها بابنتها ولكنها على ما يبدو كانت تريد الخلاص منه بأي ثمن ، لم يعترف أنه هو أيضاً أراد الخلاص منها ومن سيطرتها على قلبه حتى وإن لم يظهر ذلك بل جاهد على المغالاة في عدم الاهتمام حتى لا تشك ولو للحظة أنه قد يكون ربما يحبها وهذا انعكس على ابنتهما ، التي صار يرى فيها أحمد وأمل كلما نظر في وجهها ، فكان يؤلمها ليرتاح ، لينهي عذابه الشخصي ، وليثبت أنه عديم القلب والعاطفة حتى عندما يتعلق الأمر بابنته ، ولأجل هذا تركته ، كان يشعر بأنها ستتركه يومها ولكن أن تتركه لأمل ، خصوصاً عندما تكون الأن قد التقت بحبيبها القديم وتزوجا شئ لا يطيقه ، الغضب الأعمى الآن سيده وسيد أفعاله ، سيفعل أي شئ ، كل شئ ، ليعيد ابنته .. ليحرق قلب أمل ، لينغص عيشها مع شاعرها الملعون .. حان وقت الانتقام ، ولا يهتم بالوسيلة ، المهم أن أمل ستعاني بذات الطريقة التي عانى بها ولا يزال ، سيجعلها تترك أحمد وتأتي إليه متوسلة الرحمة ، ولن يهبها لها ،، عند هذه الفكرة ابتسم بخبث ودخل مكتبه ،، وهو يفكر : يوم لك ويوم عليك ، وهذا اليوم لي
قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
على بحر يافا(مكتملة)
Romanceرواية بقلم الكاتبة بلقيس علي "مُشتاقة" حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي..