أحاسيس
ملحق الفصل الرابع عشر – على بحر يافاشعرت سيلين بتوتر غريب يجتاح جسدها وهي تجلس في المقعد الخلفي للسيارة الفخمة، أحاسيس جديدة تنتنابها ، كادت أن تسخر من نفسها ، هي سيلين الباردة ، ها قد استيقظ فيها شئ نائم منذ الأزل ، والسبب كله يكمن في هذا الرجل الخمسيني ، هي لا تنكر أنها تكره آدم ليس لأنه حطم قلبها ولكن لأنه رماها دون أي تبرير ، وعلمت أن دورها انتهى معه وهي التي عرفته طوال حياتها فأملاك عائلتها بجوار أملاك عائلته في غراس،، آدم بطوله الفارع ودمائه النصف عربية الحارة ، كان دوماً الشئ الذي تود الحصول عليه ، وقد حصلت ،، حتى جائتها فتاة صغيرة لتسرقه منها ، هي لن تكذب على نفسها بأوهام وقوعها في غرامه لكنها اغتاظت لكرامتها ولهذا فقد اجتمعت بإبراهيم ، والد الفتاة ، صاحب المركز والنفوذ ، وزير النفط المرموق ،، منذ أن دخلت إليه جناحه وهي تقول بغنج "بونسوار" وضربتها نظرة عينيه البنية ، ارتعش شئ ما في داخلها ،، كانت ملامحه حادة كملامح الصقر ،، استدارة فكه الحازمة أعطته هيبة جميلة ، قامته الرشيقة التي يبدو أنه يحافظ على لياقتها بشكل جيد أعطته مظهر رجل شاب ،، حتى صوته يحييها بفرنسية طليقة بدا جميلاً وقوياً،، عندما تصافحا ،، لامست بشرتها يد دافئة صلبة ،، جعلت قلبها يفوِّت نبضة،، عيناه الحازمة جالت على مفاتنها ، ثم طلب لها القهوة وراح يناقشها بموضوعية،، كان يكره آدم مثلها ، لكنها لم تفهم أبداً لماذا يسعى لإيذائه وهو يعلم أن هذا سيؤذي ابنته ،، واستنتجت أنه يمكن أن يكون قاسياً جداً عندما يريد ،، في منتصف النقاش هاجمها الصداع النصفي بلا رحمة ،، وكم حاولت التركيز على ما يقوله ،، كتمت جاهدة ألم رأسها النابض ولكنها انكشفت تماماً عندما نهضت واقفة لتودعه فترنحت ،، لتجده قد قفز برشاقة النمر من مقعده ليسندها ويسألها باهتمام "هل أنتِ بخير؟" همست بضعف "أنا ،، أنا .. بخير" لكنه علم أنها لم تكن فأسرع ينادي حارسه ليطلب من إدارة الفندق إحضار طبيب لفحصها ،، أدخلها غرفة النوم التابعة للجناح وساعدها على الاستلقاء وقال بلطف :" أرجوكِ ارتاحي قليلاً ريثما يأتي الطبيب " ،، كان لطيفاً جداً معها ، ومسّ هذا قلبها ،، خصوصاً وهي تراه يتفحصها بقلق ورأسه ينحني فوقها بينما انسابت خصلات من شعره الأسود الذي يتخلله شيب زاد من فتنته لتسقط على جبينه ،، بعد نصف ساعة وصل الطبيب وعاينها وأعطاها دوائاً مسكناً ونصحها أن ترتاح ،، هكذا تركها إبراهيم لترتاح في سرير ،، ودون أن تعلم غطت في نوع عميق ..
عندما استيقظت كان الليل قد حلّ ،،صداعها خف وأصبح بإمكانها أن تشعر بما حولها ،، قرب النافذة كان ظل إبراهيم يقف بكامل قامته المديدة مطلاً على باريس ،، التفت إليها ما أن أحس بحركها وسألها "هل استيقظتِ" .. استعدلت جالسة وهي تقول "أنا آسفة ، عندما يهاجمني الصداع فأنا أفقد إحساسي بالأشياء" اقترب منها وشعرت بابتسامته دون أن تراها "ليس هناك أي مشكلة ، هل أنتِ جائعة ؟ هل أطلبُ لكِ الطعام؟" ابتسمت للطفه ورقة معاملته ، هي سيلين التي لم تنخدع برقة الرجال يوماً ، أعجبتها الرقة في صوته "أوه أنا لست جائعة" أخبرها بحزم وهو يرفع سماعة الهاتف "لكن يجب أن تأكلي ،، أنا لم آكل أيضاً ،، أنا أدعوكِ لعشاء متواضع" وقبل أن ترد راح يتحدث مع خدمة الغرف ،، وهي تتأمله مذهولة بالهيبة الخمسينية لمظهره القوي ،، بعد عشرين دقيقة كانت تجلس أمامه يفصل بينهما طاولة وضع عليها طعام العشاء ، وراحت تتبادل معه أطراف الحديث،، كان متحفظاً جدا فيما يختص بحياته الخاصة لكنه لم يصدها بطريقة خشنة بل حول الحديث في كل مرة بطريقة دبلوماسية ،، اكتشفت أن لهما نفس الميول في الموسيقى والكتب وحتى الهوايات ،، عقله الذكي جارى عقلها ، كانت تستطيع أن ترى نظرات الإعجاب عندما كانت تناقشه بوضع الاقتصاد العالمي ،، وربما أيضاً نظرات التعجب ، وهي تعذره لظنه أنها مجرد لعبة شقراء تحب العبث فالجميع يظنها كذلك ، وهي كانت تحب أن تعطي عن نفسها هذا الانطباع ، لكن مع إبراهيم المرأة الأخرى في داخلها ظهرت ،، وعقلها عمل لجذبه بدل أن تلجأ للوسيلة الأقدم والأسهل وهي جسدها ،، استغرقا في المناقشة حتى أنه أحضر ورقة وقلم وصار يرسم تخطيطات إحصائية ليشرح لها وجهة نظره وهي تؤيده حيناً وتعارضه حيناً ،، كانت مستمتعة جداً ولأول مرة منذ زمن طويل ثم فجأة وبنظرة عرضية لساعة الحائط أدركت كم هي متأخرة وأن الوقت كاد أن يشارف منتصف الليل .. فنهضت معتذرة وهي تقول "لقد تأخرت ويجب أن أذهب" نظرة أسف أرجفت قلبها بانت على وجه إبراهيم الوسيم وهو يقول "للأسف مر الوقت بسرعة" ابتسمت وهي تقاوم خيبة الأمل التي اجتاحتها "فعلاً ، شكراً لحسن ضيافتك ، ومسرورة بالعمل معك" ومشت نحو الباب لكنها تعثرت بطرف سجادة صغيرة وكادت أن تقع لولا أن أسندتها ذراعي إبراهيم فرفعت نظرها إليه لتعتذر لكن الكلمات أبت أن تخرج ، فقد كان يحدق بها بطريقة عاطفية أذابتها ولم تدرك أن عينيها كانتا تشعان بنفس الطريقة ، همس "أتعلمين كم أنتِ جميلة" وقبل أن تجيب انحنى فوقها ليطبع على شفتيها قبلة رقيقة وقوية في نفس الوقت ، ودون أدنى تردد بادلته قبلته ،، كل لمسة ، كل قبلة جعلت قلبها يرتجف وروحها ترتعش ،، ولم تشعر بشئ إلا وهو يحملها نحو السرير الضخم دون أن تجرأ على الاعتراض..
تنفست سيلين بقوة وهي تطل من نافذة السيارة ، كان الأمر كالسحر تماماً ، وكالحلم ، وكالحلم أيضاً كان لا بد أن ينتهي إذ وصلتهما الأخبار أن آدم وخطيبته وصلا إلى فرنسا , وها هي في الطريق إلى غراس لتنفيذ مخطط إبراهيم ..قراءة ممتعة..
يتبع...
أنت تقرأ
على بحر يافا(مكتملة)
Romanceرواية بقلم الكاتبة بلقيس علي "مُشتاقة" حقوق الملكية محفوظة للكاتبة بلقيس علي..