|١٨|مَن سيأخذ حقها؟

5.5K 518 415
                                    

تحذير: يحتوي الفصل على بعض الأفكار والألفاظ الجريئة.

........

الموت مُقدَّرٌ، والفَناء حتميّ. جميعنا موتى ونهايتنا تحت التراب. ولكنّ أسباب نهاياتنا هي الفاصل، أخيرُنا يموت تقيًا، ومَن طُرِد من رحمة الله يموت على معصيةٍ، ولكن هناك مَن كُتِب لهم الشقاء في كل شيءٍ.. حتى الموت.

لوچين المراهقة ذات السبعة عشر خريفًا، عانت الشقاء في حياتها، وكابَدته في موتها أيضًا. أرهقتْها نظرات البشر لجسدها الممتلئ وأتعبها أن السخرية على وزنها كانت تأتيها من أقرب الناس إليها.

والدتها، التي لطالما نهرتْها ومنعتها عن الطعام بكلمات سامّةٍ عن امتلاء جسدها الذي لن ينظر له ذكرٌ ويعجبه هذا الجسد الممتلئ بالدهون الذي يستغرق مساحةً واسعةً، حاولتْ إبعادها عن الطعام ودفعها لممارسة الرياضة وخسارة الوزن بكلمات لاذعة عن كونها قبيحة المظهر ستظلُّ عانسًا طوال حياتها تستقبل السخرية والتنمُّر من الذكور وليس الحب والإعجاب.

وما كان من لوچين إلّا أنْ استمعتْ لكلمات والدتها ومَن حولها بهدوءٍ، تكتم ردود الأفعال بداخلها طوال اليوم، يدقُّ قلبها قهرًا لما تتعرّض له يوميًا منذ عامها السادس حيث بدأتْ باكتساب الوزن الزائد، ولكنّها تدّعي الثبات صباحًا، ثم تُفرغ كل طاقتها السلبية وقهر قلبها ليلًا دموعًا على وسادتها، وربّما تفرغها بتناول المزيد والمزيد من الطعام. فالطعام كان صديقها الوحيد، الذي تحبُّه ولا يشتكي حبّها.. وليس ذنبها أنّها تحب الطعام. جسدها الممتلئ ليس ذنبًا عليها تحمُّله.. أليس كذلك؟

دخلتْ مريم من بوابة مشفى الشروق الخاصّ تركض ودموعها تسبقها، قلبها كان يخفق يريد التحرُّر من خلف أضلُعها هربًا من زِحام الحزن والاختناق بداخلها، بينما عقلها كان مضطربًا، لا يعرف كيفية استيعاب ما سمعتْه من شاهندة بالهاتف قبل أن تخرج من منزلها ركضًا لهذا المشفى وبهذه الساعة المُتأخرة من الليل، لا تستطيع روحها البقاء ساكنةً وقد سمعتْ أنّ صديقتها المُقرّبة تعرّضتْ للاغتصاب. ما أخبرتْها به شاهندة في الهاتف بعد أن رأتْ ذلك المنشور من الصحفيّ عماد بتطبيق الفيسبوك جعلها تشكُّ أنّ الفتاة المقصودة هي ندى، ولكن ما أكّد لها شكّها هي الصورة الموجودة بالمنشور، صورة خالد وهو يحمل ندى الملفوفة بملاءة السرير. ما سمعتْه مريم من شاهندة الباكية تفطرها دموعها ولأول مرةٍ تستمع مريم لهذه النبرة المهتزّة من فتاةٍ قويةٍ غير مباليةٍ كـشاهندة جعلها تدرك خطورة ما حدث لـندى.

وها هي الآن قد خرجتْ من منزلها راكضةً بملابسها المنزلية فوقها سترةٌ شتويةٌ طويلةٌ، وقلبها ينفطر مُسقِطًا المزيد من الدموع، غير آبهةٍ لأمير الذي تبعها للمشفى يسير خلفها كظلّها.. فكل ما كان يهمّها الآن هو رؤيتها لصديقتها سليمةً مُعافاةً لمْ يحدث معها شيءٌ.

لأنني أنثى (الكتاب الثالث) |+١٦|. ✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن