تحذير: يحتوي الفصل على بعض المشاهد الجريئة والألفاظ القوية، مَن يتحسَّس من قراءة مثلها فليتخطّاها بدايةً من إشارات التحذير.
.....الخذلان، الخذلان هو أقسى المشاعر التي قد تنتاب المرء، خاصةً إن كان خذلانًا بعد ثقةٍ، بعد محبَّةٍ، وبعد دهرٍ وعِشرةٍ. فلا سيما خذلان الأبوين لمولدهم، أنجباه، راعاه، كانا إلى جانبه حتى شبَّ، ثم تركاه في أكثر الأوقات التي احتاجهما بها.
أن تأمل شيئًا من شخصٍ ما، تأمل دعمه، مساعدته، أو حتى نصائحه في وقتٍ احتجته به بعد أن عشتما سنينَ من المحبّة والقُرب والأُلفة، ثم يأتي هذا الشخص بكل بساطةٍ ودون تفكيرٍ بخذلانك، يتركك وحيدًا في أشدّ أوقاتك، لهو أمرٌ مؤلمٌ جدًا. الحياة قاسيةٌ، وقلوب البشر أقسى -إلّا مَن رحم ربي-، فلا تأمل شيئًا من أحدٍ، لا تجعل للناس أهميةً ومكانةً قصوى بحياتك، لا أحد سيبقى لك، لا أحد سيُفضِلك على نفسه وأهوائه الشخصية، عِش لنفسك، كُن صديق نفسك، الداعم لنفسك، والوحيد ذا المكانة المهمة بحياتك.
تعرَّضتْ مريم لأقصى درجات الخذلان. أفاقتْ بعد اعتداءٍ آملةً دعم والدتها، تلك المرأة التي أنجبتْها ومهَّدتْ لها طريقها بالحياة، تلك المرأة التي كانت ملجأ مريم الوحيد بعد وفاة والدها في صِغرها. ولكنَّها وجدتْ وجه والدتها يبتعد عنها. لمْ تنظر لها النظرة الحنونة التي احتاجتْها مريم في مثل هذه المواقف، لمْ تطمئنها سوى كذبًا لجعلها توافق على الزواج من أمير، لمْ تمد لها يد المساعدة والعون والدعم الذي كانت مريم في أشدّ الحاجة إليها، بل سحبتْ منها الحياة بقسوةٍ في لحظةٍ تركتْها فيها تُجبَر على الزواج من مُغتصبِها.
وكانت كلُّ رغبة إلهام والدة مريم تتمحور حول الحفاظ على شرفهم، وكأنَّ شرفهم يتمثَّل في غشاءِ عُذريةٍ فقدتْه مريم قهرًا وغصبًا فقط.
بكتْ والدة مريم كثيرًا، تمزَّق قلبها لرؤية ابنتها بهذه الحالة، احتضنتْها بالأمس تُملِّس على شعرها وظهرها بحنانٍ أراح مريم قليلًا وكانت بحاجةٍ ماسَّةٍ إليه. ولكنَّها سلَّمتْها لمُغتصبها على طبقٍ من ذهبٍ في الصباح. تركتْ ابنتها بين يديّ مَن سلبها جسدها ومَن على وشك سلبها حياتها كذلك بأفعاله. فهل كان ألم والدة مريم ودموعها المالحة على ما حدث لابنتها حقيقةً، أم أنَّه كان مجرّد واجبٍ وجَب عليها إظهاره في مثل هذه المواقف فقط؟
على النقيض كانت والدة ندى، التي تعرَّضتْ ابنتها لمثل موقف مريم حتى وإن اختلفتْ الطُرق والأماكن. كلاهما عانتا بشاعة ذكرٍ سيطرتْ عليه شهواته عازلةً الإنسانية والرحمة من قلبه. واجهتْ والدة ندى نفس الموقف مُعرَّضةً لأشدّ أنواع الأذى في ابنتها، عانتْ رؤية صغيرتها مُتألِّمةً نُهِش جسدها بهذه الطريقة. ولكنَّها في المقابل لمْ تصمت، لمْ تهدأ أو تستِكن. كانت خلف الكواليس تهاتف خالد كل دقيقةٍ تسأله عن أي جديدٍ في سعيه للقبض على نبيل، كانت تملأ أذنيّ خالد بكلماتها المُصرِّة على الإمساك بنبيل وانتشال حقّ ابنتها من براثنه. كانت كالجنديّ المجهول في هذه المعركة، أدَّتْ دورها على أكمل وجهٍ بدايةً من عناق ابنتها والاهتمام بها بعد ما تعرَّضتْ له، وحتى الابتسام في وجه ابنتها مُتناسيةً ما حدث لها، لتُشعرها أنّها عادية، طبيعية، لمْ يحدث لها شيءٌ حتى بعدما تعرَّضتْ للاعتداء، لمْ تُحمِّلها ألم الاهتمام بالشرف فوق ألمها، ولمْ تتركها تواجه مُغتصبها وحدها، مُثبتةً أنَّها لمْ تكن لتترك حقّ ابنتها حتى ولو لمْ يكن خالد موجودًا بحياتهم.
أنت تقرأ
لأنني أنثى (الكتاب الثالث) |+١٦|. ✔️
Tâm linhقالوا أنني امرأة، والرجالُ قوّامون على النساء. - الجزء الثالث من رواية (مذكرات مراهقة). - عن قصة حقيقية رُويَتْ من أفواه أبطالها. الجانب الدرامي المُناضل مني: {ندى الشحات}. الغلاف من تصميمي. ما بالرواية من أحداث نقلتُها بعد أخذ الإذن المُثبت من أصحا...