|١٧|كنتُ أكلتُ لحمه بأسناني.

5.5K 458 442
                                    

تحذير: يحتوي الفصل على بعض الألفاظ والعبارات الجريئة.
.......

قراراتنا الخاطئة نتخِذُها في أوقاتنا الضائقة، يائسين لأي فِعلٍ قد يجلب الراحة لقلوبنا، حتى وإن كان فِعلًا خاطئًا.. قلوبنا المُتعلِّقة بقشّة الراحة وسط أكوام الأشواك تجده صائبًا.

شاهندة كانت يائسةٍ لأي شيءٍ يُرِيح قلبها، بعدما هربتْ من أدهم مُستغلِّةً النقود التي حوّلها معتصم لحسابها خادعةً إياه أنّها معونَةٌ لمريم وعائلتها، وجدتْ ملجأً آمنًا في غرفة الفندق الصغيرة تلك كما كانت تظنُّ. بقيَتْ بها طوال الأيام السابقة لمْ تخرج منها أبدًا، امتنعتْ عن كل شيءٍ سوى النوم والتدخين حتى احترقتْ رئتاها والتهبتْ روحها أكثر. بالكاد كانت تأكل من الوجبتين الثابتتين اللتين كان الفندق يرسلهما لغرفتها كما طلبتْ كي لا تضطرّ النزول للمطعم، لمْ تكن تسمح لخدمة الغرف بدخول الغرفة وتنظيفها أو تفتح الستائر عن الشرفة وتسمح لأشعة الشمس بتطهير هواء الغرفة حتى.

كانت أفكارها تأخذها لأكثر المُنعطفات سلبيةً حتى كانت تبكي تارةً إلى أن تجفّ دموعها، ثم تضحك تارةً أخرى كالمجنونة لتعود للبكاء مجددًا، أغلب ليلها كانت تقضيه في دورة المياه الصغيرة بالغرفة بكابينة الاستحمام جالسةً أرضًا وجسدها يغرق بمياه الصنبور أعلاها، لمْ تحضر معها ثيابًا غير التي كانت ترتديها؛ لذلك كانت تبقى لافةً جسدها بالمنشفة إلى أن تجفّ ثيابها ثم تعود لارتدائها مجددًا. أمّا نهارها، فكانت تقضي نصفه نائمةً ترتجف وتحلُم بأبشع الكوابيس النابعة من أفكارها السلبيّة الحزينة، ونصفه الآخر في التدخين والبكاء حتى شحب وجهها بشكلٍ مخيفٍ، امتلأ أسفل عينيها بسُحبٍ من الهالات السوداء واختفى التورُّد بوجنتيها وشفتيها اللتين أصبحتا متشقّقتين من كثرة عضّها لهما بأسنانها تأكل الجلد الميت عليهما، وهذا لمْ يكن مقارنةً بجسدها الذي امتلأ بالحبوب بسبب بشرتها الدُهنية المتأثِّرة بانتكاستها فاقدةً بعض وزنها لدرجةٍ ملحوظةٍ.

كانت شاهندة تموت بالبطئ، وهذا لأنّها سمحتْ لنفسها بذلك.

أرادتْ نسيان حبّها لأدهم، ولكنّ بقاءها بمفردها جعل أفكارها مقتصِرةً عليه فقط حتى أصبحتْ شديدة التعلُّق به.

بلحظة ضعفٍ منها التقطتْ شريحة هاتفها من سلة المهملات ووضعتها بالهاتف مجددًا ترسل تلك الرسائل الأنانية لأدهم، بعينين تذرفان شلالات من الدموع وأصابع ذابلةٍ ترتجف طالبتْه بإراحة قلبها والانفصال عن خطيبته من أجلها، وحينما أجابها أدهم بأنّه سيفعل ذلك لأنّه يريدها سليمةً لا تؤذي نفسها بتلك الطريقة، ازداد بكاؤها وبقيّ جسدها يرتجف بقوةٍ شديدةٍ تضمُّ ساقيها لصدرها تهتزُّ للأمام والخلف هازةً رأسها بقوةٍ نفيًا تتمتم من بين دموعها:

«لا، لا.. أنا أنانية، أنا مش عايزة أحبه. لا.. مش هحبه لا. أنا أنانية.»

استمرتْ بترديد الكلمتين الأخيرتين مرارًا وتكرارًا تهتزُّ بجنونٍ ودموعها تسقط دون سدّ يمنعها وكأنّها تعاقب نفسها على ذلك القرار الذي اتخذتْه تضرُّ نفسها به أكثر من إضرارها لأدهم وسما. بقيتْ على حالتها هذه تهتزُّ دون وعيٍ لما يُقارب العشر دقائق، ثم نهضتْ عن السرير وكأنّ جسدها قد فقد السيطرة على نفسه تتجه لدورة المياه حيث كان الصنبور مفتوحًا بالكابينة قليلًا وقطرات المياه تتساقط منه مثيرةً استفزازها أكثر بصوت اصطدامها بالأرض السيراميكية، نظرتْ لثيابها المُلقاة بأرجاء دورة المياه مبتلّةً، ثم وقفتْ أمام المرآة المستطيلة المُحتلّة للجدار أعلى الحوض بعرض الجدار بأكمله، نظرتْ لوجهها الشاحب بالمرآة ترتدي رداء حمامٍ أبيض على جلدها مباشرةً دون شيءٍ أسفله وشعرها ثائرٌ أكثر حول وجهها الشاحب.

لأنني أنثى (الكتاب الثالث) |+١٦|. ✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن