تحذير: قد يحتوي الفصل على بعض المشاهد الجريئة والألفاظ القوية، مَن يتحسَّس من قراءة مثلها فليتخطّاها بدايةً من إشارات التحذير.
.....تقذِفنا بعض ظروف الحياة وما نتعرَّض له من مآسٍ إلى طُرقٍ مليئةٍ بالأشواك. أشواكٌ تصيب الجزء الحسَّاس من النفس مُسبِّبةً جِراحًا بها قد لا يشفيها الدهرُ بسهولةٍ، قد لا تحتاج للصبر أو التقرُّب من الله فقط، وإنما يحتاج بعضها إلى العلاج النفسيِّ. إلّا أنّ بعض المجتمعات والعقول لا زالت ترى ذا النفس المُتضرِّرة شخصًا يُبالِغ، ينصحونه بالصلاة وأداء العبادات كما اعتادوا إزاحة مشاكلهم. ولا يعرفون أنّ المرض النفسيّ قد يتطلَّب الأدوية والجلسات العلاجية وربما الاستماع للطرف المُتضرِّر وتصديق ما يمرُّ به من آلامٍ معنويةٍ. وإنّما جعل الله الطبّ النفسيّ وألهم أطباءه وعلماءه صُنع أدويته وطُرق علاجه إلّا لأسبابٍ. وهي حاجة المريض النفسيّ لهذه الأدوية والطرق.
ولكن هناك ذلك النوع من البشر الذي قد لا يحتاج لكل هذه الأمور، كل ما يحتاج إليه هو الاستماع فقط، الإنصات لأحاديث مَن يحبُّونه ويتمنُّون له خيرًا وسعادةً، أو على الأقل محاولة التفكير بإيجابيةٍ.
شاهندة كانت بحاجةٍ لطبيبٍ نفسيّ يُخلِّصها من شرور أفكارها وتسابق ذهنها في خلق السلبيات وتذكُّر الأسوأ في حياتها فقط. احتاجتْ لجلسات العلاج والأدوية وربما البكاء والصراخ بما يعتمر نفسها من أوجاعٍ حتى. كانت بحاجةٍ لإدراك ما تمرُّ به، للتفكير بإيجابيةٍ، لمنح الآخرين فُرصًا لإظهار حبِّهم لها، والتخلُّص من تعلُّقها وهوسها بوجود أدهم في حياتها. والأهم من ذلك، كانت بحاجةٍ للتقرُّب من خالقها، لإدراك حدودها الدينية والمُجتمعية كونها مُسلمة الديانة. على عكس ما تفعله الآن.
نظرتْ بجمودٍ لياسين الذي يبتسم لها باتساعٍ وعيناه تلمعان ببعض المشاعر الغريبة وسط الإضاءة الخفيفة في هذه الساعة المُتأخرة من ليل هذا الشارع الهادئ. كان ذهنها يدور بكلماته التي ألقاها على مسامعها ببساطةٍ، أراد منها قضاء ليلةٍ معه ليُنسيها أدهم كما طلبتْ، وسألها إن كانت في شقّته الخاصّة أم في غرفةٍ فُندقيةٍ. معرفتها الوثيقة بياسين الذي يُعتبَر صديق طفولتها وأكثر شخصٍ تثق فيه في هذا العالم منذ وفاة والديها وتعلُّقها بوجوده في حياتها كصديقٍ جعلتْها مصدومةً من طلبه هذا. لطالما علِمتْ أنّ ياسين لا يعتبرها صديقةً كما تعتبره، أحبَّها ياسين كثيرًا لدرجة أنّه أخبرها برغبته في الحصول عليها كزوجةٍ مُستقبليةٍ له. ولكنّها تجاهلتْ حديثه واستمرتْ في معاملته كصديقٍ مُقرَّبٍ لا غير. وكفَّ هو عن إظهار اهتمامه المُبالغ بها مُنتظرًا أن تأتيه ذات يومٍ وتخبره أنّها تقبله كحبيبٍ. ولكنّ ابتعاده عنها خلال السنوات الأربع الماضية بسبب دراسته لإدارة الأعمال والاقتصاد بأحد الجامعات المرموقة في روسيا جعلها تبحث عن شخصٍ آخر لملء فراغ العاطفة داخلها رغم أنّها كانت على اتصالٍ ومحادثات إلكترونية دائمة مع ياسين. كانت تحكي له عن حبِّها لأدهم وتعلُّقها به منذ أصبح سائقها وحارسها الشخصيّ. وكان ياسين يستمع لها بهدوءٍ دون الردّ أو منحها ما تريده من نصائح لجعل أدهم يبادلها مشاعرها. كان يعلم أنّها ستتخطّى أدهم يومًا وتعود له، ولكنّه لمْ يتوقَّع أنْ يحطِّمها موقف تخطّيها لأدهم بهذه الطريقة. كان قد أنهى دراسته بالجامعة قبل شهرين فقط. وقرّر البقاء بروسيا لتطوير دراسته سنةً أخرى، ولكنّه ما إن سمع بما حدث لها من ابن عمّه الأكبر وصديق معتصم المُقرَّب حتى عاد لمصر مُسرعًا للقائها واحتضانها. ومع لقائه لها فور عودته ومعانقتها شعر بالاشتياق إليها، ودون وعيٍ منه، وجد نفسه يقترب منها ويُقبِّلها حينما بكت، تفاجأ مما فعله في البداية، ولكنّ مبادلتها له القُبلة أراحتْه وجعلتْه يتعمّق بها. إلى أن تكرَّرتْ هذه القُبلة بينهما كثيرًا في لقاءاتهما السرية خلال الأيام الماضية، حتى أصبحتْ شاهندة مُعتادةً على ذلك. ولكن.. سؤاله الغريب لها الآن جعلها تدرك قليلًا خطأ فعلها، فربما دفعها للحدود الطبيعية بينها وبين ياسين والسماح له بالاقتراب منها لهذه الدرجة أوصلا له فكرة أنّها قد تقيم علاقةً معه دون زواجٍ. وهذا جعل ملامحها تتحوَّل للغضب خلال لحظةٍ تُبعد يديه عنها. فقهقه هو فجأةً يثير حيرتها قائلًا:
أنت تقرأ
لأنني أنثى (الكتاب الثالث) |+١٦|. ✔️
Tâm linhقالوا أنني امرأة، والرجالُ قوّامون على النساء. - الجزء الثالث من رواية (مذكرات مراهقة). - عن قصة حقيقية رُويَتْ من أفواه أبطالها. الجانب الدرامي المُناضل مني: {ندى الشحات}. الغلاف من تصميمي. ما بالرواية من أحداث نقلتُها بعد أخذ الإذن المُثبت من أصحا...