|٢٥| لن تيأس - النهاية 3.

5.3K 480 333
                                    

تحذير: يحتوي الفصل على بعض المشاهد العنيفة والألفاظ القوية.

.....

«تاخدي نَفَس؟»

مدَّ أمير لُفافةً بنيّة اللون كالسيجارة رفيعةً جدًا لمريم، بعدما استنشق نفَسًا منها ينفث دخانًا خفيفًا من جانب شفتيه مجعِّدًا ملامحه يُغمض عينًا واحدةً تأثُّرًا من قوَّة ما استنشقه للتو. فرمشتْ مريم بتفاجؤٌ من عرضه الغريب هذا تفرُد ساقيها على الأريكة التي تجلس عليها مُقابلةً لشاشة تلفازٍ ضخمةٍ تحتلُّ مساحةً كبيرةً من حائطٍ راقي التصميم على يسار باب الشقة في الصالة الداخلية الواسعة جدًا. كانت تشاهد فيلمًا مصريًا قديمًا من أفلام إسماعيل ياسين على إحدى القنوات، عيناها على التلفاز، ولكنّ عقلها يسبحُ في ما آلتْ إليه حياتها مع أمير منذ شهرٍ كاملٍ.

مرَّ شهرٌ على ذلك اليوم المشؤوم الذي تلى ليلة زفافهما، والذي ختمه بإجبارها على ارتداء ملابس سوداء ساترةٍ جدًا مع غطاءٍ للوجه (نقاب) كخطوةٍ ضخمةٍ لها بعد أن كانت لا تُغطِّي شعرها حتى وترتدي ما تشاء من الملابس سواء كانت واسعةً أم ضيّقةً. ولكنَّها حينما حاولتْ اعتراضه والرفض، انتهى بهما الأمر بأمير يصفعها بقوةٍ فاقدًا السيطرة على نفسه مجددًا، إلى أن رأى الدماء تندفع من أنفها بعد الصفعة ليعود هادئًا حزين الملامح يسحبها لعناقه رُغمًا عنها مُعتذرًا منها يطلب المغفرة ويعِدها أنَّه لن يؤذيها مجددًا بعد هذه اللحظة.

ولكن هيهات، تكرَّر إيذاؤه لها يوميًا، أحيانًا بالصفع وأحيانًا بسحب الشعر وضرب رأسها بقوةٍ بما يجاوره من حائطٍ أو أثاثٍ حتى فقدتْ وعيها ذات مرةٍ، وفي كل مرةٍ يعود لاحتضانها والاعتذار منها متوعِّدًا أنَّه لن يقربها بسوءٍ مجددًا. حتى اعتادتْ مريم حياتها معه خلال هذه الفترة. اعتادتْ وحشيّته كلما رفضت طاعة أوامره، كلَّما عاندته، كلّما رفضتْ لمسه لها، كلَّما جلستْ هادئةً بمكانٍ بهذه الشقة التي أصبحتْ سجنها لمْ تخرج منها منذ شهرٍ كاملٍ- وتجاهلتْه.

كان يفقد صوابه ويبدأ في التدخين بشراهةٍ كلَّما وجدها هادئةً تضمُّ ساقيها لصدرها في جلستها المُعتادة منذ أيامٍ تنظر للفراغ أو لأي شيءٍ أمامها بشرودٍ. كان يتضايق من صمتها، من عدم حديثها معه كأي زوجين ومناقشته والضحك واللهو كما يرجو، كان يتضايق حتى من عدم عنادها معه وطاعتها لكل ما يقوله ولو بإيماءةٍ خفيفةٍ بالموافقة منها. وكأنَّه أرادها رافضةً تُعانده حتى يصرخ بها، يصفعها، يضربها، ويحطِّم عظامها ووجهها، أو حتى يلمسها رُغمًا عنها في أي مكانٍ بالشقة وبأيّ زمان.

أصبحتْ مريم معتادةً على كل هذا. تيبَّس جسدها من ضرباته وسوء أفعاله، انكتمت أُذناها عن صراخه وسِباباته المُعتادة، اعتاد أنفها على رائحة المُخدرات التي أصبح يُدخِّنها أمامها دون مبالاةٍ لحملها طفله حتى. وكأنَّها أصبحتْ ثملةً مُدمنةً مثله. مدمنةٌ بالصمت والتجاهل، إلى أن ابتسمتْ بسُخريةٍ تنظر للفافة التي يمدُّها لها مبتسمًا بجانبيةٍ تجيبه بهدوءٍ:

لأنني أنثى (الكتاب الثالث) |+١٦|. ✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن