جزء 16

929 37 1.1K
                                    

كلماتها كانت بسيطة...منطقية...لكنها واقعية...وتجلده بألف سوط...ملامحها جامدة...حزينة ومنكسرة...يكره هذه الأجواء...وكره رؤيتها هي بالضبط بهذه الحالة...وهل يلومها؟ هل يكذب على نفسه؟ هو السبب...هو من أوصلها لهذا؟ هو من جردها من حق الإختيار وحريتها...ولا يبدو متأثرا كثيرا بما يحصل إذ لا يزال عازما على امتلاكها!

- هل تستطيعين الإستحمام وحدك أم أساعدك؟

- سأستحم وحدي!

- الحقي بي إلى الأسفل...يجب أن تأكلي شيئا وإلا سيغمى عليك مرة ثانية!

لم ترد بكلمة...بل بقيت جامدة...مما أثار غضبه...فهي تتجاهله وقد نفذ صبره فلم يكن معروفا عنه الحلم والحكمة عندما يغضب...انحنى مقتربا منها ثم جذبها من ذراعها لتنظر إليه فقال بصوت حاد شادا على أسنانه:

- أنا أكلمك فلا تتجاهليني!

أغمضت عينيها لتجيبه بألم:

- حاضر!

- سأنزل الآن...وأنت...ستستحمين ثم تلحقين بي دون تأخير!

أومأت برأسها كاتمة أنفاسها الضعيفة...لاتملك الجهد لكي تقاتله...لاتريد أي جدال معه...تريد السلام فقط...تريد الهدوء وسط صخب أفكارها...لقد بكت...توسلت...حاولت الإنتحار...صرخت وانهارت...فقدت الوعي...لكنها لم تجن أي شيء...ولن تجني أي شيء وهي ترى التصميم بعينيه...

وقفت عندما تركها وغادر الغرفة...نزعت تلك الإبرة المغذية...أخذت ثوبا أبيض وقع عليه بصرها وملابس داخلية كانت بغرفة الملابس بقياسها ثم استحمت ونزلت تبحث عنه...لاتريد اختبار عنفه...وقد كان تهديده صريحا...وتلك الطريقة اللتي أمسك بها ذراعها كانت قاسية...لا تعلم ماللذي تشعر به الآن...ارتباك...جمود...صدمة...كابوس حقيقي...لاتدري...كل ما عليها فعله الآن هو تلقي ما يقدمه لها القدر بصدر رحب...دون اعتراض!

- تعالي ياسمينة!

انتبه لوقوفها بالبهو الفسيح...هناك دون حركة...بثوبها الأبيض ذو النقوش الذهبية اللذي ناسب جسدها...تأمل شعرها الحريري المفرود وقد جففته لتبقى بعض الخصلات رطبة بالماء...أجفلت عندما سمعت صوته...استدارت نحوه لتجده قريبا منها ثم لفها بذراعيه شادا إياها بقوة إلى حضنه وقد لمسه منظرها الضائع...

كانت كالطفل اللذي فقد والديه...ينظر إلى الناس حوله بشرود...نظرة الضياع تقفز من عينيها...رآها فكانت واضحة...كأنها تتساءل ماللذي سيحصل بعد؟ أجل ماذا بعد؟ هل سيكتفي منها قريبا ويرميها كالنفايات أم يتركها هنا...كالوقف...يستغلها كما يحلو له...ويحرمها من حقها في الحياة كإنسان!

استنشق رائحة شعرها، ثم غرس أنفه بين كتفها وعنقها...بينما كانت هي ساكنة بحضنه...لاتنكر شعور الراحة اللحظية اللذي يتملكها عندما يأخذها بحضنه...كأنه الجلاد والحامي بنفس الوقت...وهي الضحية اللتي عشقت جلادها...فبمن ستحتمي منه بعدما حصل؟ من سيقبل بها؟ أعمامها؟ وقد كاد يقتلها أحدهم فقط لرؤيتها برفقة مراد...فماذا لو علم بأنها دون شرف؟ ماللذي سيفعلونه بها؟

قبضة من حديدWhere stories live. Discover now