(٢٠ )
*
*
ماشاء الله ، اللهم صلِ على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
*
*في شوارع قسط الجوى..
وتحت ضوء قمر الخامس عشر من هذا الشهر كانت تمشي بمحاذاته بصمت بعد ليلة صاخبة سمعت فيها ضحكاته مع فريق الجوى في الأنحاء.صامت ولكنه مرتاح بابتسامةٍ مازالت مختبئة على ثغره
لم تخفِ ابتسامتها الملحة النَّابعة عن طمأنينتها عليه وتركتها تظهر على زوايا وجهها.
التفت ينوي سؤالها وعندما لمح ابتسامتها اتسعت خاصته لاشعورياً ليسأل:"لماذا تبتسمين؟"رمقته بنظرة سريعة وعادت تنظر لشوارع القسط الهادئة في هذا التوقيت وسرعان مارفعت كتفيها بعشوائية:"دون سبب .. فقط أبتسم"
هز رأسه بخفوت دون أن يعلق على جوابها:"تركت سيارتي أمام الحديقة القريبة من المقر وجئت بسيارة يوسف..لأجل ذلك..."
قاطعته بعدم مبالاة:"لا يهم، منذ فترة طويلة كنت أود المشي معك على الأقدام.."
صمتت مجفلة بعدما كانت تنوي الإسهاب بوصف كل مشاعرها ناحيته فاكتفى ببسمة -تخصها وحدها- دون تعليق..
شوارع قسـط الجوى القريبة من الحي لا تزال بعض معالم الحياة تتّسم بها برغم تهاوي بعض المنازل وخاصةً الطينية منها نتيجة قوة القصف بالمناطق المحيطة.. ركام وبقايا جدران مثقوبة خلفته الحرب الأهلية قبل الاحتلال!
مع ذلك..لم تشعر بالسوء والنقص ببلدها بل بالكمال
لطالما كانت تكتمل بوجوده بجانبها.. متى أدركت هذه الحقيقة؟ لاتعلم
ولكنها منذ شهور طويلة وهي تتلهف لأي مبادرة منه..
ارتجفت بشكل واضح عندما لامس ظاهر كفها بكفه دون أن تدرك ذلك لكنها لم تبعدها فقط تركتها تلامس كفه بين الفينة والأخرى متلذذة بالقشعريرة اللذيذة التي تعتريها نتيجة هذا التلامس.
لم تلحظ بسمته المتسلية والتي سرعان ما تحولت لبسمة عذبة منحرجة عندما تلامست كفيهما للمرة الخامسة فاحتجزها بين كفه وعانق أصابعها بأصابعه بكل قوة، دون أن يتركها وسط رجفتها الواضحة وصدمتها لتصرفه..كان يتجنب دائماً أي تماس معها..لكنه يبدو في هذه اللحظة كمن لا يود إفلات يدها أبداً
لم تسحبها..رباه هي لم تكذب خبراً حتى يكسر هذا الحاجز بينهم فهل تتخلى عنه! حمقاء هي إن فعلت.التفتت له ترمقه بطرف عينها فلمحت بساتين عينيه تسترق النظر لها فابتسمت بحرج وردّ لها الابتسامة.
وسرعان ما تحاشى النظر إليها وهو يدير وجهه للجهة الأخرى بذات اللحظة التي أدارت وجهها وهما يبتسمان بربكة
أخذ يرفع كفيهما ويدخلهما بجيب معطفة الأسود يقربها إليه حتى التصقت به وهما يمشيان متجهين للشارع وسط سكونهما وصمتهما
الذي وياللعجب كان بهذه اللحظة -الصمت الذي لا يودان انتهاءه أبداً- ولكن ليس كل الأماني تتحقق حيث أن المحطة بانت أطرافها أمامهما فاضطرت لقطع ذلك الصمت اللذيذ قائلة، تدقق في رقم الحافلة:"هذا الباص يتجه على الفور للمحطة التي أمام شارع بيتنا"
قال دون أن ينظر لها:"أتعبتِ؟"
لم تود أن تقول بأنها تشفق عليه هو؛ لأنها تعلم بأنه مرهق حد النَّخاع خاصةً بأنه لم ينم منذ البارحة يكمل المهمة مع يوسف وعاصي
وبعدها انتقلوا لتزيين ساحة منزل أبي سماهر ليكون مكاناً مناسبا للاحتفال فقالت بإيجاز:" تعبت.."