*
ماشاء الله، تبارك الرحمن.
اللهم صلِ على محمد
*
*
طوال اليومين الماضيين كانت تلتزم الصمت بشكلٍ مُربك، خاصةً بأنها شخصية حارة،
إن لم تتحدث تتراكم الكلمات في حنجرتها وتنفثها كنارٍ فجأة!
عندما استيقظت قبل انتقالهم ووجدت أخواتها قد تجهزنّ ينتظرنها، رمقتهن بخيبة للحظات
قبل أن تتجه للسيارة وتركب بصمت
ومن تلك اللحظة، تعتنق الصمت حتى عندما زرنها صباح هذا اليوم وحاولن تغيير حالها إلا أن مساعيهن آلت بالفشل،
وحتى عندما اطمأنت أنهن مرتاحات وأن انتقالهن كان الأفضل بما أن المدعو عاصي لن يتركها الآن..التفتت لتراه يجلس على الكرسي الخشبي في وسط صالة شقتهم يزفر نفسه الحار، يغمض عينيه بإرهاق، باتت أيامه مخيفة بل مرعبة خاصةً بعد رسالة يوسف المختصرة له (متجه للقصر الوزاري.. "زوجتي أمانة بين يديك
احرص على ألّا يمسّها ضر وكُن لها أخ في الرخاء والشدة
ستكون مع عواصف في ذات المكان. وحينما تقرر سكون أن تأتيك لتتحدث معك لا تصدها عنك وصدّقها.. أنا أعتذر على كل شيء
أعذرني يا سندي لأني لن أكون معك في خطواتك القادمة.
آسف لكن الوطن قبل كل شيء وأنت تعلم! قبل كل شيء حتى قبل قلوبنا..)تلك الرسالة عصفت بروحه.. يوسف لا يعتذر إلا لأمرٍ جلل وبما أنه لم يحدث شيء حتى هذه اللحظة فيبدو أن القادم موحش
ولماذا خصَّ زوجته وأمّنها بكل هذا التشديد له، وهو يعلم مسبقاً شعوره تجاه الوزير وجميع ذويه!
مئات الأسئلة تعوث برأسه لم ينقذه منها إلا صوتها الذي خرج على شكل وتيرة موسيقية إنما صاخبة جدًا: "أتفكر بمصيبتك التي بُليت بها؟"
التفت له بنظرة مستنكرة.. فاعتدلت بجلستها قائلة:
"أتعلم لماذا كنت أرفض تعاملك الطيب مع أخواتي؟ لماذا أرفض أي مبادرة منك لهنّ؟"
ينظر لها، ينتظر إجابتها بترقب حيث أنها وأخيرًا بدأت تتكلم كطبيعتها: "لأنهنّ ليس أنا يا عاصي.. هنّ.. هنّ"
حك طرف ذقنه ليقول مستدرًا منها الكلام: "هنّ ماذا يا سماهر..؟"
أخذت نفسًا بصعوبة لتقول: "أخشى عليهنّ الأذى، عندما تستيقظ من غفلتك وتكتشف بأنّي مجرد نزوة من نزواتك ".
تتسع شهلاءه المميزة بشيء من الصدمة لتكمل بقهر مُر: "ريم أخبرتني.. أنكَ تعتبر زيجاتك مجرد نزوات تفرغ فيها كبتك وبعدما تأخذ غايتك تقوم برميهنّ خلفك.. وأنا أخشى على أخواتي من هذا الدلال،
أخشى منك إن حدث وصحوت من نزوتك هذه وطردتنا من هذا المكان ونفيتنا عن حياتك.. أخشى عليهنّ خيبة الأمل.
أنا أقوى من أن أصدق أنه يوجد بهذه الدنيا رجل بهذه الشهامة يأخذ على عاتقه مسؤولية ليست بمسؤوليته،
بالنسبة لي أستطيع إخراجك من حياتي وكأنك لم تكن
أما هنّ..؟ أتظن كم من الزمن يستغرق مقدار خيبتهن وهنّ يقررن العودة لذات البيت الذي خرجنّ منه بآمالهنّ؟..."سكتت برهبة بسبب صوته الهادر: "ابتلعي لسانكِ الذي يقطر سمًا يا امرأة"
تنظر له بذهول ليهز رأسه بعدم استيعاب: "من تكون ريم هذه التي ترمي لك حذاءً وأنتِ تزرعينه بعقلكِ لدرجة تفوهك بهذا الهُراء"
تتحول نظراتها للشراسة بسبب جملته لكنه لا يعطيها مجالًا مردفًا: "لكِ أن تثقي بي يا سماهر ولو كنتِ مجرد نزوة وقررت يومًا أن أتخلى عنكِ لن أقوم برميك وراء ظهري؟ لن أتخلى عن أخواتكِ.. سيبقينَ تحت حمايتي.
عندما قررت أخذ مسؤوليتهنّ على عاتقي لم أعتبرهنّ نزوة
أنا قلت لهنّ -أنتن أخواتي- و عاصي الياقوتي
لن يترك أخواته للهلاك لو كان الثمن موته.."