الفصل الرابع والعشرون

1.6K 46 7
                                    


*
*
ماشاء الله تبارك الرحمن
اللهم صلِّ على محمد وآله الطيبين.
*
*
*

تُمسك بكف عبدالله الصغيرة علّها تجد في تشبثها به أمانها المسلوب منذ أن وطأت قدماها بهو هذا الفندق.. تتلفت بوجل وقلبها يقرع للخوف طبولاً بين أضلعها تشتم نفسها لماذا جئتِ ياحمقاء دون علمه؟ لتجيبها نفسها مرة أخرى-أيسمح لك بالحضور إن علم؟- والجواب واضح.
رفع عبدالله رأسه لها سائلاً بإستغراب: "ماما؟"
لتبتسم باضطراب وتنحني له:"عبودي..أخبرتك أننا سنأتي  لصديقتي كي نراها  وهي تلبس الفستان الأبيض بشرط أن يكون سر بيننا صحيح؟"
رمش ببراءة ليكرر بطفولية:"ماما صديقتك" لتضحك بمرارة تؤكد على كلماته..أخذته بأحضانها لتتجه لقاعة الأفراح الخاصة بالفندق وقفت على أعتابها بقلب يختلج وجعاً..تذكر هذا الموقف وكأن السنين لم تمضي وكأنه الأمس.. يوم لقاءها معه
قبل سنوات؛
في هذا الفندق تحديدًا.. عندما كانت تحارب الفقر والوحدة والعوز وأب عجوز يحتاج آلاف الأوراق النقدية ليعيش..لتغريها من سمّتها صديقتها للخوض في درب الحرام مؤكدة لها أن ليلة واحدة فقط ستكفي لمصاريف أشهر، عارضت بشراسة في البداية وطردتها وقطعت علاقتها معها..لكن تردى حال والدها ولم تجد من يعينها فبكت ضعفاً وهي تتجه لها من جديد
لتستقبلها صديقتها بسعة صدر تخفي غيظاً منها تزينها وتلبسها أفضل الفساتين لتطلب منها التخلي عن حجابها فترفض بصرامة أثارت ضحك صديقتها لتقول:"ماهذا الإيمان الذي لديك ياغادة؟"وقفت عند هذه الجملة وكادت أن تهرب لولا أن صوت سعال والدها وبكاءه من الوجع الليلة الماضية تركها تركل نفسها جانباً بل وتنحرها..لتتجه معها للفندق بقلب يشتعل رهبة من خوض هذا الدرب لأول مرة
رباه.. كانت تسخر منهن.. كانت تشتمهن
تسبهن وهي تتسائل كيف استطعن الخوض في درب الفجور
لتكون اليوم واحدة منهن!
وقفت في بهو الفندق تتلفت برعب حين سحبتها صديقتها لقاعة الأفراح قائلة:"تعالي هذا الزفاف لرجل غني مؤكد سنرى فيه المطلوب" لتتبعها بخطوات من تجهل مايحصل
تقف أمام القاعة لترى صديقتها تشير على رجل هندامه أنيق.. أعين خضراء وإن كانت بتلك اللحظة تتقد ناراً، شعر فاحم مرتب للخلف بطريقة أنيقة ووجهٍ واجم يرتدي بذلة رسمية باللون الرصاصي.
همست على إثر إشارتها:"يبدو أن العروس كانت حبيبته"
لتخرج من تأثرها بهيئة الرجل الوسيمة قائلة بخوف:"وماأدراكِ أنتِ اتركي عنكِ هذه الحركات!"
غمزت لها وهي تعيد خصلات شعرها الشقراء بحركة مغوية:"أُدرك ماتخفي هذه النظرات،هذا الرجل مجروح برجولته"
لتبتلع ريقها بصعوبة وهي تراها تدفعها دفعاً:"وأنتِ ضماده..اذهبي له رأيت نظرات تأثركِ عليه
صحيح أنه أعجبني لكن سأتركه لكِ، مادامت مرتك الأولى لكن ليكن في علمكِ المرة الثانية لن أترك لكِ رجلاً أعجبني أتفهمين!"
حل على قلبها شعور بشع، تزدري نفسها وصديقتها على تراشق الكلمات الفجة بنظرها
رباه.. ماذا تفعل أجنّت؟
لكن دفعة صديقتها القوية لها والتي كادت أن تسقط على وجهها على إثرها لولا أنه انتبه لها فمد ذراعه بحركة عفوية ولم تمسك بها من حرجها بل اتزنت بنفسها تنفض عن هندامها تراب وهمي تخفي حرجها عبر تصرفها، ليرمقها بنظرة خاطفة تتأكد من سلامتها ليغض البصر عنها وهو يبتعد خطوة للخلف يداري جرحاً نكأه رؤيته لمن تعشم بها زوجة لرجل غيره!
نظرة واحدة فقط كانت حيث جر خطواته بعدها للخلف لولا صوتها الواهِي الذي أجبره على التوقف:"أهي حبيبتك؟"
لتتسع خضراءه بشكل مرعب تركتها ترتعد تعود للخلف مرتجفة:"آسفة آسفة  لكن تبدو موجوعاً"
لتلين نظراته مشيحاً بها للمكان لكن خضراءه كانت تشتعل ناراً وهو يراها تقول بتلعثم من لايجيد ما يفعله:"إن وددت..أنا أنا  سأنسيك...."
توقفت عن الكلام وكأن الكلمات جمراً يقذفه لسانها وعيناها تقطر دمع الخزي من نظرته المزدرية لها ليقول لسانها بلا وعي:"بالحلال بالحلال طبعاً"
شعوره بتلك اللحظة، وجعه الذي لن يخمد ونار تتقد بروحه فلن تنطفئ حجبت عن عقله أي تفكير سليم خاصةً وهو يرى ارتجافها ورعبها
ورغم فهمه لفحوى كلماتها قبلاً بل ورؤيته لها مع صديقتها ذات اللباس الخالع قبل لحظات وإدراكه أنها -ضحية- أخرى للفقر والحرب إلا إنه أشار برأسه للإستقبال قائلاً بهدوء يُحسد عليه: "سأحجز لكِ غرفة اِستريحي بها حتى يعود لكِ عقلكِ وسأرجع لكِ غداً"
قرن قوله بفعله،ليحجز لها تاركاً المفتاح على طاولة الإستقبال ومعه ورقة تضمنت رقم هاتفه
ليسمعها تقول من خلفه بصوت يرتجف ذعراً:"أنا آسفة لا تأتِ أرجوك..أنا أخطأت أخطأت سأرجع لبيتنا" لكنه لم يعير بكاءها اهتمامًا فالنار التي في صدره لم تعطه هذه الرفاهية!

في الحب راءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن