هذا أنا

576 16 1
                                    

أحبّذُ الجُلوس وحيدًا، فلَا أحد يفهمَني؛ في زاويّة تِلك الغُرفة التِي أضت أشبه بملهى لَيلي كُلّ صباح، فوضَةٍ عارمة، بسببهَا وبّختُ طويلًا، ولكن ذَاك لم يُحرّك مشاعري فقد مات منذُ أن رأيتَ تلك الأم وهي ترمِي قطعةِ منها في ذَلك الزُّقاق، الأوراق المُتنَاثرة في كُل مكَان كَضحَايا زلزَال تُركيّا وسوريّا، هكذَا كلّ يوم أجلُس وحيدًا أرتدي سمّاعاتي المُلفّقة، تستهويني الأغَانِي الكُرديّة، يدَاي امامي وظهري الى الخَلف مُغمض العينين، أسمع تلكَ الكَلمات التِي لا أفهمها ولكنّي أظنُّ بأنّها صادقة، لا أدري هكذا أحسستُ، كلّ يوم أنظر الى نَافذةِ غُرفتي على أمل أن يأتِ ذَاك الطّيف الذِي لا يُفارق مُخيّلتي، ليَأخذَني لأُبصرَ هذَا العَالمُ الكئيب الذِي جعلنِي أكرهُ البَشر، ما فائِدةُ العَيش في عالمٍ يجعلُ من المرء ذَليلًا، يُصفّقُ للظالمُ مُرغمًا، ويترك المَظلوم لوحدهِ تحت الأنقاض يستغيث، ما فائدةُ الحياة دون حياء، ألسنَا مُجرّد نقطة بيضَاء اقتَحمت دائرةٍ شديدة السّواد، حاولنَا عندئذ التّغيير فقُبلنا بالرّفضِ والسّخريّة، تلك الضّحكات التِي تعالت نخزت القَلب نخزَ، فأدركتُ حينئذ أنّ الشّرُ انتَصر ولا مكان للأخيَار، إن اردّت الوصول لقلبِ المُراهق حدّثهُ عن الحُب واقضاءِ الشّهوات، وإن أردّت الوصول لقلبِ الشّاب حدثهُ عن الزّنا والقتلِ الحرام، وأن أردّت الوصول للشيخِ حدّثهُ عن النّصبِ والرّبا، ألَيس هذَا هوَ الزّمان ..

أعتَذر من كلِّ مُراهقةٍ راسلتنِي يومًا لتُخبرنِي كم هيّ تحبّني من وراءِ هذهِ الحُروف المُبعثرة التِي أنا بنفسي لا أفهمها، فقُبلت ببرودٍ وردٍ أشبه بالإنعدام، وكانت تنتظر كلامٍ يُغازل مفاتنها الصّغيرة، فكَانت تنتَظر كاتبًا حبيب فتفاجأت بأبٍ حريص ينصحها في زمنٍ أضَ فيهِ النّاصح مُزعجًا..

هذَا أنَا شخصًا مُزعجًا كئيب، ثقيلُ الدّم لا يحبّذُ الثّرثرة إلّا للأوراق، صامتٌ شديدُ التّركيز في أضألُ التّفَاصيل، مُنطفئ من الدّاخل كشيخٍ في العشرينَات، يُحبُّ الوحدَة والتّعرّف أكثر عن هذا العالمُ الكئيب، قارئًا خبيث، يحبّ التّعرف عن كُل جديدٍ وقديم، أنَانيُّ العادات، فلَا أرى احدٍ يُشبهني ولا أريدُ ذَلك، يكتُب ليزيد العالمَ كآبة، فلَا ترونَ منّي خيرًا، انَّني غبيٌّ أريدُ أن أصبح كاتبٍ مشهور في مُجتمعٍ أمِّي، لا يقرأ إلّا عن الجنسِ والشّذوذ.

ما ذنبكَ يا عزيزي لتقرأ كُلّ هذهِ الغرابة من كاتبٍ سيء؟!.

هذَا أنا.

SaFwAnALB

الحب الحلال |+18حيث تعيش القصص. اكتشف الآن