24

176 19 30
                                    

  صدق من قال أن المغرب والأندلس مثل الذرة المتماسكة لا ينشطران فإن مشيت في أحياء وشوارع المغرب القديمة سترى هناك الأسواق وصوت الباعة في كل مكان والأطفال التى تلعب أو نزلت للعمل في السوق مع أبائهم وأخوانهم والنساء التى تُفاصل في ثمن السلع وغلوا التجار في الأسعار وثرثرتهم عن أنواع الطعام وطرق الطهى وهناك على النواصى قهقهة الصبيان على بعض المواقف، وهناك من يصيح يُعلن عن سلعته ويبالغ في جودتها سواء كان بن فيصيح "البن اليمنى... بُنًا طازج"، وإن كان خيوط واقمشه" حرير چيان... حرير الأندلس "، وإن كان سمك" سمكًا بحرى... سمكًا طازج ".

   وهناك أثرى القوم واغناهم باعة البهارات والعطارة وقد كانت ملوك الناس قبل ظهور تُجار البترول والكهرباء والإلكترونيات هم تُجار الأعشاب والعطارة وقد أُشتهر العرب بأجود أنواع الأعشاب والتى يأتون بها من أفخر بلاد العالم وقد نُقلت تلك الثقافة بعد الفتوحات الإسلامية للعالم، ولا ننسى أن السبب الرئيسي في التأثير على تلك التجارة هو ارستوفر كلومبوس الذى اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح الذى قطع سُبل التجارة والتبادل بين افريقيا واوروبا وباتت طُرق السفر من اوروبا إلى منبع العطارة في آسيا.

   وعند أحد الزوايا كان هناك فرقة مُنشدة من الدراويش تُنشد في رثاء الأندلس منذ السقوط وقد اختار العقال الأسود على رؤسهم دائمًا حتى عودة الأندلس بأصوات عذبة مجروحة مثل الكروان أسير القفص المحروم من الرفرفة والطيران إلى حيث موطنه ولا يملك سوى صوته مُترنمًا"

  جادك الغيثُ إذا الغيث هما

      يا زمان الوصل بالأندلُسى

     لم يكن وصلك إلا حُلمًا

في الكرى أو خلسة المُختلسى

يا أُهيل الحى من وادى الغضا

ضاق  من وجدى بكم رحب الفضا

لا أُبالى شرقهُ من غربيهِ

فاعيدو عهد أُنسًا قد مضى

تُعتقوا عبدكم من كربهِ"


كل هذا كان أمام زرقاوتى حنا الذى كان يسير إلى جوار أحمد خال حكمت والآن قد أدرك أنه أضاع عمره من دون المجيئ إلى المغرب والأستقرار بها فبالرغم من خطورة الأمر إلا ان الحياة بين ابناء المغرب قد جددت له الشعور بالتكاتف والانتماء والود الذى يفتقده كما يفتقد الأمن والأمان في أندلسه الضائع والمسلوب.

   اما حنا.. أقصد يحيى كانت مشاعره متناقدة بين القديم والجديد والراسخ في ذهنه لعقود وما يراه الآن.

  فهنا يرى الجارة تُحدث جارتها من النافذة بكل ود واريحيه ويتبادلون فناجين القهوة، والاطفال توقر الكبير والكبير يعطف على الصغير، ويلقون السلام على بعضهم البعض في الأزقة والطُرقات حتى لو لم يعرفون بعض فيكفى قوله عليه أفضل الصلاة والسلام "افشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام" ليرى يحيي كل هذا أمام عينيه.

وسقطت حكمت! |  The fall down of Hikmat! ✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن