الفصل الأول _ هدية أبي الثمينة _ :

14.4K 551 49
                                    

أحسّ بقبضة تعتصر حلقه، حتى خُيّل إليه بأنه يختنق، و اللهفة بداخله تستحيل إلى غضبٍ حالك، شدد قبضته حول كأس الشراب الكريستال حتى كاد أن ينكسر لولا أنه تمالك أعصابه بآخر لحظة و هو يرد على محدّثه عبر الهاتف :

-انت متأكد يا وائل ؟ هي بنفسها !؟؟؟

أكد له الأخير بلهجةٍ لا تقبل الشك :

-بقولك شوفتها بعيني. أخدت قهوة من أون ذا ران. أول ما عرفتها نطيت في عربيتي و مشيت وراها. لسا ماشي أهو باينها طالعة على الإسكندرية.. عاوزني أعمل إيه يا رامز ؟

هب "رامز الأمير" واقفًا في الحال و هو يهدر محتدًا :

-خلّيك وراها. إياك تتوارب عن عينك. إياك يا وائل !!!

بدا كالوحش الكاسر و هو يتحرّك في شقته الفاخرة ملتقطًا أغراضه، سلسلة مفاتيحه، سترته الجلدية القاتمة، ارتداها فوق قميصه المفتوح على عجالةٍ ثم أسند الهاتف بين كتفه و رأسه صائحًا :

-أبعت لي اللوكيشن بتاعك و أنا هاحصلك. أنا جاي على الطريق. مش هسامحك لو فوّتها يا وائل مش هسامحك ...

و هرول راكضًا إلى الخارج، غير عابئًا بالفوضى التي خلّفها ورائه من زجاجات شرابٍ فارغة و أثاثٍ مبعثر و ألبسة نسائية متناثرة في كل مكانٍ، حتى لم يهتم بتلك الفتاة التي انسحب من جوارها تاركًا إيّاها بلا تفسيرٍ أو استئذانٍ، رغم إنها تشعر بأهميتها لديه من معاملته لها، إنها مساعدته الخاصّة منذ عامين ، و بينهما علاقة أقرّ بها منذ عام، تعرفه و تتآلف بطباعه الخبيثة، و نفس الوقت تطمئن له، و تظن بأنها ليست مجرد علاقة للفراش... فهل صحيحٌ ظنّها ؟

إنها لا تعرف "رامز الأمير" حقًا، مهما ظنّت بأنها اقتربت من هالته الغامضة، الحقيقة إنها لا تفقه أيّ سبيلٍ يؤدي إلى قلبه، أو حتى عقله، وحدها هي التي تملك زمام كيانه، ضالته التي هبطت إلى حياته مصادفةً، فملأتها بهجةً و سعادة، حوّلته من شخصٍ لا مبالي إلى عاشق، إلى رجلٌ يتوق لامرأته، نصفه الاخر، و قد وجدها أخيرًا بعد أن جحد بالفكرة، جعلته يؤمن بها حين ألتقاها، و هي نفسها التي هجرته قبل ما ينوف عن ثلاثة أعوام ؛ هكذا فجأة و بدون أسباب، اختفت من حياته بعد علاقة حب، بل عشق جنوني كاد أن يتخطّى حدود المنطق من شدة تعلّق و إنتماء كلاهما للآخر ...

-شمس ! .. همس "رامز" بحسرةٍ تميل للغضب و هو يستقلّ خلف المقود

يشغّل محرّك السيارة و يفعل كل شيء بأيدي نزقة، ينطلق بسرعة كالمجنون، و كأنه يسابق الزمن لإنقاذ حياته، عثوره عليها بعد كل تلك المدة أمر لا يُصدق، لأنه قد بحث، بحق الجحيم إنه لم يترك مكانٍ لم يبحث فيه عنها، نُزُل مشافي و حتى تحقق من قوائم السفر من جميع الموانئ الجوّية و البحرية و لا زال يصله جردًا شهريًا بها، لم يفقد الأمل و مع ذلك علم بأنها لن تسمح له بالعثور عليها

وما أدراكِ بالعشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن